خلفت الأزمة السورية مجموعة من ردود الفعل المختلفة ، كما خلفت مجموعة من الوقائع الواجب قراءتها قراءة متأنية و فاحصة في الوقت المناسب ، و بالطبع تواصل المؤامرة على سوريا طيلة أكثر من عامين ، يفرز للمتابعين عدة حقائق مهمة سواء من حيث كيفية تعامل النظام و الحكومة السورية مع متطلبات المعركة على كل الأصعدة ، أو فيما يخص كيفية استعمال الجانب الأخر لكل وسائل الصدمة و الرعب حتى يتم إسقاط النظام بأقصى السرعة و بأقل التكاليف حتى لا يفهم الجميع ما يحصل إلا بعد فوات الأوان مثلما حصل في العراق و ليبيا .
أول الاستنتاجات المهمة أنه و لئن كان الشعب السوري يستحق صراحة كثيرا من مساحة الحرية ، و أن النظام لما ترك تحديد هذا الهامش للقبضة الأمنية دون غيرها قد أخطا الحساب ، لان العقلية الأمنية تتعامل بمنطق الحرص المفرط على سلامة النظام ، و سلامة المجتمع ، و لكنها لا تفهم كيفية معالجة المسائل "الشعبية"، بل تعتبرها أحيانا نوعا من الترف في وضعية سوريا ، و ما تعانيه من أخطار أمنية على كل الواجهات ، قلت و لئن استحق الشعب توسيع رقعة مساحة الحرية فان من جاء بهذه الذريعة الخاطئة من مشايخ النفط ، لا يمنح شعبه ربع ما يتمتع به الشعب السوري ، بل انه لا وجه للمقارنة إطلاقا بين وضعية الشعب السعودي – القطري، و وضعية الشعب السوري السياسية ، و لا وجه للمقارنة أصلا بين مكتسبات الشعب السوري و بقية شعوب دول الجوار مجتمعة .
ثاني الاستنتاجات ، انه في بلد مثل سوريا تقطن و تتعايش عديد الطوائف و الأقليات ، لم يكن ممكنا إرساء عدالة شاملة تحترم مختلف مطالب هذه الكيانات ذات التوجهات السياسية و الدينية و العقائدية المختلفة ، لذلك تابع الجميع كيف ستتصرف الحكومة مع الأزمة في ظل هذا التنوع ، بل ذهب العديد من الملاحظين إلى اعتبار أن هذا التشرذم السوري سيمثل احد العناوين المهمة التي تشتعل عليها المؤامرة ، و بالطبع اكتشفنا مع المتابعين كيف حاول إعلام المؤامرة التسويق للحرب الطائفية و للفتنة المذهبية ، و كيف استغل اكبر لصوص الدين في المنطقة ، الشيخ القرضاوى ، هذا التنوع السوري ، للإيحاء بوجود حرب نظامية ضد السنة ، و أفتى للمجموعات الإرهابية القذرة بجواز نصرتها بعنوان الجهاد ، و بعنوان تكفير ما سماه النظام النصيرى السوري.
في ثالث اهتمامات المتابعين ، هل ستقدر سوريا ، بل هل سيقدر الجيش السوري على حرب غير كلاسيكية تسمى بحرب العصابات و حرب الشوارع ، و من تابع هوامش حرب القصير الأخيرة ، و خاصة ما سبق للإعلام أن تحدث عنه من قدرة الجماعات الإرهابية على هذه الحرب ، بحكم " تجربتها" في عدة مناطق ساخنة في العالم أهمها أفغانستان ، الشيشان ، شمال الصومال و جواره الإقليمي ، فانه سيخرج بانطباع يقترب من الدهشة و الذهول ، بعد أن أثبت الجيش السوري بإسناد من حزب الله قدرته على التعامل مع أكثر الوضعيات العسكرية صعوبة في العالم ، إضافة إلى أن النظام قد تخلص من أكبر خطا في التقدير كاد أن يجر سوريا إلى منعطفات خطيرة و هو عدم القبول بإسناد رفقاء السلاح و المصير سواء من حزب الله أو من الجمهورية الإسلامية الإيرانية .
رابع ما يمكن ملاحظته صمود حلف المقاومة أمام كل الضغوط الإقليمية و العالمية مما شكل صدمة قوية لأصدقاء سوريا ، و عطل في نهاية الأمر ، تمرير خطة الإجهاز على النظام السوري بالسرعة المطلوبة ، بل أن الجمهورية الإيرانية قد وقفت موقفا صلبا إلى جانب جارها التقليدي ، و قدمت مساعدات مختلفة ، كان لها الأثر في صمود الشعب السوري ، و مكنت القيادة من السيطرة على الوضع الاقتصادي الذي يعتبر عصب كل حرب ، خاصة إذا كانت بمثل هذه الشراسة ، و في ظل حصار عربي خليجي كافر.
من الواضح أن النظام لم يكن مستعدا بالشكل المطلوب لهذه الحرب ، و يكشف حجم كميات الأسلحة المهربة إلى سوريا ، و أعداد المجموعات الإرهابية ، ووسائل الاتصال أن المخابرات السورية قد تجاوزتها الأحداث في بعض الأحيان، نتيجة عوامل معقدة عديدة يطول شرحها ، لكن من الأكيد أن التعاون مع بعض الأجهزة الإيرانية ، و الروسية قد مكن المؤسسة الأمنية السورية من استعادة السيطرة على الوضع ، و معركة القصير جاءت لتعطي الدليل على أهمية المعلومات في حرب غير كلاسيكية خاصة في ظل تعاون أجهزة مخابرات عديدة لتمكين المجموعات الإرهابية المسلحة من دعم بالمعلومات المهمة مكنها من ربح الوقت و كشف التحركات العسكرية للنظام.
في الحرب هناك معطى مهم يتعلق بالاقتصاد ، و إذا نظرنا إلى واقع الأمور عشية بداية المؤامرة على سوريا ندرك حجم التحدي الذي واجهه النظام و الشعب السوري خاصة في ظل قرار مقاطعة اقتصادية عربية جاء مكمــلا لجملـة من العقوبات الأمريكية و الغربية على النظام ، و قد أثبتت هذه الحرب قدرة الاقتصاد السوري على مواجهة حرب اقتصادية مدمرة بكل المقاييس ، و أثبتت إيران أنها وفية دائما لمبادئها الأخلاقية بحيث قدمت دعما لا محدود للشعب السوري عوضه عن كل الخسائر و مكنه من التعايش مع هذه الأزمة بشيء من الصعوبة طبعا ، و هذا الموقف يسجل تاريخيا للجمهورية الإسلامية و يقيم الدليل على سلامة التوجه السوري لإقامة علاقة إستراتيجية مع الجمهورية الإسلامية من شانها تعويضه على الجانب الخليجي المتآمر مع الصهيونية.
لقد كرست الحرب على سوريا مزيدا من صلابة الموقف السوري – الإيراني ، بحيث أن انتصار سوريا ، و صمود إيران في وجه المخطط الصهيوني ، و قدرة حزب الله المتنامية في كل المجالات ، سيصنعان حلفا غير مسبوق في تاريخ المنطقة ، هذا الحلف هو الذي سيقرأ له ألف حساب في المنطقة ، أما عن بعض الأنظمة الخليجية المتعودة على الخيانة فساعة حسابها ستأتي قريبا ، لان الدماء السورية البريئة التي تسبب فيها هذا النظام الخليجي الأيل للسقوط لن تذهب هدرا.