ناجي أمهز*
كنت أمام عنوانين لا ثالث لهما: إما أن يكون عنوان المقال “قنبلة إسرائيلية على وشك إفراغ حيفا بسببها”، أو عنوان مقال المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه. اخترت العنوان الأول.
حقيقةً، من يقرأ المقال حتى النهاية، مع ملخص عن المؤرخ إيلان بابيه، سيجد أن مقال إيلان هو بمثابة “قنبلة موقوتة” ستؤثر حتماً على وعي المستوطنين الإسرائيليين، مما قد يؤدي إلى هجرة غير قابلة للتراجع خارج فلسطين المحتلة.
منذ أيام قليلة، كنت في زيارة شخصية لسياسي في المقاومة، وبعد نقاش حول بعض الأمور، أخبرني عن مقال استوقفه قبل أشهر، وهو للمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه. قال لي: “ما رأيك أن نتشارك البحث والنقاش حول هذا المقال؟” وعندما اطلعت على النص، وجدته مقالاً بعنوان “انهيار الصهيونية”.
قبل الحديث عن هذا المقال، الذي يعد بمثابة وثيقة وفاة لاسرائيل، بسبب دقته في تحليل أسباب انهيار الصهيونية، يجب أن نوضح أن المقال يعكس رؤية معينة حول حقيقة إسرائيل ككيان هجين تم زراعته في أرض فلسطين. وفحوى وخلاصة المقال هو شبيه حتى التطابق بجملة قالها الامام الخميني (قده) قبل نصف قرن “إسرائيل غدة سرطانية” في منطقة الشرق الأوسط، وأن مصيرها هو الاستئصال، إما بعملية عسكرية جراحية، حتى لو وصلت لتكون حرباً نووية. في النهاية، لا يمكن لهذا الكيان الاستمرار في العيش بينما يمارس القتل والسجن والإرهاب ضد شعب مستضعف.
نعم اليوم تُقارن إسرائيل بالجرثومة التي تضر الجسد، ولكن الجراثيم في النهاية تُقضى عليها. وإذا كانت إسرائيل تعتقد أنها قادرة على قتل ملايين العرب والمسلمين، فإنها قد تكون مخطئة، حيث لن يبقى يهودي من بين 12 مليون يهودي في العالم.
أمريكا وأوروبا ومراكز الدراسات الغربية تعرف أن إسرائيل لن تستطيع بناء دولة طالما تواصل العيش في دبابات الميركافا والطائرات الحربية. يجب على إسرائيل، على الأقل، أن ترضخ للشروط الفلسطينية لإحراز تقدم في عملية السلام. لكن طالما أن أمثال شارون ونتنياهو واليمين الديني المتطرف موجودون، فإن الكيان الإسرائيلي سيعود دائماً إلى نقطة الصفر، شعب مريض قادم من اعماق التاريخ السحيق وينظر الى البشر على انهم “جويم”.
نجح نتنياهو في الكشف عن وجهه المجرم كما غلبية هؤلاء الاسرائيليين،وقتل ودمر في غزة ولبنان سوريا والعراق واليمن، لكن هذا سيؤدي إلى زيادة عدد المحاربين الذين سيقاتلون اسرائيلي انتقاما لمقتل عائلاتهم.
العنف يولد العنف، والحروب تنتج حروباً. هل يمكن أن تخبرنا حكومة نتنياهو عن عدد الأمراض النفسية التي أصابت الإسرائيليين؟ نتنياهو نفسه يعاني من مشكلات نفسية.
بالمحصلة، لا أمل لبقاء إسرائيل في المنطقة، حتى مع دعم أعراب التطبيع. هؤلاء الأعراب لا يفهمون شيئاً عن السياسة أو بناء الأمم، ورغم ثرواتهم الهائلة، فإنهم عاجزون عن تقديم حلول متكاملة. دورهم هو إرضاء إسرائيل وأمريكا التي لن تبقى في المنطقة طويلاً. عصر النفط قد انتهى، ونحن في عصر التكنولوجيا الحديثة، مثل الكمبيوتر الكمومي والذكاء الاصطناعي. الأعراب المطبّعون لا مكان لهم في هذا المستقبل.
في الختام، النتيجة واحدة: إسرائيل زائلة مهما تنوعت الأسباب واختلفت الدراسات والاستراتيجيات.
ومن بين من يتوقعون انهيار الصهيونية ونهاية إسرائيل هو إيلان بابيه، الذي طرد من قسم تاريخ الشرق الأوسط وقسم العلوم السياسية بجامعة حيفا عام 2006، وغادر فلسطين المحتلة في عام 2007 للعمل في جامعة إكزتر. تعرض بابيه لهجوم شديد من رئيس جامعة حيفا بسبب معتقداته غير المرغوب فيها في إسرائيل.
ومع ذلك يحاول بابيه ان يكتب ليس دفاعا عن العرب والفلسطينيين، بل لانه مؤمن كما الكثير من النخبة العالمية بان اسرائيل اوهن من بيت العنكبوت.
اليكم ملخص مقال “انهيار الصهيونية”
1
المؤشر الأول هو انقسام المجتمع اليهودي الإسرائيلي، والذي يتألف في الوقت الحاضر من معسكرين متنافسين غير قادرين على إيجاد أرضية مشتركة. وينبع هذا الصدع من الشذوذات التي تشوب تعريف اليهودية باعتبارها قومية. وفي حين أن الهوية اليهودية في إسرائيل بدت في بعض الأحيان أكثر قليلًا من مجرد موضوع للنقاش النظري بين التيارات الدينية والعلمانية، فقد أصبحت الآن صراعًا حول طبيعة المجال العام والدولة نفسها. وهذا الأمر لا يُحاربُ في وسائل الإعلام فحسب، بل في الشوارع أيضًا.
يمكن تسمية أحد المعسكرين بـ«دولة إسرائيل»، والتي تضم أشخاصًا أكثر علمانية وليبرالية، ومعظمهم، ولكن ليس حصرًا، من اليهود الأوروبيين من الطبقة المتوسطة وأحفادهم، الذين أدَّوا دورًا فعالًا في تأسيس الدولة في عام 1948 وظلوا مسيطرين عليها حتى نهاية القرن الماضي. ولا يخطئن أحد، فإن دفاعهم عن «القيم الديمقراطية الليبرالية» لا يؤثر على التزامهم بنظام الفصل العنصري المفروض، بطرق مختلفة، على جميع الفلسطينيين الذين يعيشون بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. أمنيتهم الأساسية هي أن يعيش المواطنون اليهود في مجتمع ديمقراطي تعددي يُستبعد منه العرب.
2
المؤشر الثاني هو الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إسرائيل. ولا يبدو أن الطبقة السياسية لديها أي خطة لتحقيق التوازن في الموارد المالية العامة وسط الصراعات المسلحة الدائمة، إلى جانب الاعتماد بشكل متزايد على المساعدات المالية الأميركية. ففي الربع الأخير من العام الماضي، تراجع الاقتصاد بنحو 20%، ومنذ ذلك الحين، أصبح التعافي هشًا، ومن غير المرجح أن يؤدي تعهد واشنطن بتقديم 14 مليار دولار إلى عكس ذلك، بل سوف يتفاقم العبء الاقتصادي إذا واصلت إسرائيل عزمها على خوض الحرب مع حزب الله مع تكثيفها لنشاطها العسكري في الضفة الغربية، وفي وقت بدأت بعض البلدان، بما في ذلك تركيا وكولومبيا، في تطبيق سياسات اقتصادية عقابية.
وتتفاقم الأزمة بسبب عدم كفاءة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي يقوم باستمرار بتوجيه الأموال إلى المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، ولكن يبدو غير قادر على إدارة وزارته. وفي الوقت نفسه، فإن الصراع بين دولة إسرائيل ودولة يهودا، إلى جانب أحداث 7 أكتوبر، يدفع بعض النخب الاقتصادية والمالية إلى نقل رؤوس أموالهم إلى خارج الدولة. أولئك الذين يفكرون في نقل استثماراتهم يشكلون جزءًا كبيرًا من 20% من الإسرائيليين الذين يدفعون 80% من الضرائب.
3
أما المؤشر الثالث، فيتمثل في عزلة إسرائيل الدولية المتزايدة، حيث تتحول تدريجيًا إلى دولة منبوذة. بدأت هذه العملية قبل 7 أكتوبر، لكنها تكثفت منذ بداية الإبادة الجماعية. ويتجلى ذلك في المواقف غير المسبوقة التي اتخذتها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية. كانت حركة التضامن العالمية مع فلسطين، في السابق، قادرة على حشد الناس للمشاركة في مبادرات المقاطعة، لكنها فشلت في تعزيز احتمال فرض عقوبات دولية. وفي معظم البلدان، ظل الدعم لإسرائيل ثابتًا لا يتزعزع في أوساط المؤسسة السياسية والاقتصادية.
4
المؤشر الرابع المترابط هو التغير الكبير بين الشباب اليهود حول العالم. وفي أعقاب أحداث الأشهر التسعة الماضية، يبدو أن الكثيرين الآن على استعداد للتخلي عن ارتباطهم بإسرائيل والصهيونية والمشاركة بنشاط في حركة التضامن الفلسطينية. كانت الجاليات اليهودية، وخاصة في الولايات المتحدة، ذات يوم، توفر لإسرائيل حصانة فعالة ضد الانتقادات. إن خسارة هذا الدعم، أو على الأقل فقدانه جزئيًا، له آثار كبيرة على مكانة البلاد العالمية. ما زال بإمكان أيباك (AIPAC) الاعتماد على الصهاينة المسيحيين لتقديم المساعدة ودعم أعضائها، لكنها لن تكون نفس المنظمة الهائلة دون قاعدة انتخابية يهودية كبيرة. قوة اللوبي تتآكل.
5
المؤشر الخامس هو ضعف الجيش الإسرائيلي. ليس ثمة شك في أن جيش الدفاع الإسرائيلي ما يزال جيش قوي ويمتلك أسلحة متطورة تحت تصرفه. ومع ذلك فقد كُشف نطاق قوتهِ الحقيقي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ويشعر العديد من الإسرائيليين أن الجيش كان محظوظًا للغاية، لأن الوضع كان من الممكن أن يكون أسوأ بكثير لو انضم حزب الله إلى هجوم منسق. ومنذ ذلك الحين، أظهرت إسرائيل أنها تعتمد بشدة على تحالف إقليمي، بقيادة الولايات المتحدة، للدفاع عن نفسها ضد إيران، التي شهد هجومها التحذيري في إبريل/نيسان نشر نحو 170 طائرة بدون طيار بالإضافة إلى الصواريخ الباليستية والموجهة.
6
المؤشر الأخير هو تجدد الطاقة لدى جيل الشباب الفلسطيني. فهي أكثر اتحادًا وترابطًا عضويًا ووضوحًا بشأن آفاقها من النخبة السياسية الفلسطينية. ونظرًا لأن سكان غزة والضفة الغربية هم من بين أصغر سكان العالم سنًا، فإن هذه المجموعة الجديدة سيكون لها تأثير هائل على مسار النضال من أجل التحرير.