من رمال سورية… دخل النور الى الغرف المغلقة
أرق من زجاج الشام
اعداد : د. سمير ميخائيل نصير
*- ان حرفة صناعة الزجاج هي مفخرة للسوريين وتشكل جزءا من هوية سورية وتاريخها.
*- اشتهرت العاصمة السورية بالعديد من الصناعات اليدوية ومنها الزجاج الذي صار يضرب به المثل في الرِقَةْ، حيث يقول المثل العربي : “أرق من زجاج الشام” تقديرا لجمال وعراقة هذه الحرفة التي كانت بضاعتها الأكثر رواجا مع أوروبا حتى القرن 15.
*- أقوال لحرفيي صناعة الزجاج السوريين :
– “صحيح ، نحن قطع أثرية من الماضي ولكننا لم نلق في سلة مهملات التاريخ“.
– “لا تخافوا على هذه الحرفة التاريخية! سنكون موجودين لعدة قرون قادمة“.
*- تقول الأسطورة :
– أن بحارا سوريا بعد عودته من رحلة بحرية أراد أن يطهي طعاما فصنع موقدا وأشعل النار على الشاطئ فوق الرمال.
– شاهد البحار السوري مادة لزجة شفافة (السيليكا) تنساب من الموقد.
– قام بإبعاد المادة عن النار, فإذا بها تتحول الى مادة صلبة شفافة.
– انتشرت الفكرة على طول الشاطئ السوري… ومنها اشتهر الزجاج الفينيقي والزجاج الأرمنازي (نسبة الى مدينة أرمناز بمحافظة إدلب) والذي كان يقدم في العصور القديمة كهدايا ثمينة للملوك.
*- لمحة تاريخية :
– ليس هناك أدنى شك في أن سورية يمكنها أن تدعي اكتشاف الزجاج وفن الأواني الزجاجية المطلية بالذهب وهو فن مورس في ذلك البلد قبل فترة طويلة من ظهور روما على المسرح العالمي.
– يعتقد أنه على الساحل السوري ومنذ حوالي 4000 عام ، كان الكنعانيون المعروفون أكثر بالفينيقيين، أول من اكتشف فن صناعة الأشياء الزجاجية الجميلة، لتلعب سورية بعد ذلك دورًا مهمًا في صناعة الزجاج في جميع أنحاء العالم.
– في العصور القديمة، كانت صناعة الزجاج مزدهرة في دمشق وصيدا وصور وكان التجار والبحارة السوريون هم المرسلون الرئيسيون في انتشار صناعة الزجاج على طول شواطئ البحر الأبيض المتوسط.
– من سورية، انتشرت صناعة الزجاج إلى الصين القديمة وأوروبا في زمن الإمبراطورية الرومانية. مع زوال الإمبراطورية، توقف تصنيع الزجاج في جميع مناطق سيطرتها باستثناء سورية.
– ازدهرت صناعة الزجاج خلال القرون الإسلامية وأصبحت سورية المصدر الأول للزجاج في العالم.
– ظلت دمشق أكبر مركز لإنتاج الزجاج في العالم حتى قام تيمورلنك، الذي دمر المدينة في القرن 15 بنقل عمال الزجاج إلى عاصمته سمرقند.
– تم إدخال تقنية تصنيع الزجاج الدمشقي إلى البندقية (فينيسيا)، حيث قام شقيقان إيطاليان بزيارة دمشق في القرن 13 وتعلما فن صناعة الزجاج ونقلا معهم هذه المهارة ليؤسسوا الركيزة لما غدا لاحقا الزجاج الفينيسي الشهير عالميًا.
– لسنوات عديدة، قلدت المنتجات الفينيسية نظيرتها السورية, ولم يكن من الممكن تمييزها عنها في الجمال والشكل والزخرفة. وبحلول القرن 15، أتقن حرفيو الزجاج الفينيسيون عملية الطلاء بالمينا السورية وبدؤا بإنتاجهم الخاص المستمد بشكل أو بآخر ببيئتهم الخاصة. ورغم ذلك ظلت اللمسة السورية واضحة مضيفة للجمال جمال.
– ذكر الرحالة العربي ابن بطوطة هذه الصناعة عندما زار دمشق فقال : “وفيها صناع أواني الزجاج العجيبة”، كما تحدث الرحالة بوجيبوس عن هذه الصناعة عندما زار دمشق سنة 1346 ميلادية قائلا، إنه رأى معامل الزجاج في دمشق تشتغل على طول الطريق المؤدي إلى جامع بني أمية الكبير.
*- الزجاج المنفوخ :
– دمشق كانت أول من نفخ الزجاج ضمن أفران من الآجرّ بسيطة تعمل بدرن الزيتون بعد عصره لتنتج أنواعا من الزجاج الذي ما زال يحتفظ بألقه رغم التطور التكنولوجي والصناعي.
– أحدث اختراع أنبوب النفخ من قبل الحرفيين السوريين في بداية العصر المسيحي ثورة في صناعة الزجاج. إذ حتى ذلك الوقت، كان الزجاج يُسكب في قوالب لصنع الأشياء.
– مع النفخ، أصبح من الممكن إنشاء كائنات رائعة من الخفة والشفافية. والمثير للدهشة أن هذا الفن ظل دون تغيير حتى عصرنا. تبدو الأجسام المنفوخة بالزجاج السوري التي يبلغ عمرها حوالي 2000 عام حديثة بشكل مذهل.
– لم يسبق السوريين أحد في تطوير المنتجات الزجاجية, فاشتهروا بمهاراتهم لإنتاج مصابيح المساجد وطوّروا أسلوبًا مميزًا للزخارف الزجاجية, فتم طلاء الزجاجات والمزهريات والأشياء الأخرى بموضوعات مجسمة من المينا الملونة، وفي بعض الأحيان تم تزينها بالذهب.
– على مدى قرون، صقل السوريون إبداعاتهم وازدهرت صناعة الزجاج المنفوخ يدويًا. ففي أوائل القرن 20، كان في حلب وحدها 1200 مؤسسة لصناعة الزجاج. ومع ذلك، في عصرنا، باستثناء عدد قليل من الحرفيين الذين ورثوا هذه الحرفة وما زالوا يمارسونها من أجل لقمة العيش، يختفي تدريجيا فن الزجاج المصنوع يدويًا.
– هذه المنتجات مطلوبة في المهرجانات والمعارض داخل وخارج سورية. فأينما شاركت سورية بهذه الحرفة كما في مهرجان دبي للتسوق، فإنها تجتذب حشودًا ضخمة و يتم بيع المنتجات كالنار في الهشيم.
*- الزجاج المعشق :
– الزجاج المعشق من أقدم الحرف الدمشقية العريقة حيث جمعت بين الإبداع والمهارة والقدم والحداثة وتطورت عبر السنين وحافظت على أصالتها وتألقت بأجمل ما قدمته أيدي صناعها.
– يرجع تاريخ نشأة هذا النوع الى الفي عام, وجاءت التسمية بالمعشق من خلال ترابط مادة الجص مع الزجاج بتماسك وتناغم بين الألوان والجص.
– تبدأ عملية صنع الزجاج المعشق, لنافذة مثلا, بصب قطعة جص حسب القياس المطلوب، وبعد جفافها, يرسم عليها الشكل المطلوب، ثم يجري تفريغ الشكل بواسطة المثقب والمنشار اليدوي وينظف ليقلب على الوجه الثاني ولتوضع قطع الزجاج حسب الرسم على الفراغات في الشكل. ثم يصب جص طري على هذا السطح فيملأ المسامات المحدثة بين قطع الزجاج، وبذلك تلتصق قطع الزجاج ببعضها ثم يلتصق الكل في الجص وبعد الجفاف يمسح الجص فتظهر قطع الزجاج بأشكالها وألوانها المختلفة.