دراسة و إعداد الباحث : مهتدي مصطفى غالب
الجزء 5
النيروز في التاريخ :
ج- لدى العرب الآشوريين القدماء : يحتفل أبناء الشعب العربي الكلداني السرياني الآشوري في سوريا والعالم بعيدهم القومي عيد (الأجيتو ) و تلفظ الجيم كالجيم المصرية (الأكيتو) عيد رأس السنة البابلية – الآشورية وذلك في الأول من نيسان. ويحظى هذا العيد – الذي يعود الاحتفال به بحسب مراجع أشورية إلى 6762عام قبل الآن – بمكانة خاصة لدى أبناء هذا الشعب، لما يحمله من قيم ودلالات إنسانية وفلسفية، رافقت مسيرته الحضارية، وتؤكد على عمق ارتباط الإنسان بالطبيعة والأرض ودورة الحياة المستمرة بلا انقطاع، وتؤشر إلى قدرة الإنسان على التجدد والانبعاث.عيد أكيتو (رأس السنة الآشورية) أو كما يلفظ باللغة الأشورية “خا بنيسان” يمثل بداية للخير وقدوم فصل الربيع, ويعتمد على أسطورة قديمة مفادها “زواج عشتار إلهة الحب مع تموز إله الخصب”, و الأسطورة تحوي الكثير من التفاصيل عن نزول عشتار إلى العالم السفلي و حجزها هناك و عدم اكتراث زوجها تموز بذلك، و بعد عودة عشتار تعرض على مجلس الآلهة لمعاقبة تموز حيث يقرر المجلس منح الخلود النصفي له, أي يبعث إلى الحياة لمدة ستة أشهر فقط من السنة, و هكذا يبعث تموز إلى الحياة في اليوم الأول من نيسان ثم يعود إلى العالم السفلي أي عالم الأموات مع نهاية شهر أيلول .ويقيم العرب الآشوريون احتفالاتٍ شعبيةً بين أحضان الطبيعة بحسب الطقوس والتقاليد الآشورية القديمة، مثل تقديم القرابين للآلهة والهدايا للملوك وإقامة شعائر احتفالات زواج جماعي، فيعقدون المهرجانات الفنية والتراثية، من غناء ودبكات (رقص شعبي) وغيرها من التقاليد القومية التي تعبِّر عن الحضارة الآشورية.
د- لدى العرب المصريين القدماء : النيروز وعيد رأس السنة المصرية هو أول يوم في السنة الزراعية الجديدة… وقد أتت لفظة نيروز من الكلمة القبطية nii`arwou (ني – يارؤو) = الأنهار، وذلك لأن ذاك الوقت من العام هو ميعاد اكتمال موسم فيضان النيل سبب الحياة في مصر.. ولما دخل اليونانيين مصر أضافوا حرف السي للأعراب كعادتهم (مثل أنطوني وأنطونيوس) فأصبحت نيروس فظنها العرب نيروز الفارسية..ولارتباط النيروز بالنيل أبدلوا الراء بالأم فصارت نيلوس ومنها أشتق العرب لفظة النيل العربية..
.. ويقول الأنبا لوكاس المتنيح أسقف منفلوط: أن النيروز اختصار (نيارو أزمورووؤو) وهو قرار شعري أيتها لي للخالق لمباركة الأنهار..(لاحظ كلمة أزمو `Cmou التي نستخدمها في التسابيح القبطية مثل الهوس الثالث وتعني سبحوا وباركوا). وعِوضًا عن كتابة القرار كامل بنصه اختصروا إلي كلمة واحدة (مثل صلعم في العربية(1)) توضع فوقها خط لتوحي للقارئ بتكميل الجملة (مثل كلمة أبشويس القبطية `P=o=c) وأصبحت نياروس ومعناه الكامل “عيد مباركة ألأنهار”. ومع عصر دقلديانوس أحتفظ العرب المصريون بمواقيت وشهور سنينهم التي يعتمد الفلاح عليها في الزراعة مع تغيير عداد السنين وتصفيره لجعله السنة الأولي لحكم دقلديانوس =282 ميلادية = 1 قبطية = 4525 توتية (فرعونية)، ومن هنا أرتبط النيروز بعيد الشهداء.. حيث كان في تلك الأيام البعيدة يخرج المسيحيين في هذا التوقيت إلي الأماكن التي دفنوا فيها أجساد الشهداء مخبئة ليذكروهم. وقد أحتفظ الأقباط بهذه العادة حتى أيامنا فيما يسمونه بالطلعة.. يحظي النيروز باهتمام شديد باعتباره عيد عربي مصري قديم يوافق اليوم الأول في السنة الزراعية الجديدة، حيث تنظم الاحتفالات بالنيروز كتراث ثقافي عربي مصري و يسمى ب ( عيد شم النسيم )، وباعتبار أن السنة المصرية التي تبد بشهر توت هي الأساس الذي تقوم عليه الزراعة المصرية إلي الآن. ، ويشرح بيومي قنديل معني كلمة نيروز قائلا: إنه في الأصل مشتقة من الكلمة القبطية ني يارؤو أي الأنهار iarwou لأن ذلك الوقت من العام كان ميعاد اكتمال موسم فيضان النيل سبب الحياة في مصر ثم حرفت الكلمة إلي النيروز.
حافظ العرب المصريون علي الاحتفال بهذه المناسبة عبر العصور، ويذكر المقريزي الذي عاش في عصر المماليك مظاهر الاحتفال برأس السنة المصرية في العصور الوسطي، والذي كان واحد من الاحتفالات الكبرى التي يحتفل به المصريون جميع مسلمون ومسيحيون، كم كانت الدولة منذ العصر الفاطمي تحتفل علي المستوي الرسمي بهذه المناسبة بتوزيع العطايا والخلع إلي جانب الاحتفالات الشعبية، والتي كانت تأخذ شكل كرنفال carnival شعبي رائع يخرج فيه الناس إلي المتنزهات العامة ويرشون بعضهم بالماء، ويختارون من بينهم شخص ينصبونه أمير للنيروز يسير بموكبه في الشوارع والحارات ويفرض علي الناس الرسوم ويحصله منهم ومن يرفض يرشه بالماء، وكل هذا طبع من باب الدعابة واللهو. « وجاه كلمة النوروز في الحضارات الفرعونية حيث كتب{قال الحافظ أبو القاسم علي بن عساكر في تاريخ دمشق من طريق ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن فرعون لما قال للملا من قومه: إن هذا الساحر عليم قالوا له: ابعث إلى السحرة فقال فرعون لموسى: يا موسى اجعل بيننا وبينك موعدًا لا نخلفه نحن ولا أنت فتجتمع أنت وهارون وتجتمع السحرة فقال موسى: موعدكم يوم الزينة قيل: ووافق ذلك يوم السبت وقيل يوم الجمعة في أول يوم من السنة وهو يوم النوروز , وفي رواية: إن السحرة قالوا لفرعون: أيها الملك واعد الرجل فقال: قد واعدته يوم الزينة وهو عيدكم الأكبر ووافق ذلك يوم السبت فخرج الناس لذلك اليوم.
وتبدأ هذه السنة من بداية استخدام الشهور القبطية في مصر العربية الفرعونية قبل الحقبة القبطية. وقد طالب الدكتور عماد أبو غازي الأستاذ بكلية الآداب جامعة القاهرة والمشرف علي اللجان الثقافية بالمجلس الأعلى للثقافة في كلمة بعنوان عيد المواطنة و الاحتفال بالنيروز و من مظاهرالاحتفال برأس السنة المصرية حيث يتبادل الناس الهدايا، ويتجمع الرجال والنساء في جماعات كبيرة ويركبون السفن والقوارب التي تتجول بهم في نهر النيل وهم يغنون ويعزفون الموسيقي ويرقصون في احتفال من أكثر الاحتفالات العربية المصرية بهجة، وفي الاحتفال تدق بعض النساء الطبول، ويعزف بعض الرجال بالمزامير، ويقوم البعض بالتصفيق بالأيدي.
. فى العصر الفاطمى كم كانت الدولة تحتفل علي المستوي الرسمي بهذه المناسبة بتوزيع العطايا والخلع إلي جانب الاحتفالات الشعبية، والتي كانت تأخذ شكل كرنفال carnival شعبي رائع يخرج فيه الناس إلي المتنزهات العامة ويرشون بعضهم بالماء،كان عيداً من اكبر أعياد مصر و تعبر عنه مهرجانات تطوف الشوارع و الأسواق و تظهر العاب نارية و توزع العيديات و تؤكل الفاكهة وخصوصاً الرمان و البطيخ و البلح و السفرجل و العناب و الهريسة المعمولهة من لحم الغنم أو الابقارأو و لحم الفراخ. و كانت الشوارع تزدحم فى عيد النيروز ويقام كرنفال كبير يلف القاهرة و يختارون واحداً يطلقون عليه لقب ” أمير النيروز ” ، يمتطي حماراً ويطلي وجهه بالجير أو الدقيق ويضع على دماغه طرطوراً طويلاً ( يشبه المهرج أو ما يصطلح على تسميته البلياتشو ). ومن حوله كانوا يحملون جريداً أخضر وسعف نخيل وشماريخ بلح. و لا تتدخل الشرطة نهائياً و كل شخص يفعل ما يريد ،. و كان الكرنفال يمر على البيوت والدكاكين ، و كان ( أمير النيروز ) ويفرض علي الناس الرسوم ويحصلها منهم ومن يرفض يرشه بالماء، وكل هذا طبعاً من باب الدعابة واللهو ( و هذا يذكرنا باحتفالية : عروس ريا التي كانت تمارس في بلادنا و مناطقنا )
. و في يوم عيد النيروز كان المصريين يصنعون الحلويات حلويات مثل (البسبوسه) ولقمة القاضي ، و كانوا بيتبادلونها وفي الوقت الحالي يصنعون كعك العيد ، و كانوا يأكلون الفواكه و خصوصاً البطيخ والخوخ والبلح.
و استمرت هذه الاحتفالية في العصور التي تلتها ففي عصر الدولة المملوكيه كانت تصنع ثلاث وخمسين نوعاً من الحلويات على أقل تقدير.
و يربط المقريزي المؤرخ العربي المصري النوروز بنبي الله سليمان وأيوب {عليهما السلام}، فكتب {وقيل: إن سليمان بن داود {عليهما السلام}، أول من وضعه في اليوم الذي رجع إليه فيه خاتمه وقيل: هو اليوم الذي شفي فيه أيوب {عليهما السلام}، وقال الله سبحانه وتعالى له: ” اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فجعل ذلك اليوم عيدًا وسنوا فيه رش الماء ويقال: كان بالشام سبط من بني إسرائيل أصابهم الطاعون فخرجوا إلى العراق فبلغ ملك العجم خبرهم فأمر أن تبنى عليهم حظيرة يجعلون فيها فلما صاروا فيها ماتوا وكانوا أربعة ألاف رجل ثم إن الله تعالى أوحى إلى نبي ذلك الزمان ارايت بلاد كذا وكذا فحاربهم بسبط بني فلان فقال: يا رب كيف أحارب بهم وقد ماتوا فأوحى الله إليه: إني أحييهم لك فأمطرهم الله ليلة من الليالي في الحظيرة فأصبحوا أحياء فهم الذين قال الله فيهم: ” الم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم ” البقرة 243 ” فرفع أمرهم إلى ملك فارس فقال: تبركوا بهذا اليوم وليصب بعضكم على بعض الماء فكان ذلك اليوم يوم النوروز فصارت سنة إلى اليوم ،.».
و قبل أن ننهي جولتنا على عيد النيروز في مصر لابد لنا من إيراد رأي يحاول تفسير الاسم و هو قول الأنبا لوكاس المتنيح أسقف منفلوط: أن النيروز اختصار (نيارو أزمورووؤو) وهو قرار شعري أبتها لي للخالق لمباركة الأنهار..(لاحظ كلمة أزمو `Cmou التي تستخدم في التسابيح القبطية مثل الهوس الثالث وتعني سبحوا وباركوا). وعِوضًا عن كتابة القرار كاملاً بنصه اختصروا إلي كلمة واحدة (مثل صلعم في العربية التي تعني : صلى الله عليه و سلم ) توضع فوقها خط لتوحي للقارئ بتكميل الجملة (مثل كلمة أبشويس القبطية `P=o=c) وأصبحت نياروس ومعناه الكامل “عيد مباركة ألأنهار”.
. حافظ المصريون علي الاحتفال بهذه المناسبة عبر العصور، ويذكر المقريزي الذي عاش في عصر المماليك مظاهر الاحتفال برأس السنة المصرية في العصور الوسطي، والذي كان واحد من الاحتفالات الكبرى التي يحتفل به المصريون جميعاً مسلمين ومسيحيين.
يتبع الجزء السادس