برشلونة في إسرائيل. هي «دعسة ناقصة» للنادي الكاتالوني الذي حطّ في الأراضي المحتلة للمساواة بين الضحية والجلاد. صور لاعبي «البرسا» أمام حائط البراق تكفي وحدها لخدمة البروباغندا الصهيونية الباحثة دائماً عن اعتراف لشرعيتها المزيّفة، ووسط محاولاتها لتغطية جرائمها
بين كنيسة المهد وحائط البراق صورٌ كثيرة انتشرت لفريق برشلونة الإسباني في ما كان عنوانه «جولة السلام» التي قام بها الفريق الكاتالوني في نهاية الأسبوع الماضي. صورٌ قد تبدو عادية لمتابعها إذا ما كان الأمر يختصّ بيوم السبت خلال وجود نجوم «البرسا» في الكنيسة التاريخية. لكن لا شك في أن الصور الأخرى أي تلك الخاصة بيوم الأحد يمكن أن تستفز مشاهدها بسهولة. كيف لا، والتأثر يبدو واضحاً على الأرجنتيني ليونيل ميسي ورفاقه خلال وقوفهم أمام الحائط وهم يعتمرون «القلنسوة» أو «الكيباه».
يا لها من صورٍ لا يمكن تبريرها عند الرأي العام العربي، ولو أن النادي الكاتالوني حاول التأكيد بأنه سعى الى إحداث نوعٍ من التوازن من خلال «جولة السلام» التي قام بها، إذ كانت هناك حسابات دقيقة للوقت الذي سيقضيه النجوم في بيت لحم، كما الحال في تل أبيب، إضافة الى حسابات أخرى بأن كلام رئيس النادي ساندرو روسيل كان متوازناً أيضاً بشكلٍ لا يخدم مصلحة أي من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
لكن، وبغض النظر عمّا حصل فإنه يمكن وصف زيارة برشلونة للكيان الصهيوني بالزيارة المشبوهة، فهي تخدم النادي الكاتالوني وسلطات الاحتلال دون سواهما، والمعطيات تشير بشكلٍ واضح الى هذه المقولة، انطلاقاً من التغطية الإعلامية الضخمة التي حظيت بها زيارة الفريق الكاتالوني للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز ورئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، إذ حتى وكالات الأنباء نشرت عدداً أكبر من الصور للزيارة المذكورة، مقارنة بتلك التي نشرتها وتخص زيارة ميسي ورفاقه لكنيسة المهد.
أضف، إنه تمّ التركيز في الصور على ظهور العلم الإسرائيلي بشكلٍ مكثف حول لاعبي برشلونة، وخصوصاً عند حضورهم في مركز بيريز للسلام.
إذاً، هراء هو ما صرّح به نائب رئيس برشلونة خافيير فاوس، الذي حرص على تنظيم هذه الجولة، والتي كان مخططاً قبلها أن تكون مباراة تجمع بين فريقٍ مؤلف من لاعبين فلسطينيين وإسرائيليين، وقد فشل المشروع بسبب رفض الجهات الفلسطينية لهذا الأمر. فاوس الذي وصف ناديه بأنه الأول شعبياً في فلسطين وإسرائيل لم يكن دقيقاً في هذا الوصف، الذي يمكن أن ينطبق على الفلسطينيين لا على الإسرائيليين.
صحيح أن الفلسطينيين والإسرائيليين يكنّون شغفاً كبيراً لكرة القدم، وهو أمر قد يكون من الأمور المشتركة القليلة بين الطرفين المتنازعين، لكن اعتبار «البرسا» وحده قاسماً مشتركاً بحسب ما قال روسيل أيضاً، ففي هذا الأمر كذب لأن لعبة كرة السلة هي الأكثر شعبية في إسرائيل، وبرشلونة بطبيعة الحال ليس نادياً صديقاً على الإطلاق، والسبب هو أنه منافس لدود للفريق الأشهر ماكابي تل أبيب في «الدوري الأوروبي» (يورو ليغ) الذي يشهد صراعاً شبه سنوي بينهما…
خطأ كبير ما أقدم عليه برشلونة، إذ لا يمكن لهذا النادي أن ينظّم جولة من هذا النوع بالتعاون مع مجرم حرب يدعى شيمون بيريز، والأسوأ أن القيّمين على النادي يحاولون جعل الوضع يبدو وكأن هناك سوء تفاهم بسيطاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين يمكن حلّه بمجرد مبادرة كروية تهدف الى بناء جسر للتواصل، في الوقت الذي هدم فيه الاحتلال جميع الجسور الخاصة بالسلام أو غيره.
وقد يأتي البعض ليقول إنه لا شأن لبرشلونة بالصراع الحاصل، والنادي الكاتالوني ليس مجبراً على التعاطف مع القضية الفلسطينية أو ليس مجبراً على مراعاة مشاعر جمهوره العربي العريض، لكن هناك في إسبانيا بشكلٍ عام وفي مقاطعة كاتالونيا بشكلٍ خاص تتعالى الأصوات الصارخة «FOUL» بشأن خطوات النادي باتجاه إسرائيل، إذ هناك ما يعرف بـ«شبكة التضامن ضد احتلال فلسطين» (RESCOP) التي تضم 38 منظمة تعنى بهذا الشأن، بينها «BDS Catalonia» التي تشكل جزءاً من منظمة عالمية تدعو الى مقاطعة وتعرية ومعاقبة إسرائيل (BDS = Boycott٬Divestment and Sanctions movement against Israel).
هذه المنظمة وغيرها كانت قد أطلقت عريضة بست لغات لمنع برشلونة من الحضور الى إسرائيل، وقد جمعت حوالى 2400 توقيع من مختلف أنحاء العالم. إلا أن هذا الأمر لم يثنِ برشلونة عن الإصرار على تنفيذ مشروعه، فلا شك في أن النادي الذي لا يجول كغيره من الأندية الأوروبية في القارة الآسيوية لتسويق نفسه، يعمل بطريقة مختلفة في هذا المجال، إذ إن خطوته في زيارة إسرائيل لا تشبه أبداً تلك التي أقدم عليها عندما وضع شعار «يونيسف» على قميصه لأهداف خيرية. فالأكيد أن «البرسا» سوّق اسمه على أنه جزء من الحكام الكبار في العالم عندما اعتبر نفسه صانعاً للقرار في مكانٍ ما على اعتبار أن خطوة النادي ستدفع عجلة السلام الى الأمام، وهو أمر غير صحيح على الإطلاق.
أما البروباغندا الأكبر فقد حصلت عليها الدولة العبرية، إذ إن حضور برشلونة إليها وتعامله معها في مشروع ما، إضافة الى عمله في الأراضي الإسرائيلية كما فعل تماماً في نظيرتها الفلسطينية، يساعد على تشريع الوجود الإسرائيلي والاعتراف بوجود دولتين في فلسطين المحتلة. كما يلطّف صورة الكيان الصهيوني في محاولة لتشتيت أذهان العالم عن الاضطهاد الذي يرتكبه جيشه بحق الرياضيين الفلسطينيين.
الحقيقة أن قبول الجهات الفلسطينية بالانغماس في مشروعٍ، حيث الشريك الآخر فيه هو الجهات الإسرائيلية، يعدّ نوعاً من أنواع التطبيع، ويخدم المصلحة الإسرائيلية، بحيث حصل الإسرائيليون أمس على اعتراف آخر من العالم الكروي بأن إسرائيل هي دولة موجودة على الخريطة الرياضية والمدنية، والدليل زيارة وفد برشلونة لها ومكوثه في ربوعها.
مؤسف ما أقدم عليه برشلونة، وخطأ جسيم لا يمكن تحديد أضراره، فهل يعلم نجوم «البرسا» أن اللاعبين العرب الذين يلعبون بألوان منتخب إسرائيل يرفضون إنشاد النشيد الوطني (هاتيكفا)، وبالتالي فإن زيارتهم لن تغيّر شيئاً مما يوجد بين الصهاينة والعرب؟ هل سمع هؤلاء النجوم بلاعبٍ زميل لهم اسمه محمود السرسك، والذي احتجزته السلطات الإسرائيلية سابقاً وقضت على مسيرته الكروية؟ هل علموا قبل ذهابهم الى تل أبيب لتدريب أولاد إسرائيليين، كيف قتلت الصواريخ الإسرائيلية الطفل حميد يونس أبو الدقة الذي قضى في أحد ملاعب غزة وهو يرتدي قميص ريال مدريد ويلعب الكرة؟ وهل علموا أن الجيش الإسرائيلي اعتقل الطفل وادي مسودة وعمره 5 سنوات فقط لرشقه جنوداً إسرائيليين بالحجارة؟
المصدر : الاخبار