«الآن ادركت حقاً اننا قطيع من الماعز. اذا لم نكن هكذا فكيف نختار احمد العاصي الجربا قائداً لنا؟». قالها لنا عضو في الائتلاف الوطني السوري، وهو اكاديمي مثقل بالنظريات السياسية والفلسفية على انواعها، حين اتصلنا به لتهنئته اولاً على هذا الخيار الفذ، وثانياً على التمكن من الاختيار وسط تلك البانوراما البابلية، اذ من تراه يفهم لغة الآخر حين ينطلق السباق على الرئاسة بين الاحصنة العرجاء؟».
لا، لا، لم تكن لحظة شكسبيرية بل كانت لحظة قبلية. الاشباح هنا ظهرت بوجوهها وهي تحمل اكياس الدنانير وتنثرها على من كرسوا انفسهم، بالليالي الملاح على ضفاف البوسفور وبالليالي الحمراء داخل الطاحونة الحمراء او في زوايا الطاحونة الحمراء في باريس، من اجل انقاذ سوريا. لم يكن الامر بحاجة الى تكشيرة القنصل الاميركي، ولا الى حنكة القنصل الانكليزي، ولا الى ديناميكية القنصل الفرنسي. المعادلة إياها بين البلاط والقهرمانة لا يعوزها كل هذا…
من قال اننا اغتسلنا من ازمنة البداوة. لا نزال هناك ونعتقد ان ثمة ناقة تجر الكرة الارضية، واننا بأموالنا (تلك الاموال الغبية) نستطيع ان نمتطي الناقة إياها ونطأ سطح القمر. اجل، ناقة وتحملنا الى سطح القمر. يظل هذا واقعياً اكثر بكثير من ان نراهن على ان يصل الجربا بسوريا الى الحرية والعدالة. الايام سوف تثبت لكم كيف تم استبعاد الآخرين والاتيان برجل تتقاطع فيه كل شروط القهرمانة…
لن نستعيد الصورة السابقة بين دونكيشوت وعنترة بن شداد. الاكاديمي إياه حدثنا عن المواصفات الفذة للرجل. كيف تكون امياً، وكيف تكون دمية، وكيف تكون ببغاء. انتبهوا، المال، باللغة العربية الفصحى، يصنع من رجل بمثل هذه المواصفات صورة طبق الاصل عن ألبرت اينشتاين او عن طارق بن زياد.
اذاً، كل ذلك الجهاد المقدس ( لاحظوا هيستيريا الشاشات)، وكل ذلك الدمار الذي حمل روبرت فيسك على القول «حتى آلهة الاغريق لا تستطيع ان تفعل كل هذا»، من اجل ان تصبح سوريا، بكل ألقها وبكل تاريخها، وقد تحدث نزار قباني عن «ليلة الزفاف بين الجمر والياسمين»، رهينة بيد من لا يزالون يرقصون في ازقة القرون الوسطى. مع اعتذارنا الشديد من القرون الوسطى..
قال احمد العاصي الجربا ( لاحظوا الدلالة في اسم العائلة)، وقد تبرأ الكثيرون من الاسرة الشمّرية من الرجل وعجبوا للاختيار العجيب، ان الاولوية عنده ستكون للسلاح، ثم قال ان السلاح المتطور هو في الطريق الينا، وقال بوقف اطلاق النار خلال شهر رمضان. وعلى النظام ان يستجيب حتى تصل الاسلحة المتطورة ويتغير الواقع على الارض…
قلنا، الرجل الذي على ظهر ناقة، وقلنا العقل الذي على ظهر ناقة. لاحظوا التسلسل الكوميدي في تصريحاته. نسأل صديقنا برهان غليون، ونسأل صديقنا اكثر جمال سليمان: ماذا حدث لكم لكي تتعايشوا مع كل هذا الهباء؟
اي واقع يبغي الجربا تغييره؟ وهل لا يزال هناك «واقع» في سوريا من اجل تغييره؟ الغريب ان الذين تولوا ادارة ذلك السيناريو في اسطنبول لم يتنبهوا الى ان المسرح السوري بات اكثر تعقيداً، على الصعيد الدولي والاقليمي، من ان ينظر اليه او من ان يتم التعامل معه بالبداوة إياها. هناك صراع، وهناك البلقنة التي قد تنسحب على كل خارطة المنطقة (بعد سقوط عالم يالطا وما بعد يالطا)، فكيف للعقل العربي ان يظل هناك على ظهر ناقة؟ ذات يوم تحدث مظفر النواب عن عازف الرباب على قدمي مولانا الاميركي. اي مولى للعرب الآن؟
سوريا من خراب الى خراب. مرة اخرى، واخرى، نستذكر امام المعارضة وامام النظام ما جاء في سفر اشعيا «وتزول دمشق من بين المدن، وتصبح ركاماً من الانقاض». لا، لسنا من اساقفة الغيب، ولا من غلمان الغيب، ولسنا من الذين يبيعون الغيب على عربات الخضار، ولكن ماذا يقصد الجربا حين يتحدث عن سلاح لتغيير الواقع؟
نقول للامي وللدمية وللببغاء ان سوريا في ازمة بقاء. ازمة هي اكبر منه بكثير، واكبر بكثير من اولئك الذين تولوا تسويقه كما يتم تسويق «العنزة الجرباء». وحين تكون سوريا امام ازمة بقاء يكون العرب جميعاً امام ازمة بقاء، ودون ان يعنينا النظام او تعنينا الانظمة، وبطبيعة الحال دون ان تعنينا تلك المعارضة او تلك المعارضات داخل الصناديق المبردة.
حين يحدث الزلزال في سوريا، ويحدث الزلزال في مصر، فهل لبنان وحده بين الزلزالين ام المنطقة كلها بين الزلزالين وحيث تتحطم منهجياً البنى الجيولوجية للمجتمعات العربية التي ابتليت بانظمة لا فارق عندها بين الناس والماعز، فمن تراه لا يعلم مدى تبعية هذه الانظمة لكل اشكال الاساطيل ولكل اشكال القناصل؟..
هزتنا ضحالة احمد العاصي الجربا. وهزنا ان يكون «الائتلاف الوطني السوري» مراوغاً وزبائنياً الى هذا الحد. لا حاجة الى اي تفاصيل اخرى. السوريون هم من يدمرون سوريا، العرب هم من يدمرون سوريا. ولتتقدم السيدة البلقنة بثياب الزفاف…
تصفيق …ايها الحمقى!
المصدر : الديار