بقلم ناجي أمّهز
من يتابع ما حصل خلال الأيام القليلة المنصرمة، يستشعر أن الموارنة فقدوا اتزانهم السياسي نهائيًا، حيث اعترض البعض على كلام الأستاذ وليد غياض الذي أكد أن البطريرك رفض إملاءات بعض السفراء الذين طالبوه بنعت المقاومة بالإرهابية. مع أن مثل هذا الكلام يمنحنا جميعًا الفخر والاعتزاز بدور بكركي الوطني والحاضن للجميع، ويضع اللبنانيين أمام حقيقة مجردة عارية انه بدل ان يقوم لبنان الرسمي والشعبي بالاعتراض والاحتجاج على قرار جامعة الدول العربية بوضع مكون لبنانيا على لوائح الارهاب ظلما فقط لانه يقاتل العدو الاسرائيلي، تجد بعض اللبنانيين وخاصة الموارنة يرفضون ان تقوم جامعة الدول العربية بازالة اسم هذا الفريق اللبناني عن لوائح الارهاب العربية، والتي غالبية الدول في جامعة الدول العربية لا تعرف الديمقراطية ولا حتى اقل معايير حقوق الانسان.
بدل ان يقوم الجميع برفع رايات بكركي عاليا وخاصة البطريرك الراعي الذي رفض الاملاءات الغربية والعربية، تجد بعض الموارنة يشنون حملات عنيفة وقاسية على بكركي لانها رفضت نعت مكون لبناني بالارهاب.
هل فعلًا هؤلاء هم الساسة الموارنة الذين كان يتغنى بحكمتهم السياسية الشرق الأوسط، أم أن المقولة التي تنطبق على غالبية الطبقة السياسية المارونية هي أن التحدث بالفرنسية أو الإنجليزية لا يعني أنك مثقف؟
عندما تجلس مع النخبة المسيحية من غير الطائفة المارونية وتسألهم عن تاريخ الساسة الموارنة، يقال لك: إنه حاضر أمامك. هناك فقط حزبان يمكن البناء عليهما في المارونية هما الكتلة الوطنية والشهابية.
الكتلة الوطنية يمكن اعتبارها ضمير لبنان الناصع البياض، لكن الكتلة الوطنية لم تنغمس بالسياسة، أي أنها بقيت حالة طوباوية، لذلك لا يمكنك أن تصفها بالحالة السياسية، فالسياسة هي وزارات أو أقلها صراعات لتحقيق نتائج سياسية، والعميد ريمون إدّه لم يحاول أبدًا أن يستخدم السياسة لتحقيق رؤيته لإنقاذ لبنان بل كان يقول رأيه ولا يتزحزح عنه.
أما الحالة الشهابية، فإن الرئيس فؤاد شهاب هو مؤمن بمسيحيته إلى أقصى الحدود ويعتز بمارونيته أشد الاعتزاز، لكنه كان عروبيًا وناصريًا أكثر من عبد الناصر نفسه. ورغم الاختلاف الشهابي والكتلاوي، إلا أن الاثنين جمعهما العداء المطلق لإسرائيل. بل حتى إرسال قائد الجيش العميد إميل البستاني إلى مؤتمر القاهرة، هو أن الجنرال البستاني كان أعد خطط حربية لقتال إسرائيل من بينها حروب المقاومة، لذلك قبل بانطلاق العمل المقاوم الفلسطيني من جنوب لبنان. ويبتسم هذا الرجل وهو ينظر إليّ ويقول بصريح العبارة: “الموارنة سبقوا الشيعة في مقاومة إسرائيل”.
أما ما تبقى، فإن أول تدخل أجنبي في الرئاسة اللبنانية هو عندما زحف الرئيس بشارة الخوري إلى الفرنسيين لتدخل من أجل الضغط لانتخابه رئيسًا للبنان. أما كميل شمعون فإنه أول رئيس في القرن التاسع عشر لدولة مستقلة يطالب دولة أجنبية باحتلال وطنه للقضاء على شعبه الذي يختلف معه في الرأي وفي بعض القناعات، وهذه السابقة كتب عنها الكثير.
أما التفويض الأمريكي للسوريين بحكم لبنان، فإنه حصل بموافقة الرئيس إلياس سركيس، وتم إلصاق التهمة بالرئيس سليمان فرنجية، مع العلم بأن براون طرح الفكرة على الرئيس سليمان فرنجية قبل نهاية ولايته، الرئيس سليمان فرنجية رفض فكرة التفويض المطلق، ووافق على دخول السوريين لدعم الدولة اللبنانية، وأن تكون القيادة للدولة اللبنانية. ومع انتهاء ولاية الرئيس فرنجية، حملت القيادة الأمريكية براون رسالة واحدة: إما يتم انتخاب رئيس للجمهورية يوافق على تفويض السوريين بإدارة لبنان إدارة مطلقة، ووقتها رفض العميد ريمون إدّه وأيضًا السياسي جان عزيز، وقبل إلياس سركيس، بل قال سركيس: “لا بديل عن منح السوريين تفويض مطلق بإدارة الأزمة اللبنانية”. فقال له براون مبتسمًا: “أتمنى لك إقامة هانئة في القصر”، أي أنه لا عمل لديك إلا أن تجلس في القصر بينما السوريون هم الذين يديرون البلاد.
أما انتخاب الرئيس بشير الجميل ووصوله إلى الرئاسة اللبنانية، فإنه حصل نتيجة اجتياح إسرائيلي دمر لبنان وكلف عشرات الآلاف من القتلى اللبنانيين. وبالختام اعترف بشير الجميل أنه بعد قتال دام 8 سنوات بمقاومة كانت محض مسيحية واليوم تحولت إلى مقاومة لبنانية: “لازم تقاتل كل محتل، قريب كان أو غريب”. وكانت تستوقفني عبارة بشير عندما يقول إنه “عمري 34 سنة”، وكأنه يعترف أنه بسبب عنفوان الشباب أخطأ في خياراته، خاصة أن الشيخ بيار الجميل كان يرفض العلاقة مع إسرائيل.
((كتب جوزيف أبو خليل: عرض رفائيل إيتان رئيس الأركان الإسرائيلي على بشير الجميل أن يكون الجنوب منطلقًا للكتائب في اتجاه الداخل اللبناني. اقتنع بشير بالأمر وأرسل 300 مقاتل إلى الناقورة، لكن بيار الجميل أمر بإعادتهم (ص 75). في أيام عملية الليطاني (14/3/1978)، زار بشير الجميل إسرائيل لاستطلاع حدود العملية. وفي حرب المائة يوم مع السوريين، التي بدأت في تموز/يوليو 1978، كان بشير يعتمد على استدراج تدخل إسرائيلي ضد السوريين (ص 84). أصبحت سوريا هي العدو، كما الوجود الفلسطيني، و”لم يبق إلا إسرائيل نستعين بها” عليهما معًا (ص 89). غير أن بيار الجميل وابنه أمين كانا متحفظين إزاء العلاقة بإسرائيل (ص 90).))
أما الجنرال ميشال عون وحلم الوصول إلى الرئاسة عام 1988 والتي أدت إلى اقتتال مسيحي-مسيحي هجّر ما بقي من طبقة وسطى من لبنان، وبعدها إلى اقتتال مع السوري أدى إلى سقوط ما عرف بمنطقة الشرقية ودمارها، يعني بسبب السياسة المارونية والرئاسة المارونية أصبحنا بين احتلالين: احتلال سوري واحتلال إسرائيلي (هذا الحديث عام 1997).
ويقال مجد لبنان أعطي للموارنة، “المجد لربنا في السماء”. لبنان كان تحت الانتداب الفرنسي، والفرنسي عندما قرر مغادرة لبنان، وكما أي دولة كبرى يريد أن يحافظ على امتداده، منح كافة السلطات لمن توافق عليه الإرساليات المسيحية التي كانت منتشرة منذ عام 1800، وقد خرّجت عددًا كبيرًا من البطاركة والمطارنة والكهنة، وأعطت لبنان نخبة من الأدباء الذين لعبوا دورًا رياديًا.
ولو كان الانتداب الفرنسي مسلمًا وأعطى المسلمين في لبنان كل الصلاحيات، فأين هذا المجد الذي سيفتخر فيه المسلم؟ والانتداب الإنجليزي عرض على اليهود منحهم الرئاسة والصلاحيات المطلقة كما فعل الفرنسيون في لبنان، والمسلمين الحكومة، وما تبقى من مسيحيين في فلسطين مجلس النواب، لكن اليهود رفضوا هذا الأمر لأن حلمهم هو السيطرة على المنطقة.
لذلك نحن اليوم عندما نسمع بأن غبطة البطريرك رفض الإملاءات الخارجية من دول عربية وأجنبية طالبته بنعت حزب الله بالإرهابي، هذا يدفعنا بأن نزحف جميعنا إلى بكركي أو الديمان ونهتف حقيقة للبطريرك الذي يرفض أن يمس أي أجنبي بأحد من شعبه.
نهتف للبطريرك الذي هو كل المجد معه وله، هذا المجد الذي يمنحه الشعب اللبناني. اليوم عندما يقف البطريرك بوجه سفراء أمريكا وبريطانيا وبعض الدول الخليجية، ويقول لهم أرفض ما تطرحونه عليّ كي أنعت حزب الله بالإرهابي، حتماً هذا هو مجد لبنان.
وأيضاً نتمنى على بقية الأحزاب المسيحية التي تعتز بأنها منسجمة مع طروحات بكركي والكنيسة أن تنحو هذا النحو، وترفض كل ما تمليه عليها السفارات، لأنه في الختام هذه الدول تحرض على زعزعة استقرار لبنان.
كما يجب على الشعب التظاهر للاعتراض على التدخل السافر من قبل هذه الدول وتحريض اللبنانيين على بعضهم البعض، وطرد كل سفير استغل منصبه من أجل إشعال نار الفتنة والتقسيم وتحريض اللبنانيين على الاقتتال فيما بينهم، خدمة للعدو الإسرائيلي.
ويجب تقديم دعاوى في الأمم المتحدة وخاصة ضد سفراء الدول العربية التي تتجاوز القانون الدولي بتحريض اللبنانيين على بعضهم البعض، كما يجب على جامعة الدول العربية التحرك سريعًا، وتبيان كيف يقوم بعض السفراء العرب بانتهاك مواثيق جامعة الدول العربية، التي تحث على الوحدة وصون الأوطان العربية.
كما يجب أن يتم في الداخل اللبناني فتح المحاكمات بتهمة الخيانة العظمى لكل من يثبت دوره في تحريض اللبنانيين على بعضهم البعض أو السير بمخططات الدول العربية والأجنبية التي تحرض على الاقتتال داخل لبنان.