رحيل ….
قصة: بقلم الكاتب الإعلامي سعدالله بركات..
*وصلني نحيبه قبل صوته ، وهو يتهدّج : أمل ياصديقي ..أمل ..
أقلقتني عليك ، فمن هي أمل ومالها ؟؟
راح يستفيض نحيبا وسردا : أمل جارتنا ،كانت ياصديقي، تعيش وحيدة مثل كثيرين وكثيرات في هذا العصر وما هو آت ، عرفناها منذ ثلاث سنوات ، جارة لطيفة ودودة ، من سيماها وتحايا المصادفات ، مساء الخير أو صباحاته ،حيث لا تزاور هنا ولا زيارات ، نقصدها بإسعاف لغوي ، فتلبي بترحيب ونصح ، تبادلنا العناية بأصص وأزهار ، حين حلّت الأسفار ، وقدّمنا ما طلبته من خدمة ، خلال عارض صحي …
ذات مساء ، عدنا من سفرة قصيرة ، على غير العادة وجدنا باب البناء مفتوحا ، قبل أن تزكمنا الرائحة ،حسبناها من حيوان أليف ، حتى إذا خرجنا صباحا ، لفتنا وجوم جارتين وفتية بلباس عمل ، استوضحنا، فجاء الجواب خافتا بأسى : ماتت ،،أمل ،، ولم يعرف بذلك أحد ، لولا الرائحة ، عرضنا إذا أمكننا المساعدة ، فشكرونا بلطف ، وحين أنجز طاقم العمل المكلف مهامه ، لم يكن ثمة جمهرة ولا ناحبات ولا من ينتحبون ..
في الغداة عاد الطاقم الفتي ، جمع متعلقات الفقيدة ، وتولّى أمرها بعيدا …لكن باقتي ورد وضعتا في المدخل وأمام بيت المرحومة ، حملتا بطاقتين معبرتين بغنى دلالات وعديد كلمات :”ذكرى محبة السيدة أمل التي عملت بجد لجعل بنائنا جميلا.. رحمها الله ” ثم باقة ثالثة وبطاقتها تقول:” ارقدي بسلام يا أمل ”
و بالطريقة نفسها قمنا بتأدية واجب العزاء ، ورحنا ننتظر معرفة موعد الدفن ..
نعم للدفن موعد ، كما كلّ أمر هنا بميعاد، يتيح للأبناء وذي القربى وقتا للحضور..ومشاركة المراسم على بساطتها ، نعم ثمّة وداع ومودّعون بترتيب يعبّر عن هيبة الموت .
تفهّمت حزن صديقي المضاعف ، وزادني حسرة ، وأنا أتذكّر جواب ضيف لمضيفه على شاشة تلفاز ،حين سأله قبل أيام : لم ..لم يهاجر أبناؤك ؟ فقال :” لا اريد أن يؤجلوا دفني ٣ أيام حتى يحضر ابني “، وكأنه أراد القول :” لا أريد أن توافيني المنية وأنا وحيد “.
# سعدالله بركات .