تجتمع الرأسمالية المعاصرة بكاملها في القطاع العسكري، حيث تغدق الدولة على الاحتكارات العسكرية والمدنية مبالغاً طائلة تساعد على وقف الركود السائد، وابتداء موجة من الإنعاش، وهو ما حصل في الأزمات السابقة في القرون الماضية. وتقوم الأنظمة الرأسمالية في ذلك الأمر في أحد جوانبها عن طريق شرعنة القوة المبنية على الضغوط، والتوترات الدولية والإقليمية، والحصار، وافتعال أحداث الشغب والعنف، وما يليها من تدخل عسكري في سبيل تحقيق معالجة جزئية أو شاملة زمانياً أو مكانياً للأزمات المحدثة، وتقوم في جانب أخر بافتعال الأزمة في سبيل شرعنة القوة من أجل تحقيق إستراتيجياتها المرسومة مسبقاً، وفي كثير من الأحيان تقوم بدمج الجانبين معاً كما يحدث الآن في تعامل الغرب مع سورية.
وتعتبر الأزمة الاقتصادية نقطة البدء للقيام بتجديد شامل والتوسع في رأس المال، كما تعتبر العمليات العسكرية والحروب(بنمطيها القديم والجديد) من المحددات الرئيسة لهذا التوسع. حيث برعت الرأسمالية المعاصرة في عسكرة أزماتها والتي كان أخرها الأزمات المختلفة المفتعلة في سبيل تطبيق المشروع الامبريالي للشرق الأوسط الكبير أو الجديد، أو في محاولة امتصاص فوائد بعد التحولات المناهضة لاستراتيجياتهم. والتي تجسدت بما يُطلق عليه اصطلاحاً زخرفياً "الربيع العربي"
وتتنوع الأزمات الاقتصادية باختلاف الأدوات الرئيسة المستخدمة في العملية الاقتصادية، ولكنها لا تخرج عن كونها:
أزمات دورية: نتيجة آلية عمل الدورة الاقتصادية.
أزمات وسيطة: أي لا تحمل طابعاً عالمياً، وتكون على نطاق محدود مكانياً أو زمانياً.
أزمات هيكلية: تصيب قطاعات محددة دون التأثير على غيرها كأزمات الغذاء والطاقة والمياه.
للذلك يمكننا القول بأن الأزمات الاقتصادية هي عبارة عن خلل تنظيمي بين موازنة الموارد والاحتياجات، وهي ليست ملازمة لوجود البشر، رغم ارتباط وجودها مع وجودهم على سطح الكرة الأرضية لما عرف عنهم من بعض الصفات الميالة إلى الجشع والعنف، وتزداد فرص حدوثها في الأنظمة التي تبتعد عن تحقيق العدالة الإنسانية والتوزيع العادل للثروات والموارد، وهو ما ينطبق على ليبرالية اليوم في العالم على وجه الخصوص، وعلى النظام الرأسمالي المعاصر عموماً، حيث تقوم النظم الرأسمالية الاقتصادية على وجود يد خفية تعمل على تحقيق التوازن في السوق، وهذه اليد غالباً ما تكون اليد العسكرية التي تخدم المصالح الإمبريالية المهيمنة. الأمر الذي تجلى واضحاً في معظم الأزمات الاقتصادية السابقة، وقد وقد أشار تقي الدين المقريزي (ت845هـ) إلى أن معظم الأزمات الاقتصادية التي حدثت في مصر على مر العصور، وحدد أهم الأسباب التي نشأت عنها ما كان منها بسبب الطبيعة (كانخفاض منسوب النيل، وانحباس المطر، والآفات التي تصيب المحصولات) أو بسبب سلوك الإنسان وتصرفه كالفتن والاضطرابات وتفشي الرشوة وغلاء دور السكن وارتفاع أجورها وانخفاض قيمة النقود.
وعلى سبيل الذكر نقدم هنا وقائع عسكرة بعض الأزمات التي وقعت في منطقتنا:
أزمة 1866:
وهي أزمة ارتفاع أسعار منتجات الحرير نتيجة لإصابة دودة الحرير في بعض دول العالم بمرض خطير، وكانت الدولة الفرنسية آنذاك تحصل على نصف منتجاتها من الحرير الصيني عن طريق وسطاء دمشقيين، كما كانت تعتبر دمشق في تلك الفترة رائدة التجارة بالمنسوجات الثمينة من القطنيات والأجواخ والأقمشة الحريرية، واستمرت فرنسا معانية من هذه الأزمة حتى افتتاح قناة السويس وسيطرتها عليها عام 1869. ولم تفلح محاولة الغربيين قبل هذا التاريخ من سكن دمشق ولبنان وشراؤهم لمزارع الحرير بغية تصديره إلى بلادهم، ولا رفع الضرائب العثمانية على الصناعيين والحرفيين، لأن تطبيق نظام الجاكار الميكانيكي في تلك الفترة زاد من قدرة الصناعيين الدمشقيين على استيعاب كامل إنتاج الحرير المزروع في لبنان، الأمر الذي جعل المنتجات الدمشقية في تلك الفترة تكتسب رواجاً وسمعة عالمية وأسعار منافسة، فتم افتعال أزمة الاقتتال الطائفي في دمشق وبيروت، ومن ثم عرض ترحيل مزارعي دودة القز لتأمين مزارع لهم في الجزائر.
بعض الأدوات الرئيسة المستخدمة في عسكرة الأزمات في النصف الثاني من القرن العشرين:
يوجد العديد من المحددات التي عملت القوى العدوانية على استخدامها في عسكرة أزماتها الاقتصادية، نذكر منها هنا فقط ما له تأثير مباشر في الأزمة المالية الأخيرة:
1. البنك الدولي وصندوق النقد الدولي(اتفاقية بروتن وودز):
2. الصناعات العسكرية والإنفاق العسكري:
3. العولمة وتسريع وتائر التحول التقني والمعرفي:
البنك الدولي وصندوق النقد الدولي(اتفاقية بروتن وودز):
اتفاقية بروتن وودز: هي اتفاقية بين ممثلي 44 دولة اجتمعوا في بريتون وودز في ولاية همبشاير في الولايات المتحدة الأمريكية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وانهيار نظام الذهب الذي كان يسيطر على تبادل العملات في الفترات السابقة، وذلك من أجل إقرار نظام نقدي عالمي بحيث لا يكون الإشراف عليه من خلال الاجتماعات الدولية العرضية، وإنما من خلال منظمة تعاونية دائمة. ويقوم هذا النظام على تشجيع التحويل غير المشروط من إحدى العملات إلى الأخرى وفق قيمة واضحة ومطلقة لكل عملة
الصناعات العسكرية والإنفاق العسكري:
يشير تقرير المعهد الدولي للأبحاث من أجل السلام إلى وجود 41 شركة أمريكية تقوم ببيع قرابة 63% من حصة السوق من السلاح والآليات الحربية من أصل أكبر 100 شركة في العالم، يضاف إلى ذلك تصاعد غير مسبوق في الإنفاق العالمي العسكري وصل في عام 2005 إلى 1118مليار دولار بزيادة قرابة 4.3% عن العام 2004، وإلى 1339 مليار دولار أمريكي في عام 2007 بزيادة تقارب 6% عن العام 2006.
العولمة وتسريع وتائر التحول التقني والمعرفي:
أشار تقرير وزارة التجارة الأمريكية الشهير بعنوان " السقوط من فتحات الشبكة" عام 1995 إلى مصطلح الفجوة الرقمية، حيث الفارق الكبير في استخدام الكمبيوتر والانترنت بين فئات المجتمع الأمريكي نفسه، وبين المجتمع الأمريكي والعالم، وهو ما يعتبر مسوغاً إضافياً للتدخل العسكري في العديد من الدول، وخاصة أن امتلاك التكنولوجيا الرقمية هو نموذجاً جديداً للحروب بين الدول على غرار الحرب الباردة، وأن إن البطء والتمهل وإبطاء وسير الأحداث يتيح فرصة للمقاومة المسلحة الناجحة في مجابهة عدو لها يفوقها من حيث التقنية المتطورة والتسليح.
قراءة في الأزمات الاقتصادية منذ أزمة الكساد الكبير في الثلاثينيات من القرن العشرين وحتى أزمة الربيع الدجال:
تم في ثلاثينات القرن الماضي إعادة بناء أدبيات النظام الرأسمالي المعاصر بالاعتماد على أفكار الاقتصادي الإنكليزي كينز الذي أصر على الجمع بين النظرية الاقتصادية والسياسة العملية، وعلى أفكار بعض الاقتصاديين الذين ما لبثوا أن سوقوا لأفكار كينز فيما بعد. وقد تم في تلك الفترة بناء نظام الحسابات القومي بناء على تلك الأفكار، كما أصبح أحد مرودي أفكار كينز مسئولا عن التخطيط في مجلس الإنتاج الحربي في بداية أربعينيات الفرن الماضي. وقد أشارت إحصائيات الحسابات الاقتصادية القومية إلى أن النظام الاقتصادي في تلك الفترة يعمل بأقل بكثير من طاقته، وهو وضع طبيعي في ظل البطالة، والتوازن الناقص للعمالة، والذي لا يمكن تصحيحه إلا بإجراء حكومي صارم في كل دولة على حدا، مع التأكيد على أن الحروب تساهم في كسر التوازن الناقص للعمالة، وتساهم أيضاً في وصول الإنتاج لكامل طاقته. الأمر الذي نلحظه بوضوح من خلال ازدياد الناتج القومي الإجمالي خلال الفترة 1939-1944 إلى ما يقارب الضعف، وقد ازداد معه أيضاً الإنفاق على الاستهلاك الشخصي، كما انخفضت معه البطالة من 17.2% إلى 1.7% خلال الفترة نفسها.
إلا أن تطور العتاد العسكري المستخدم خلال هذه الحرب واتساع رقعتها، وارتفاع تكاليفها جعل الاعتماد عليها في الخطط العدوانية القادمة أمراً صعباً، لذلك كان لابد من الاستعاضة عنها بالحروب الصغيرة المتلاحقة والمتفرقة والخاطفة، واعتماد سياسة الفوضى الخلاقة أو التدمير الخلاق، من أجل إعادة تشكيل الرأسمالية بصورتها التدخلية، وإعادة بناء المؤسسات المالية بدماء وأفكار جديدة، وخاصة مع تحول العالم من الاعتماد على الفحم الحجري إلى النفط كمصدر رئيس للطاقة خلال فترة فليلة نسبياً مقارنة بما كان يتم في العصور السابقة، وهو ما تم إتباعه ابتداءً من الحرب الكورية، حيث عمدت الولايات المتحدة بدافع مقارعة الشيوعية إلى ضخ كمية كبيرة جداً من الدولارات أثناء حربها مع كوريا. وعلى الرغم من سلسة الأزمات العسكرية التي لم تفلح فيها بدرجة كبيرة الولايات المتحدة الأمريكية مثل أزمة خليج الخنازير وحروب فيتنام، وعدم قبول الرئيس الفرنسي للإغراءات الأمريكية بمنع تحويل الدولار إلى ذهب، إلا أن الإستراتيجية الأمريكية التي توجهت إليها أمريكا، من تثبيت الكيان الصهيوني الغاصب في نكسة عام 1967 وزيادة تهديده للمنطقة العربية النفطية، ورفع سعر النفط، والتي سبقها الإطاحة بحكومة مصدق في إيران لتأميمها النفط، كما سبقها أيضاً ضخ كمية كبيرة جداً من الدولارات في دول العالم ابتداءً من الحرب الكورية مروراً بأزمة خليج الخنازير- أزمة شاطئ خيرون والصواريخ السوفيتية في كوبا وفشل التدخل العسكري الأمريكي فيها مموهاً تحت ستار المعارضة الكوبية- وفيتنام وإيران وتشيلي واندونيسيا((تدخل عسكري في انقلابي تشيلي واندونيسيا) ساهمت بدورها في تحول الدولار عند أول أزمة مصطنعة للدورة الاقتصادية)) إلى عملة عالمية ووسيلة للتبادل والمدفوعات منهياً بذلك العمل باتفاقية بروتن وودز التي تربط الدولار بالذهب. ((وهو السيناريو نفسه الذي تتبعه أمريكا حالياً بعد خروج الأزمة المالية الأخيرة عن سيطرتها)).
وقد أدركت الولايات المتحدة الأمريكية أن سيطرتها على العالم تبدأ من منابع النفط، فعملت على تدعيم وجود الكيان الصهيوني وزيادة تهديداته لدول المنطقة، مع تقديم الإغراءات النقدية لهذه الدول من رفع سعر النفط والمعونات غير المباشرة عبر الممرات البرية والبحرية التي تبسط سيطرتها عليها، معيدة بذلك سياسة العصا والجزرة التي اتبعتها سابقاً، ولكن هذه السياسة لم تفلح مرة أخرى في المنطقة أيضاً لأن سورية ومصر قد التهمتا الجزرة الأمريكية وأعادتا توجيه العصا على حامليها، من خلال استفادتهم من الطفرة النفطية في حرب تشرين التحريرية، التي زعزعت الثقة بعنصر التهديد المزروع في المنطقة، فسارعت الولايات المتحدة إلى إخراج مصر من دائرة الصراع القومي، وعمدت إلا زيادة التوترات في سورية ابتداءً من الحرب الأهلية في لبنان مروراً بتحويل المساعدات الخليجية من توظيفها ضد الكيان الغاصب إلى توجيهها لتمويل الحرب العراقية الإيرانية(في هذه الفترة ظهر التهديد المبطن للرئيس الأمريكي جيمي كارتر باحتلال منابع النفط، والتي رافقها تردد شعارات بأوروبا وأمريكا بأن سادة النفط لا يدركون ما سوف تولده سياساتهم تجاه شعوبهم) والتي رافقها أزمة الغذاء في جنوب شرق أسيا، وأزمة المديونية وطفرة الإنتاج في بداية الثمانينات والتي ساهمت في انخفاض الإنتاج في أربع دول كبرى من الدول الصناعية الخمس، ومن ثم أحداث الإخوان المسلمين وحروب لبنان 1982 وغيرها من الأحداث التي اتبعت فيها أسلوب العصا والجزرة عن طريق ضخ كميات كبيرة من الدولار بطرق وأساليب مختلفة، وزيادة التهديدات المحيطة بالدول بما يفوق طاقتها، وتهيئة الظروف المواتية لإضعاف فكرة القومية العربية التي أسقطت مشروعها الأخير. وقد استطاعت بهذه الإجراءات كسب الحرب البارد ضد الشيوعية، لتتحول بذلك -بعد تفكك الإتحاد السوفيتي- إلى مارد كبير لم يعد يرى أمامه ما يبسط من خلاله سيطرته على العالم بأقل تكلفة سوى السيطرة على المخزون النفطي في العالم، فعمدت إلى تسريع وتيرة الاتصال ونقل البيانات والمعلومات، وساهمت في تسريع انتشار ثورة التكنولوجيا والمعلومات حتى في الدول الفقيرة والنامية بعد أن كان استخدامها في السابق حصراً بالقوات العسكرية الأمريكية، في محاولة زيادة سيطرتها على العالم وإضعاف حركات المقاومة – حيث البطء والتمهل وإبطاء وسير الأحداث يتيح فرصة للمقاومة المسلحة الناجحة في مجابهة عدو لها يفوقها من حيث التقنية المتطورة والتسليح- التي ساهمت في صناعة بعضها وشراء ولاءها، ولكن تسارع وتيرة الأحداث خرجت عن سيطرتها في المحافظة على حكم الدولار والتحكم في تأثيرات ثورة الاتصالات والمعلوماتية، فعمدت إلى معالجتها عن طريق تسريع السيطرة المباشرة وغير المباشرة على مناطق النفط ابتداءً من بحر قزوين إلى الخليج العربي وزيادة الخطر الإسرائيلي من خلال العصا العسكرية والجزرة النفطية التي أسكتت العديد من القادة عن الاعتداءات الإسرائيلية على دول المنطقة، لكن فشل الحل العسكري أفقد الثقة في قدرة العسكرة الأمريكية على حماية قيمة الدولار، الأمر الذي دفعها إلى إعادة الإجراءات السابقة مرة أخرى ولكن بوجه أخر، لتظهر أزمة الرهن العقاري والتي تهدد بكساد كبير في وقت تسارعت فيه وتيرة الإنتاج، وأعقبها أزمة أنفلونزا الخنازير التي سوف تساهم في إعادة ضخ كميات كبيرة من الدولارات في دول العالم لمواجهة هذه الأزمة، معيدة في الوقت نفسه آلية العمل السابق التي استطاع من خلالها الدولار أن يكون عملة عالمية بدون مقابل، وثورة المعرفة نتيجة إتاحة الوصول لمكتبات الأمم المتحدة بيسر وسهولة بمختلف اللغات وخاصة في الدول النامية التي تعاني من ضعف الإثبات والتوثيق العلمي الموضوعي. وقد تبنت الولايات المتحدة في هذا الصدد إستراتيجية الفرصة الأخيرة أو ما يطلق عليه فرصة 2008، والتي تقوم على دعم فئة في المنطقة من أجل تفكيك المنطقة برمتها ولكن بأسلوب يعتمد على المفاوضات تارة، وبعض المحاولات الظاهرة لحلحلة الصراع العربي الإسرائيلي، مع دعم الكيان الصهيوني ليكون القوة الإقليمية الوحيدة في المنطقة. أو بإثارة القوى الناعمة تحت ذريعة الحرية أو التنمية والديمقراطية الأمريكية المنشودة تارة أخرى. وقد تكللت هذه الإستراتيجية بالنجاح وفقاً للنتائج التي حصدتها من الربيع الدجال، لكن نجاحها لم يكن كما هو متوقع، فقد انتفضت القوى الأخرى المناهضة لها في المنطقة على خلفية أحداث ربيع الدجال وأصبحت هذه القوى تشكل خطراً كبيراً على سيادة الولايات المتحدة الأمريكية للعالم، خاصة بعد فشلها في إسقاط الدولة السورية، فعمدت إلى اعتماد دورة حياة كاملة لإستراتيجية الفرصة الأخيرة تجسدت في تحويل الأزمة في سورية إلى أزمة نقدية بين الدولار والليرة، مستندة في ذلك على عدد من الأمور:
1- تحويل مسار الأزمة في سورية إلى محورين:
– الأول يقوم على الجانب المسلح ويعمل على تقطيع أوصال الدولة السورية وتدمير بنيتها التحتية والإنتاجية التمويلية مما يُثقل كاهل المواطنين في لقمة معيشتهم.
– والأخر يقوم على تحضير فقاعة ضخمة للدولار تجعل الناس تلهث ورائه وفق سياسة القطيع الأمن
2- عند توجه الأفراد على اقتناء الدولار لسهولة حمله وإخفائه وتحويله إلى نقد، تقوم الدول المؤيدة لغطرسة الولايات المتحدة الأمريكية في استقطاب وسحب النقد السوري من التداول،عبر زيادة الطلب على القطع الأجنبي بالتحريض والإشاعة أو بالتأمر مع ضعاف النفوس بالداخل، ومن ثم تقوم على ضخ كميات مزورة من القطع الأجنبي.
3- عندما تهم الدولة بمحاولة التدخل في السوق لإعادة السيطرة على سعر صرف الليرة مقابل الدولار تقوم القوى المساندة للمعسكر الغربي بضخ النقد السوري المخبأ والمهرب حتى يتم إغراق السوق بما يفوق المعروض من القطع الأجنبي، وما إن تحاول الحكومة السورية مجدداً التدخل لإعادة التوازن حتى تقوم هذه الدول بتغيير كفة التوازن بالسوق لصالح القطع الأجنبي والدولار تحديداً مما يقود على دولة فاشلة غير قادرة على ضبط مستلزماتها وتوازن سوقها من العرض والطلب، وتترافق هذه الخطوة مع العمل على تدمير أوسع للبنية التحتية ومصادر الإنتاجية، وبث قدر هائل من الإشاعات المتضاربة التي تربط حتى شرب الماء ببورصة الدولار الزائفة.
4- إلى هذه اللحظة تدرك الحكومة السورية اللعب بفقاعة الدولار وتدير جيداً توجهات هذه الفقاعة، وإن كان حجم هذه الفقاعة قد فاق ما كان متوقعاً، إلا أن ذلك لم يؤثر على اتجاهها لكنه أثر في سرعة مسيرها وتوجيهها، فقد عمدت الحكومة السورية إلى دعم الليرة السورية باكتنازها وإعادة تدويرها بمعرفتها، ثم بترك بعض الحرية في سوق العرض والطلب على القطع الأجنبي مع محاولة دعم ضوابط محلية للتحكم به، لكن هذه المحاولات لم يكتب لها النجاح لانخفاض الإنتاجية.
5- بعد مرور العامين ونصف على الأزمة في سورية أصبحت القوى المتآمرة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تدرك أن الوصول إلى دولة فاشلة في سورية ليس بالأمر السهل، لذلك تحول -إن لم تستطع تحويل سورية إلى دولة فاشلة- الاعتماد على سياسة الدولار من أجل إطالة أمد إعادة الأعمار وإطالة عمر الفوضى بالساحة السورية علَّ السياسة السورية تتراخى أو تتراجع عن أهدافها.
إن السيناريوهات المطروحة المعلنة وغير المعلنة وبعض السيناريوهات التي لم تطرح أو لم يتم تداولها أصلاً لا تخيفنا في سورية في مواجهة عسكرة الأزمات وحرب الدولار، مهما ارتفعت فقاعة الدولار وما يرتبط بها من أسعار، وما وجود العملة المزورة التي تحاول القوى المتآمرة على سورية ترويجها في السوق السورية، أو وجود النقد السوري الأصلي والمزور الذي تحتفظ به هذه الدول من أجل إغراق السوق السورية بالنقد وفقاً لآلية عمل قانون جريشام الاقتصادي، ليس إلا جزء من إستراتيجية المواجهة التي نعدها لهم, عاشت سورية رمز الصمود والمقاومة.