_____________________________________________
يعتبر التقويم الغريغوري أكثر التقاويم استعمالا في العالم اليوم. وهو عبارة عن اصلاح للتقويم القديم اليولياني (الشرقي) الذي وضعه يوليوس قيصر، ثم أصدر البابا غريغوريوس الثامن امرا بابويا بتطبيقه في 24 شباط 1582. المشكلة أن السنة اليوليانية كانت اطول قليلا من الواقع، حيث كان موعد الاعتدال الربيعي يتأخر مع مرور السنين مسببا تأخير موعد الاحتفال بعيد الفصح لدى المسيحيين. حيث كانت الكنيسة في الاسكندرية تحتفل بعيد الفصح في اول يوم أحد بعد اليوم الرابع عشر للقمر على ان يكون بعد الاعتدال الربيعي الذي اعتبروه موافقا لـ 21 آذار. اما كنيسة روما فقد كانت تعتبر 25 آذار هو يوم الانقلاب الربيعي حتى عام 342. وحسب كنيسة الاسكندرية فان عيد الفصح قد يقع بين 22 آذار و25 نيسان. ولدى كنيسة روما بين 20 آذار و19 نيسان. وقد أصلح التقويم الغريغوري هذا الخطأ بإسقاط 10 ايام من التقويم السابق حتى يتواءم مع التوقيت الحقيقي للفصول.
اعتبر التقويم اليولياني أن السنة الشمسية تبلغ 365,25 يوما في حين أن السنة الشمسية تبلغ في الواقع 365,2422 يوما، وبذلك فإن السنة في تقويم يوليوس قيصر كانت تزيد بجزء صغير من اليوم يقدر بـ 0.007626 من اليوم بالنسبة للسنة الشمسية الحقيقية، وهذا يعادل زيادة قدرها 11 دقيقة و14 ثانية سنويا، وبتوالي السنين يزداد هذا الفرق إن هذا العدد من الدقائق سبب زيادة في عدد الأيام بقدر 3 أيام كل 4 قرون. وقد لاحظ فلكيو البابا غريغوريوس الثالث عشر بابا روما أن الاعتدال الربيعي الحقيقي وقع في اليوم الذي اعتبرته النتيجة اليوليانية 11 آذار فكان الخطأ قد بلغ 10 أيام وذلك في عام 1582 بعد أن كان الاعتدال الربيعي قد وقع في 21 آذار سنة 325 ميلادية. ولهذا فقد اقتطع ثلاثة أيام من كل 400 سنة؛ وذلك باعتبار السنين المئوية بسيطة إلا ما كان منها قابلا للقسمة على 400 دون باقٍ فتكون كبيسة، وهكذا نام الناس يوم الخميس 4 تشرين الأول 1582م واستيقظوا يوم الجمعة 15 تشرين الأول 1582م وقد كبروا في ليلة واحدة 10 أيام. ولولا مكانة البابا الدينية ما كان هذا الأمر ليقبل عند مجموع الناس.
قاومت الدول غير الكاثوليكية هذا التقويم حتى استقر الأمر عليه في القرن العشرين فقبلته كل الدول مدنيًا. ولكن القيادات الدينية لم تقبل هذا التعديل في الكنائس الأرثوذكسية الشرقية، والكنائس الأرثوذكسية الرومية، واستمروا على استعمال التقويم اليولياني، الذي أصبح الفرق بينه وبين التقويم الغريغوري حاليًا 13 يومًا. لذلك فحسب التقويم الغريغوري المستعمل يعيد المسيحيون الشرقيون في 7 كانون الثاني مع أن الجميع يعيد في 25 كانون الأول ولكن كل حسب تقويمه.
بالرغم من توالي تطبيق التقويم الغريغوري في البلدان المختلفة، رفضت الكنائس الارثوذكسية (القبطية، والاثيوبية، والاريتيرية، والسريانية، والارمنية والآشورية) الاعتراف به. بدلا من ذلك قررت ان تعتمد تقويما يوليانيا معدلا باسقاط 13 يوم من عام 1923. ثم وضعت طريقة ثانية لاحتساب السنوات الكبيسة من شأنها ان تبقى متوافقة مع التقويم الغريغوري حتى عام 2800.
إذا لما يتحدث الناس حتى اليوم بالتقويم الشرقي كإشارات طقسية ؟
——————————————————————
لاحقا تغير التقويم في سورية وبلاد الشام والرافدين والبلدان العربية والاسلامية، فقد كان التقويم الميلادي ثانويا في سورية والدول الإسلامية اثناء الاحتلال العثماني ولكن التقويم الميلادي مفيد من ناحية ضبط مواقيت الزراعة والحصاد، بالإضافة الى توقعات الفصول والانواء الجوية، وقد اكتسبت شعوب بلاد الشام والرافدين خبرة في تحديد مواعيد التغيرات بدقة متناهية، بل واعطى تسميات معينة لهذه التغيرات مثل (السعودات، سقوط الجمرات، المربعانية، برد العجوز، الآبيات، وغيرها) بالإضافة الى تقسيم شهر آب المذهل الى ثلاثة اقسام (العشرة الاولى: حار جدا، والعشرة الثانية: حار صباحا معتدل مساءا، والعشرة الثالثة: تفتح للشتاء بابا). هذه المواسم عينت على مدى قرون حسب التقويم اليولياني الذي كان ثانويا في الدولة العثمانية ومستعمراتها. قبل التحول إلى التقويم الغريغوري مع قدوم الاستعمار البريطاني، نشأ اختلاف في التوقيتات مقداره 13 يوم، هي مقدار تأخر التقويم اليولياني عن الغريغوري.
مما سبق يمكن الآن تفسير اعتماد الناس على التقويم اليولياني أو الشرقي، لذلك حين تسأل كيف يكون الطقس حارا رغم اننا في شهر ايلول، غالبا ما يقال لك ان ايلول العرب لم يأت بعد، وانه يأتي متأخرا عشرة او أحد عشر يوما عن ايلول الغرب ولازال الكثيرون يعتمدون على هذا التقويم
أما علميا ومناخيا فتغيرات الأرض الرئيسية مثل الاعتدالين الربيعي والخريفي حيث يبدأ بعدهما الربيع والخريف، وكذلك الانقلاب الصيفي والشتوي الذي يأتي بعدهما الصيف والشتاء، لا يبدأ ملاحظة والإحساس بظهور الخصائص الحقيقة للفصل من حرارة أو برودة أو اعتدال إلا بعد مدة لا تقل عن أسبوعين من الانقلاب أو الاعتدال (تبعا لموقع المنطقة وارتفاعها وبعدها عن البحر) وتبعا لحركة الضغوط الكبرى والتي تغير معها خصائص ومنابع المنخفضات وشدتها، لأن الاحساس بالحرارة أو البرودة يأتينا من حرارة الأرض بشكل مباشر وليس الشمس لأن الشمس تأخذ مدة لا تقل عن أسبوعين (على مدار الأشهر) في عملية تسخين الأرض لذلك الإحساس بالحرارة لا يأتينا فورا بعد الانقلاب الصيفي بل في تموز وآب، وكذلك تحتاج الأرض لمدة لا تقل عن أسبوعين حتى نلاحظ تأثير بعد الشمس عنها كي نشعر بالبرودة، ولذلك لا نشعر بالبرودة الأكبر في كانون الأول بل في كانون الثاني، وهي نظريا نفس المدة الفاصلة بين التقويمين الغربي والشرقي.
د. رياض قره فلاح
أستاذ علم المناخ في قسم الجغرافية
جامعة تشرين