(١٩٨٢ – اجتياح لبنان) لنبدأ من الآخر، لقد سارت القضية الفلسطينية مع دولة فتح لاند ومن ثم مع لبنان تحت حكم ياسر عرفات إلى الحضيض، لأن الثوار أصبحوا ينامون في السمرلند والفنادق الفخمة المماثلة وليس في الخنادق بعد تكاثر الأموال بين أيديهم، وبدا أن دور الحامي للسفارات في بيروت قد أعجب ياسر عرفات فغفل مثل عبد الناصر عن إعداد العدة لمواجهة الغزو الإسرائيلي الذي كان متوقعاً لكل لبنان منذ العام ١٩٧٨ الذي شهد اجتياحاً إسرائيلياً لعشرات الكيلومترات في الجنوب اللبناني وجوبه بمقاومة شرسة من قوات المقاومة المشتركة الفلسطينية واللبنانية .
دخلت القوات الإسرائيلية واجتاحت جنوب لبنان في السادس من حزيران / يونيو ١٩٨٢ ووصلت إلى العاصمة بيروت خلال أيام ، ولولا معركتي خلدة ومعارك حصار بيروت لكان العار أشنع والفضيحة أكبر.
لقد قامت إسرائيل بإجتياح شامل للبنان بهدف ضرب قواعد المقاومة الفلسطينية ولكنها لم تجد من يقاتلها ومن فعل مثلما حصل في عين الحلوة وصيدا لم يكن بقرار مركزي بل بمبادرة من المتطوعين الذين لم يكونوا تابعين للمنظمات الفلسطينية المعروفة.
معركة خلدة خاضها منشقون عن حركة أمل هم من أسسوا فيما بعد حزب الله، ومعركة عين الحلوة خاضها عشرات المقاتلين من أتباع رجل دين لم يعرف عنهم حمل السلاح حتى تلك اللحظة.
لقد أعاد ياسر عرفات تكرار إستراتيجية الحرب العربية الإسرائيلية الأولى في الثمانية وأربعين، جيوش العرب دخلت الحرب وهي واثقة بأنها ستهزم لهذا أوقفت القتال سريعاً.
أما ياسر عرفات فعندما حصل الإجتياح الذي يعرف بأن سيحصل قام بسحب القوات أو تركها لمصيرها ما دام الغزو حاصل لا محالة فلماذا القتال ؟
لكنه فوجئ بأن الغزو الصهيوني لم يتوقف عند نهر الأولي كما وعدته القوى الدولية التي كانت قد بدأت تتعامل معه بوصفه جزءاً من النظام العربي الرسمي الفاشل وليس بوصفه رجل ثورة ونضال .
وعدوه بتوقف الغزو عند شمال صيدا فنام في الليل ليصحو في اليوم الثالث للغزو والجيش الإسرائيلي يدق أبواب العاصمة اللبنانية بيروت .
وأجبر ١٥٠٠٠ مقاتل فلسطيني على مغادرة بيروت ملوحين بعلامات النصر للمؤيدين لهم في الميناء بعد صمود بطولي، انتهى بفضيحة عربية رسمية وفلسطينية أيضاً، لأنه كان أولى بالمقاتلين أن يموتوا دفاعاً عن بيروت وألا يخرجوا منها ليتركوها لجيش العدو لكي يدخلوها آمنين ويذبحوا ثلاثة آلاف فلسطيني في صبرا وشاتيلا.
وكان من المتفق عليه خروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان لإنهاء الاجتياح الإسرائيلي للبنان كما وعدت أميركا الدول العربية التي بدورها وعدت قيادات لبنان المتخاذلة وعلى رأسها شفيق الوزان، وصائب سلام ، اللذان أقنعا من – ليس بحاجة لإقناع – لكي ينجو بجلده بحجة تجنيب بيروت الدمار (وكأنها لم تكن مدمرة أصلا ) .
وعلى قاعدة الخير فيما وقع، ووفقا للوعد الإلهي " لنستبدلنكم بقوم يحبون الله ويحبونه"، جاء الغزو الصهيوني للبنان ليخرج المارد ،وينطلق لبنان في مسيرته المقاومة وهو المجزأ والمنقسم على نفسه ما بين مقاوم للإحتلال ومناصر وحليف له .
هزم اللبنانيون ومن صمد من الفلسطينيين لا ( ياسر عرفات ) جيش إسرائيل في بيروت، وجعلوه يناشدهم ألا يطلقوا النار على جنوده، وحل مكان الإسرائيليين فيها احتلال أطلسي ( القوات المتعددة الجنسيات ) وسرعان ما خاب رجاؤه هو الآخر ورجاء من ركن إليه ، فخرج مدحوراً تلحق به ألوية إٍسرائيل الأسطورية التي تبين أنها كرتونية ، وأقل من العادية بفضل مقاومين عرفوا معنى أن يقاوموا بلا توقعات بالنصرة من أحد إلا من الله .
قاتل اللبنانيون ولم يسعفهم إلا سوريا وإيران، بينما كانت الكتلة العربية الرسمية كلها تخشى ياسر عرفات وتمده بالمال لإتقاء غضبه.
لقد قاتلت المقاومة اللبنانية التي يصفها السيد حسن نصرالله بأنها ضمت أطياف عدة من الأحزاب اللبنانية الوطنية ولكنها انحصرت بحزب الله بعد العام ١٩٩١. وتمكنت المقاومة – بفضل الإحتلال ونعمه – إلى أن تُوقِع هزيمة ساحقة بجيش الإحتلال وعملائه وأجبرته على الفرار تحت جنح الظلام مسربلاً بالعار .
نقول بفضل الإحتلال لأن لإسرائيل هيبة تلقي الرعب في قلوب العرب صنعتها دعايتها القوية، وتخاذل الأنظمة حتى صار السراب الكاذب واقعاً ، فجاء الاحتلال ليعطي الفرصة لمقاتلين عرباً ، لكي يكشفوا للعالم أن المقاوم العربي هو الذي لا يقهر وليس جيش الإحتلال الصهيوني .
حينها سقط سلاح الخوف أقوى أسلحة إسرائيل على الإطلاق، فبدأت الإنتفاضة في فلسطين، وكتب التاريخ أن بداية سقوط الهيمنة الإٍسرائيلية على النفوس العربية قد إنطلقت من فوهات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي تردد صداها حجارة مقالع فلسطين.
المصدر : آسیا نیوز