هي بلدة صغيرة في رومانيا، كانت حدث العالم خلال سنة 1989 إنها البلدة التي تم فيها فبركة جريمة اتهم فيها تشاوسيسكو وأعدم هو وزوجته.
كما الغوطة في ضواحي دمشق، منذ شهر تتصدر النشرات في كل القنوات وفي كل الصحف وفي كل المحافل.. ما الشبه، وما الذي حدث؟ منذ أربع وعشرين سنة خلت اهتز الضمير العالمي لمشاهد جثث حوالي ثلاثمئة طفل روماني قيل حينئذ أنهم ضحايا النظام الديكتاتوري لتشاوسيسكو الذي كان حكمه يتعرض لهزة عنيفة نتيجة المظاهرات المناهضة..
وفي خضم ذلك كان سيناريو أطفال تيميشوارا، مآت الأطفال، انتشلت جثثهم من المقابر ليعرضوا أمام كاميرات القنوات باعتبارهم ضحايا قمع النظام.
ابتلع الطعم لدى الرأي العام، وكان نجوم تلك التمثيلية برناركوشنير الذي يشغل آنذاك قيادة منظمة أطباء بلاحدود، وكانت فرنسا بقيادة فرانسوا ميتران وكان وزير خارجيته رولاند دوماس.. أي حكومة اشتراكية تتولى السلطة في باريز وكانت تقود الجوق..
وللصدف، قضية الغوطة الشرقية في دمشق تأتي اليوم لتذكرنا بنفس السيناريو تقريبا وبنفس معديه وبنفس الذين يسخنون دقات طبله، فرانسوا هولاند الرئيس الفرنسي الاشتراكي ووزير خارجيته لوران فابيوس الاشتراكي..
وإن كان هناك فرقا بين المسألتين فهو في عامل الزمن فقط، ذلك أن المتهم في تيمشوارا كان النظام وفي الغوطة النظام، والقضاة كما ممثلوا الادعاء هم أنفسهم باريز، واشنطن ولندن ثلاثي الشر والشرور اليوم وكما كان دوما..
بعد سنوات أعلن أن تيميشوارا لم تكن صحيحة وأنها مجرد فبركة استخباراتية وإعلامية للتخلص من تشاوسيسكو وبعدها بسنوات، أعلن كولن باول قائد أركان الجيوش الأمريكية في عاصفة الصحراء وكاتب الدولة للخارجية في عهد بوش الابن، أن أسلحة الدمار الشامل في العراق، كانت مجرد سيناريو لغزوه سنة 2003 .
هل سننتظر سنوات ليقولوا لنا أن الغاز الكيماوي الذي قيل أن الغوطة الشرقية بدمشق تعرضت له استخدمه الارهابيون وليس الجيش السوري؟
في حالة سوريا اليوم، إذا كان الهدف ونفس السيناريو يتكرر وهو إسقاط النظام فإن هناك تساؤلات وتشكيك حول الجهة التي استخدمت غاز السارين في الغوطة الشرقية وموسكو كما دمشق ومعهما طهران ينفون ذلك، بل ويقولون أن الجماعات المسلحة هي التي ارتكبت العملية.لكن إذا كان أطفال تيمشوارا، انتشلت جثثهم من المقابر، فإن أطفال الغوطة الشرقية نقلت جثثهم من ريف اللاذقية الذي شهد قبل ذلك هجوما وحشيا لآلاف المسلحين على قراه وبلداته في عمليات طائفية وعرقية رهيبة، وهناك شهود على ما حدث ولعل شهادات تلك الراهبة التي ذهبت إلى جنيف وتحدثت أمام ممثلي الجمعيات والمنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية هي التي جعلت الكثير يعيد الحساب في قناعاته ويتساءل عن صدقية اتهام طرف وإهمال بقية الأطراف المتصارعة في الساحة السورية..
حتى تقارير الإستخبارات الغربية حول المسألة ليست حاسمة إن لم نقل مفبركة لأن هناك تقارير أخرى لنفس الإستخبارات تتحدث عن امتلاك تنظيمات إرهابية للمكونات الكيماوية التي زعم أن الجيش السوري هو من استخدمها، مما دفع بوزير الخارجية الروسي إلى التساؤل باستنكار لماذا لم يصب أي فرد من المجموعات المسلحة المتواجدة بعين المكان الذي قيل أن الجيش السوري قصفه بغاز السارين؟!
بعد تيميشوارا، ظهر معيار آخر في العلاقات الدولية، معيار كانت له تداعيات خطيرة على مفهوم السيادة، وكانت ضحاياه الدول الصغيرة، ولعل ما تتعرض له سوريا اليوم، هو بعض من جوانب ذلك المعيار الذي سبق له أن فتت يوغسلافيا، كما أزال العراق وقسم السودان والأمر هنا يتعلق ”بواجب التدخل لدواعي إنسانية” وأول من نطق به كان الثنائي ميتران – كوشنير ليتحول بعد ذلك إلى ممارسة يستهدف أي دولة لا تعجب حكومتها الغرب.
لكن ذلك كان في ظرف دولي يختلف عن الظرف الحالي، كان ذلك إبان انهيار الإتحاد السوفياتي السابق وتفكك النظام الإشتراكي وسقوط جدار برلين وبروز الولايات المتحدة كقطب أوحد ووحيد على مستوى الكون… ذلك أن أواخر الثمانينات حين حدثت مسرحية تيميشوارا، تختلف في سياق التوازنات الدولية عن سياق ,2013 وروسيا اليوم تسعى إلى استعادة مكانتها كوريث شرعي للإتحاد السوفياتي كما أن الصين برزت كقوة دولية أخرى تطمح لأن تكون قطبا ثالثا بجانب روسيا والولايات المتحدة يضاف إلى ذلك استمرار صمود سوريا كدولة وجيش لم ينهارا ولم يتفككا وهوما يغيظ الغرب كما يجهض حسابات أدواته الإقليمية خليجيا وفي تركيا بالإضافة إلى إمكانية انتقال العدوى لتشمل بلدانا أخرى هي حليفة لواشنطن والغرب والأردن كما لبنان والعراق وحتى تركيا ليستا مستثناة من العدوى، بل من الإنهيار..
هل تجهض سوريا المشروع الغربي الأمريكي، كما المشروع التركي الذي هو بعض من حلقاته؟ – قد يتدخل الغرب عسكريا ويشن العدوان وهو خيار لا يزال مطروحا لكن إن حدث ذلك فقد تنهار كل منظومة دول المنطقة في الشرق الأوسط والخليج وحتى آسيا الصغرى..