*بقلم ناجي أمّهز*
حتما البطريرك بشارة الراعي قصر في توضيح كلامه عن الإرهاب أثناء العظة مباشرة بأنه ليس موجها إلى مكون لبناني. ولكن حتى التوضيح في العظة سيفهم من قبل الشيعة على أنه موجه إليهم وحتى خصوم وأعداء الشيعة سيستخدمون صيغة الكلام أنها موجهة إلى الشيعة. “يعني وكأن شخصا أصلع تريد أن تخبره قصة عن أصلع ولكن تقول له قبل القصة إنها ليست موجهة إليك، إذا بلاها وبلا هذه القصة من الأساس”.
ولكن أيضًا البطريرك الراعي يملك من الجرأة الأدبية والموضوعية أن يوضح هذا الأمر، وأرسل أكثر من شخصية دينية وغير دينية مقربة منه لتوضيح الأمر عند الطائفة الشيعية بأن البطريرك لم يقصد الشيعة.
وما اعلن إن البطريرك تعرض لضغوط من سفراء لنعت حزب الله بالإرهابي وأنه رفض هذا الأمر.
وهذا الكلام من قبل مقربين من البطريرك، وان كان بمكان ما وضح الصورة مع الشيعة، فانه في اماكن اخرى خلق جدلا عميقا للغاية خاصة مع اليمين الماروني الذي اقحم نفسه بمواجهة مباشرة مع الشيعة عامة وحزب الله خاصة.
فالمعلن والمعروف تاريخيا، أن المارونية أقرب إلى الغرب من الشرق لأسباب كثيرة منها الدينية والسياسية والاقتصادية، بل حتى الحماية فإن المارونية السياسية تعتمد على الغرب لحماية المسيحيين من كل مخاطر الشرق. وما كتب عن تحالف الموارنة مع الحملات الصليبية منذ ألف عام هو دليل موثق بالمراجع الغربية والشرقية.
والدول الكبرى، تعرف أن بكركي لن تقبل بوجود قوة أقوى من المسيحيين في لبنان، إن كانت هذه القوى لبنانية أو غير لبنانية، كما أنها ستقوم بجهدها واستخدام كافة قدراتها وعلاقاتها لمنع أي مكون متواجد على الأراضي اللبنانية من امتلاك السلاح تحت أي سبب من الأسباب.
والسياسة المارونية والدينية لا تعترف إلا بالقوى المسيحية، وهذا ما حصل طوال الحرب الأهلية اللبنانية، فالموارنة كانوا يعتبرون سلاح المقاومة المسيحية هو سلاح شرعي للدفاع عن لبنان. ورغم أنه بهذا السلاح قتل مئات آلاف اللبنانيين، ودمرت مدن وهجر نصف الشعب اللبناني، إلا أنه لم نسمع يوما من شخصية مارونية سياسية أو دينية وازنة تقول يوما عن السلاح المسيحي إنه سلاح إرهابي، أو غير شرعي.
حتى بعد مجزرة صبرا وشاتيلا الجريمة الأكبر والأفظع في تاريخ الشرق الأوسط، وسيطرة القوى المسيحية المسلحة على المنطقة الشرقية، والقيام بإلغاء دور المؤسسات الشرعية اللبنانية، وإقامة الحواجز وفرض الضرائب على الناس، وحتى رغم موجة الاغتيالات الكبرى والاقتتال الداخلي بين الموارنة أنفسهم، أيضًا لم يسمع كلمة واحدة من اليمين الماروني تقول إن هذا السلاح هو إرهابي أو غير شرعي، بل برر أن كل ما يحصل هو أمر طبيعي لتوحيد البندقية المسيحية.
بمعنى أن توحيد السياسة المارونية والبندقية المارونية أمر مطلوب بل واجب وطني، وعندما تتوحد الساحة الشيعية تقوم قيامة بعض الموارنة بأن حزب الله يختزل الشيعة ويمنع الرأي الآخر.
ومن المفارقات المارونية التي للأسف يتناساها غالبية الناس، خلال حرب السنتين في لبنان 1975-1976 عندما انشق جناح عن الجيش اللبناني بقيادة الملازم أول أحمد الخطيب، طالب الساسة الموارنة من الرئيس الأسد القضاء على جيش لبنان العربي، فما كان إلا أن قضى الجيش السوري على كل القوى الوطنية اللبنانية وقادتها دون استثناء، واعتقل قائد جيش لبنان العربي أحمد الخطيب وغالبية ضباط قيادته أواخر عام 1976 وزجهم في سجن المزة لمدة سنة ونصف.
بالمقابل فإنه وبذات التاريخ تقريبا عام 1976 وبدعم مباشر وعلني من إسرائيل لمساعدة ومساندة والقتال إلى جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي تشكلت من أبناء القرى الجنوبية ذات الغالبية المسيحية ووحدات منشقة من الجيش اللبناني، ما عرف بجيش لبنان الجنوبي أو جيش لحد. وبالرغم مما ارتكبته هذه المليشيا الإرهابية من عمليات اغتيال وتفجير منازل واعتقال وإعدامات ميدانية بحق اللبنانيين الأبرياء، إلا أنه لم نسمع مرة من الساسة أو رجال الدين في اليمين الماروني موقفا يعترض على هؤلاء أو ينعتهم بالإرهاب أو العملاء، بل حتى اليوم السواد الأعظم من الموارنة يدافعون عن هؤلاء الإرهابيين العملاء.
ولائحة التناقضات والمقاييس التي تعتمدها المارونية تطول ولا تنتهي، وهذه التناقضات والسياسات المارونية أرهقت لبنان واللبنانيين، بل حتى الدول الكبرى، وفي مقدمتها أمريكا وعبر لسان وزير خارجيتها كيسنجر قال لبنان خطأ تاريخي، وبراون طالب الموارنة بمغادرة لبنان لأي دولة يريدون.
حتى اتفاق الطائف الذي فرضته امريكا على الجميع ومن بينهم سوريا، هو دليل استيائها من سياسة اليمين الماروني.
فما هذه الدولة التي لا يتنازل عنها الموارنة، أو ما هذه السياسة التي تنتهجها المارونية، إما أن يكون كل لبنان لهم بكافة طوائفه سلطاته وإداراته ومؤسساته التجارية والتعليمية والطبية، وإما يقسموه ويفدرلوه.
الموارنة منذ عام 1927 حتى عام 1990 وهم يسيطرون على كل إيرادات الدولة وحتى الهبات التي تقدمها الدول خاصة الغربية كانت تصل إلى السلطة المارونية وهي تقوم بصرفها حسب ما تريد مما حول المناطق المسيحية إلى مناطق متخمة بالبحبوحة والازدهار، بينما بقية مناطق لبنان تعيش الحرمان المدقع.
الخاتمة:
أمام كل هذا السرد التاريخي للسياسة المارونية، من الطبيعي أن يخرج شخص ماروني متخلف ويكتب ضد الشيعة “حجمكم: شخطة قلم رصاص بيد بطريرك ماروني”.
ومن تابع المقالات والسوشيال ميديا خلال 48 ساعة الماضية يدرك حجم الهجمة الهائلة التي بغالبيتها مسيحية على البطريرك الراعي.
ومن الطبيعي جدا أن يتكتل ساسة اليمين الماروني ضد مواقف البطريرك الراعي الأخيرة وينكرون عليه رفضه مطالب بعض السفراء نعت الحزب بالإرهاب.
أصلا هذا اليمين الماروني لا يحتاج إلى ضغط السفراء على البطريرك، يكفي ضغوطهم التي يمارسونها بالسر والعلن ضد حزب الله حيث ينعتونه بأبشع النعوت وأفظع الصفات، بل وصل بهم الأمر إلى حد تزييف التاريخ ونكران وجود الشيعية والإعلان عن سحب الجنسية اللبنانية من المسلمين السنة والشيعة بأنهم غير لبنانيين.
كلام البطريرك الراعي بأنه لن يقبل بنعت مكون لبناني بالإرهابي سحب البساط من تحت اليمين الماروني، الذي كان يستخدم عظات البطريرك لشن هجوم عنيف على الشيعة والحزب.
لذلك لن يهدأ اليمين الماروني حتى إقالة البطريرك الراعي. بالمقابل، يجب على كل وطني لبناني وفي مقدمتهم بيئة حزب الله الدفاع عن البطريرك الراعي.
ناجي امهز