*خلف عامر – الرياض
استوقفتني قصيدة للشاعر نضال بشارة منشورة على صفحته بالفيسبوك، وفي موقع إلكتروني، بعنوان:” ابن الرقة يبحث عن جثته!”
قصيدة متخمة بالهموم والقهر، ولدت من رحم واقع متأزم.
لايُبدع خائف، ولايمر الاستقرار بزقاق واهم وحالم، ولا تستطع المسكنات – : Antibiotic – التي استنجدت بها مهما اشتد نزقها من لجم الوجع الإنساني، وإيقاف هذيانه المستمر، وتداعياته على الجسد والروح في أن واحد.
ركّز الشاعر نضال بشارة في نصه الشعري على المفارقات، في الزمان والمكان والشخوص- الرقه العجيلي – إبراهيم الجرادي – بندرخان تل أبيض الرقة.
من بين الأموات يُنهض مهرجان الشعر العربي بمحافظة الرقة عام 2023 الشاعر إبراهيم الجرادي، ليخرج شاهرًا يراعه وحبر قلبه صارخًا:
– هل مازال الشعر بخير.؟ّ!
ليرد عليه “بشارة”:
لا عليك…إنها لحظة تكريمك للمرة الثانية، إذ كان أول تكريم لك في مهرجان الشعر العربي وأنت حي ترزق عام 2008، وهذا حقك علينا.
نم قرير العين، ولأنك قامة شعرية ونقدية تم تكريمك مرتين.
أتاك “بشارة”حاملا نصه الشعري لينثره على ضريحك أيها الشاعرً الذي أتعبه الصدق، علّه يفيك وحروفه وذاكرته المُتعبة من تلون الوجوه بألوان المصالح على مدار الساعة, جزءًا يسيرًا من حقك أيها الجرادي النبيل.
*مكاشفات:
النص الشعري لــــ “بشارة”يجسّد مكاشفة حقيقية وجريئة وكشف الأقنعة المزيفة والأيادي التي تحركها.
عَرّج “بشارة” ليرينا السماء الحبلى بمسيرات الموت المجهولة الهوية التي تقتلع الحياة بالتعاون مع الجوع والقلق.
وكأني به يقول باتت الأرض تغص بالقبور، ومازت طيور الموت تحمل الكثير.
رحلت الأسماء كلها وبقي اسم واحد للمفرد جثة، وللجمع جثث في بيادر الموت،
النص المأخوذ من رحم واقع متقلب مجنون، أورد الموت وما يدل عليه كــــ:/ الريح – أمل مخلوع- القذائف عشقت روحه- الأضرحة – ماتبقى من ماء الفرات – الهلاك – يحاول ان ينجو – الحرب الدائمة- القتل – غدر بنا وغدرنا به- بسوس الفتنة – مصرف وحشية الإنسان – دود الذكريات وثعالب الأوهام. /
وكأني بالقارئ للوهلة الأولى يصنفه نصًا وثائقيًا لمرحلة لمكان محدد يعاني مايعاني من أزمات نفسية واجتماعية واقتصادية وقيمية.
نص استمد شاعريته من وقائع مُعاشة، ليفسر الفجائع بكل أبعادها وتداعياتها.
*ابن الرقة يبحث عن جثته!
*نضال بشارة
ابن الرقة لا وقت لديه
ليس لأنه شغوفٌ
بمطاردةِ الغزالات
على حافة الريح
. أو بالوقوف قرب النوافذ
لتأمل أبواب الأمل المخلوع
في برج الصدى
. ولا لأنه فراشة،
من مكتب سياحي لآخر،
لقضاء عطلة الصيف
في أفق الموج.
ولا لأنه مراهقة تتابع
عروض اللانجري
في حاكورة الجهات
. ولا لأن في أجندته
مواعيد زفافٍ لا تأتي
. لا وقت لديه حتى
لقطف وردة،
فالقذائفُ عشقت
روحه فطاردته
تحت سابع أرض وفي
حظيرة الأضرحة،
وفي ما تبقى من ماء
الفرات الذي سرقوه
ووضعوه في متاحفهم الغزاةُ.
لا وقت لابن الرقة
حتى أن يحمل أمّه
ينجو بها من الهلاكِ إلى النخيلِ،
وأن ينجو بجدته وحكاياتها
غذاء للأحفاد القادمين.
يحاولُ أن ينجو
بظلال مهرجان العجيلي للرواية
يُهجّي شواغل الموت
في الفصل الأول
من رواية الحرب الدائمة،
وعذره أنّا لاحقان
بملكة جمال النمل
. ويحاول بما تبقى على
مقاعد قلوبنا
من تكريم الشاعر إبراهيم الجرادي
في قاعات أرواحنا
التي استّحمّت بقصائده،
فيطفئ سؤال أطفاله
وامرأته عن الخبز
و”أنتي بيوتيك” الفقدان.
لا وقت لديه حتى
لتلاوة صَلاَتَهُ
على أضرحة الأحبة،
التي انشغلت طائراتٌ،
لا هوية لها سوى القتل،
باتّخاذ “سيلفي” معهم قبل قتلهم!
فثمة ما يشغله،
غير البحث عن أيقونة ” الثريد
” ببهار فوزية المرعي، ٠
و”مناسف” المحبة.
. البحثُ عن جثته
ليهيل عليها تراب الوطن
الذي قُدّ من فصول٠
خريف أربعة
وهندباء الألم
. والذي غدر بنا وغدرنا به
. يبحثُ عن ” بسوس ” الفتنة
يعرّيها كراقصة ليل
لتموت قبل ناقتها
ويربّتَ بروحه على
كتف نار الحرب.
يبحثُ عن ضحكات أطفال
صارت أرصدة
في مصرف وحشية الإنسان
. ويوقن جيداً أنه لن يجد
سوى دود الذكريات
وثعالب الأوهام!!