ترافق طوفان نوح مع تدهور الروح الإنسانية وقتها ، حيث أخذت الفوضى الفكرية شكلا أصيلا فضلت التداعيات النفسية طريقها وكان
من الصعب أن ترسى في ميناء هادئ ، جاء هذا الطوفان كرد فعل على عدم الاتساق مع القانون الكوني ولكن نوح وجد نفسه مطمئنا في عين الله ولم يكن بناؤه للمركب ميكانزيم دفاعي عن الخوف ، وإنما إيحاء سامي بضرورة الانتخاب ،و انتخاب الأرقى في استمرارية الحياة ، يعود اليوم عدم الاتساق ليتجسد في أعتى الصور ، و قد يبرر البعض هذه التجليات بسوء الطالع أو عسر الحظ ،ولكنها في الغالب هي الابتعاد عن الحقيقة الأكبر أن الإنسان يجب أن يكون انعكاسا لروح الله ، وفي كلمة انعكاس حرية ، حرية التقيد بأبعاد محدودة ، فأنت يمكنك أن تكون الخير والحب والجمال وكل معنى سام يضفي على الوجود اطمئنان السكينة .
لقد طرح الكثيرون من علماء الفلسفة السؤال الأعمق المتعلق بكنه الحياة ألا وهو : هل تريد أن تعيش كل العمر متجنباً الطوفان ، أم أنك سترهن نفسك لبناء مركب ، أو سيكون خيارك هو أن تقبل حقيقة الطوفان كحاجة ملحة لانتخاب راق متجدد.
والجواب عن هذا السؤال مرتبط ارتباط وثيق بالهوية النفسية التي تحددها غاليا الحاجات ، فهل يحتاج الإنسان أن يكون في مأمن من الخطر بتجنب حدوثه ، أم أنه يحتاج إلى دليل حسي (المركب) يشعره أن الخطر أضعف منه ، أم أنه يحتاج أن يعيش حرا بدون خوف أو تنميط لهدف واحد . وتبقى أرقى الحاجات هي الحرية وكيف بها إن كانت حرية من الخوف بحد ذاته.
في طوفان الأربعين يوم نظفت الأرض من كل ما فيها ، حيث أن اجتثاث الشر كان من جذره …..وكانت على السفينة نواة للانتخاب الأرقى …والمفترض في توالي السنين أن نكون نتاج هاذا الانتخاب ، ولكن الجهل والجشع أصبح له إيديولوجية منظمة ، وأصبح الإنسان في زحمة مطاردة أحداث يومه وليس عيشها يجهل من هو ، ويجهل أيضا من يمكن أن يكون …ونسي أنه يجب أن يكون الأرقى .
عندما يرتقي الأنسان ويعود في أصله إلى هدف خلقه ، ستعصف في باله فكرة تدعوه إلى السخرية ، أن لماذا كل هاذا ؟؟؟…وهل يقتضي
إشباع الحاجات محاربة دائمة للخوف ، وأصلا هل جبلت الحياة لتكون عراكا أبديا في زحمة اليوميات الثقيلة ، المساحة تصغر في عمق النفس عندما يكون براحها مرتبط بحل مادي ، على أمل أن يتسع المدى وتعود الإنسانية إلى حقيقتها الأم …ويبقى الطوفان ملحمة دينية أو ميثولوجيا إغريقية …نحكيها ….ونتعظ من أبطالها ….