فارس فكر وانتماء : د. أحمد حاج علي
*بقلم الإعلامي سعدالله بركات
# لم نكن على معرفة مسبقة ،حين كنت في بدايات عملي الصحفي ، وكان فرق بيننا في العمر والرتبة والمسؤولية ، أنا ضابط صف جامعي أؤدي خدمة العلم في صوت القوات المسلحة ، وهو ضابط احتياط ورئيس تحرير لمجلة جيش الشعب ، لكن لم نكن نشعر بهوّة في العلاقة، الاحترام واجب علينا. لكنه يشعرك بمثله تحايا، أو بحديث فكري او اجتماعي ودي جاذب .
ذات يوم ، وأنا أهم للانطلاق في مهمة عمل ، استدعاني الملازم أول أحمد حاج علي على عجل ، “سعد” مع مهمتك الإذاعية استطلع لنا آراء ، وأعد للمجلة تحقيقا ، تهيبّت بداية ، لعليّ أكون عند حسن الظن، وانا الذي أبهر بافتتاحيات المجلة التي يخطّها قلمه .
حين سلّمته المادة قرأها واثنى ، وصرت أوافيه بمثلها ، لكنه حين دفع لي بغلاف عدد عيد الشهداء طالبا كتابة تعليق مقتضب ، حسبتها بادرة تدريب محمولة على ثقة مشكور ة ، كتبت ،،ورد لمجد ،، اثنى وكتب :”عهد وورد”وكان الغلاف صورة تحية من فتى وفتاة لأضرحة شهداء وباقة ورد .
ولمّا عين مديرا عاما ورئيس تحرير لجريدة الثورة ، كانت زيارتي التهنئة وحيدة ، لا أنا فكرت بفرصة بالكتابة ،وكانت ضرورية لي مهنيّا وماديا، ولا هو ألمح ، استمر التواصل مع انقطاع ، ويوم أطلقنا برنامج “الساعة ٢٥ ” اليومي على الفضائية ، سهوت عن استضافته لما يغنيه ، بما كنت اقرأ له من مقالات لافتة برؤاها نفاذا وتماسكا أو لغة رصينة وسلاسة افكار جاذبة ، ومقنعة .،حتى جاء مستشارا للوزير عام ٢٠٠٣ ، وكان مكتبه في الهيئة حيث أعمل.
ما أن عرف أني من بلدة قرب قرية ،، الحفر،، استوضحني عن “عزّت ضاحي” معلّمه في الصف الثالث وراح يثني ويفخر ، قبل أن يعرف أنه محام وكاتب أسبوعي في صحيفة العروبة ، لا أذكر أنّي بادرت لتواصل مع حامل رسالة العدل ومتاعب مهنتنا بآن معا ، بل قصّرت، و كان بالإمكان ، حتى إذا قرأت نعوته صيف ٢٠٠٤ ، أخبرت د. أحمد ، على الفور قال: لنشارك بالأربعين ، وهكذا كان رافقته إلى تأبين المركز الثقافي بحمص ، بعدما نسقت مع إدارته ، ولمّا اعتلى المنبر ، ارتجل كلمة مؤثرة رافعة لقيم التربية و الوفاء والانتماء ، شهدت مثلها في بلدتي ،،صدد،، حين لبّى دعوتي للمشاركة في احتفالية وطنية في تموز من العام نفسه ، حين استذكر أستاذه ، واستحضر تاريخ البلدتين ، ودور روّادهما والكنيسة ، التنويري في المنطقة وجوارها ، وفي أنحاء سورية .
أمّا يوم أطلق برنامجه الأسبوعي المتلفز ،، حدث وحديث،، فوجئت باتفاقه والصديق الراقي الرائع عبد الحميد توفيق ، على إسناد مهمة مراقبة البرنامج لي ، ، لا هو طلب استثناءه من الرقابة وفقا للأصول ، ولا الإدارة بادرت ، وكيف لي أن أجيز أو أعدّل لمن درّبني وحفّزني ، ؟؟ حاولت الاعتذار ، فما قبل ، وطالما كنت أستشيره عمّا يلفتني ، غالبا ما كان يخلي مسؤو ليتي ، وأحيانا يوافقني الرأي .
لم يسع لمنصب ، بل أعرض عمّا عرض عليه ، وأما المسؤولية ، فقد تحمّلها في غير موقع ، قبل أن يتنكّبها ، وهو يكرّس قيما ورؤى ، ورسوخ انتماء ، كم كنا وما نزال بحاجة إلى أمثاله ، وخاصة حين استهدف الوطن بحرب كونيّة ، فكان من أوائل من تصدّوا للحرب الإعلامية على سورية بمقالاته، ومشاركاته المتلفزة في عديد الشاشات العربية ، كان لافتا بجرأة نقد ، وجاذبا بحجة الإقناع ، كما بتمكّنه لغة وشواهد تاريخ وفكر .
آخر لقاءاتنا عام ٢٠١٩ ، ما أن دخل مكتب مدير أخبار الإذاعة ، الصديق وزميل الزمن الجميل احمد رفعت يوسف ، حتى غصّ المكتب بالزملاء ، كان يتوكأ عكازه ، وقد بدت تداعيات جرح الوطن على محياه ، قبل حديثه ونبرة الوجع الصادق الواثق من تجاوز المحنة .
لقد فقدت الأسرة الإعلامية و الأوساط الفكرية ، وناس ومتابعون كثر ، المفكر د. أحمد الحاج علي عن عمر يناهز ٨٢ عاما ، بعدما بذل عصارة جهده وفكره في سبيل سورية التي عشق ترابها ، كما تاريخها ، وتنوّعها الزاهي حضاريا وديمغرافيا الذي طالما افتخربه.
*تكريم ..
حالف فقيدنا الحظ ، أن يشهد قبل أيام من رحيله ، لفتة اتحاد الصحفيين ، وتكريمه ضمن 50 من روّاد الصحافة ، في العيد الذهبي للاتحاد ،ولكنّ تجاوزه الثمانين ووضعه الصحي، حالا دون أن يتسلّم الدرع بنفسه ،مثل عديدين ، ما يشي بضرورة أن يبادر الاتحاد ، بتكريم من يستحق باكرا، قبل أن تهن قواهم أو يرحلون ، كما رحل غيرهم ، ولاندري لم استثنوا من هذا التكريم ؟؟؟!، وهم الأحقّ ، أولهم أسعد كامل الياس ، وليس آخرهم علي الصيوان ، وما بينهما أحمد اسكندر ، وغيرهم أوغيرهنّ ، ،ولو أن اتحادنا العتيد، بادر لمثل هذا التكريم منذ العيد الخامس للتأسيس، ثم العاشر ، والفضيّ ، لكان وفّى بعض حقّ ، ولما وجد نفسه في هذه الإشكالية ، أما استثناء الصحفيين المغتربين من درع رمزي ، فلا أدري أيضا مبررّه ، مادام عديد المكرّمين ، لم يستطع الحضور في دمشق والمحافظات ؟؟!!
وفيما علمت من السيد رئيس الاتحاد موسى عبد النور ، أنه ثمة تكريمات لاحقة ، في تشرين اول القادم ، ، على أمل استدراك ما فات ، والوصول متأخرا خير ، وإن كان طعم الحلوى في العرس أشهى .
رحم الله الراحلين ، ومبارك للمكرمين والذين سيكرّمون ، ، ولكن
أية معايير اعتمدت ؟؟ ولم النظرة الشاملة غابت ؟ ، حبّذا لو الزملاء الأعزاء في قيادة الاتحاد تعمّقوا في الدرس ، أو لفت عنايتهم بعض حكماء ومخضرمين من المكرّمين .. ما كنت تحسّرت – مثل عديدين – على هكذا تكريم ، فهناك من يستحقّ مثلي ” بل وقبلي ، وقد ولجنا الربع الأخير من العمر، أطال الله بأعماركم وتعيشوا،وتكرّموا ..خير من أن تترحّموا .
الرحمة لفقيد الفكر والإعلام ، د. أحمد الحاج على ، ولكل ذويه وعارفيه ..وشكر الله سعينا وسعيكم آمين .