بقلم المستشار :محمد ابوزيد فرعون غاضب
٣
تبدأ الأحداث فى سوريا على خلفية مظاهرات شهدتها محافظة درعا المتاخمة لحدود سوريا مع الأردن . ويجب ملاحظة ان البؤر الساخنة للأحداث كانت على حدود الدول المجاورة لسوريا : لبنان – الاردن – العراق – تركيا . حدث امنى بسيط تم تضخيمه ، لتنطلق مظاهرات للمطالبة بالحريات ، وتحسين الأوضاع المعيشية فى بلد يعانى إقتصاده من حالة الحرب مع اسرائيل منذ نشأة الكيان الصهيونى ..وقد أمتدت هذه المظاهرات لبعض المدن الاخرى ومنها دمشق العاصمة . وكان واضح فى تلك المظاهرات أنها غير عفوية ، ومعدة بإتقان شديد ..فبعض المتظاهرين يحملون هواتف نقالة متصلة بالأقمار الصناعية ( لم تكن معروفة بسوريا على مستوى الافراد آنذاك ) للإتصال بالقنوات التى كانت جاهزة لأداء الدور الإعلامى فى المؤامرة المرسومة لإسقاط سورية ، وهؤلاء الأشخاص مدربون جيدا وتم تلقينهم ما سيقولونه تضخيما للأحداث ، وتهويلا لبشاعة قوى الأمن ، ولتعاظم أعداد القتلى .
وعلى الفور قامت القيادة السورية بإقاله بعض المسؤوليين السياسيين والأمنيين المتهمين بقمع المتظاهرين بعنف ( من باب سد الذرائع ) . كما باشرت بإعداد تعديلات دستورية تنهى احتكار حزب البعث للسلطة ، وقامت بإصدار قوانين سياسية ( قانون الأحزاب – قانون الانتخابات – قانون للإعلام ) ودعت أطياف المعارضة إلى حوار وطنى ….
ولكن إنتهاء الأمور عند هذا الحد كان معناه إنهيار المخطط المتكامل لإسقاط سوريا .. فعلى الرغم من ان القيادة السورية قد قدمت لشعبها حزمة إصلاحات لم يقدمها نظام عربى لشعبه من قبل ، الا ان الأحداث أستمرت وأتسع مداها مع بروز تحول كيفى يتمثل فى إنتشار مسلحين وسط المتظاهرين ، وإستخدام السلاح النارى فى وجه القوى الأمنية السورية .
وكان الواضح منذ البداية ممارسة الضغط المتعاظم على القيادة السورية للأسباب التى سقناها فى الجزئين الاول والثانى لدفع المنطقة الى الفوضى من خلال سوريا المخيرة بين تنحى الرئيس الاسد او دخول البلاد مرحلة الحروب الداخلية وبالتالى الفوضى العارمة ..ولم يكن غريبا آنذاك الكشف عن المخطط الامريكى / الصهيونى
والمتمثل فى ( ….تقسيم سوريا الى دولة علوية ، ودولتين سنيتين فى دمشق وحلب ، ودولة درزية تتصل من جبل العرب فى حوران ألى جبل الشيخ ثم حاصبيا والشوف وعالية وصولا الى خالدة . على ان يتم تقسيم لبنان بعد ذلك الى مناطق طائفية فى الجنوب والبقاع للشيعة ، ومن الحدث وصولا الى بشرى وأهدن منطقة مسيحية ، ومن القلمون الى عكار منطقة سنية . وهكذا لا يكون امام اسرائيل الا دويلات طائفية ومذهبية مجزأة ومقسمة وضعيفة ) ..الديار اللبنانية – نوفمبر ٢٠١١ .
مخطط شحذت لأجله اجهزة الاستخبارات الأمريكية والغربية مع توابعها تركيا ودول الخليج ، لدفع الاوضاع بسورية نحو المزيد من العنف والارهاب الذين تمارسهما المجموعات المسلحة بهدف خلق المزاعم التى تبرر التدخل الخارجى . ( جريدة البناء اللبنانية عدد ٢٠١١/١١/١٦ ) .
ومع إلتزام القيادة السورية بسياسة ضبط النفس ، وسعيا من جانبها لوضع حد لتلك التداعيات ، فإنها تطرح مبادرة على المسلحين لتسليم سلاحهم مقابل العفو عنهم ، الا أن وزيرة الخارجية الامريكية تنصحهم بعدم تسليم سلاحهم .
ويبرز الدور التركى الفاعل فى تأجيج الأحداث بسورية عبر إستخدام حدودها فى نقل السلاح إلى المعارضين السوريين ، وأرضها فى إيواء معارضة الخارج ورعاية تشكيل ما يسمى بالمجلس الوطنى السورى على غرار المجلس الوطنى الليبى .. ويتواتر حديث القادة الأتراك عن إنشاء منطقة عازلة .
وينفضح الدور الفرنسى المتمثل فى اشراف باريس على نقل أسلحة ليبية الى المعارضة الفرنسية ..فالمخابرات الفرنسية تشرف على نقل شحنات الأسلحة ومن ضمنها صواريخ من نوع ستنجر من ليبيا عبر احد شركات الطيران الاوربية فى طائرات مدنية حطت فى المطارات التركية حيث جرى نقلها الى الحدود السورية وتهريبها إلى الداخل السورى .
كما تشرف المخابرات الفرنسية على بعض المسؤولين السوريين الخونة الذين يتقاضون ثمن خيانتهم من الدوحة أو الرياض .
وتتصاعد التصريحات النارية لرئيس وزراء تركيا ( سنة ٢٠١١) اردوغان : ( لم نعد ننتظر أن تبرهن إدارة الرئيس بشار الأسد على قيادة شريفة ومقنعة وشجاعة ومصممة ) …ويصرح أيضا : ( القيادة السورية على طريق خطير جدا وهى على حد السيف والطريق الذى سلكته يوصل إلى النهاية ..)
وتتصاعد أيضا الإجراءات التركية ( وقف انشطة التنقيب عن النفط مع سوريا – التهديد بقطع الكهرباء الذى تمد به سوريا منذ ٢٠٠٦ – التهديد بقطع المياة – إختلاق وقائع سقوط قذائف على ارضها تبريرا للتدخل العسكرى – القرصنة الجوية ضد الطائرات المدنية السورية ) .
فى ظل تلك الملابسات
برز دور نبيل العربى
فقد ذهب الى سوريا والتقى الرئيس السورى ثم تعمد لدى عودته لمصر تسريب مضمون اللقاء وهو تصرف إحتجت عليه سوريا وارسلت مذكرة احتجاج شديدة اللهجة أتهمت فيها نبيل العربى بتشجيع التدخل الخارجى فى الشأن السورى ، وأنه بتسريبه مادار فى اللقاء مع الرئيس الأسد قد أساء إلى الثقة المفترض وجودها بين الحكومة السورية والامانة العامة لجامعة الدول العربية .
كما قام نبيل العربى بلقاء ممثلين عن المعارضة السورية فى القاهرة وهو التصرف الذى وصفه مندوب سوريا بالجامعة العربية بأنه يثير الغرابة ويمثل سابقة خطيرة ، ويتجاوز صلاحيات الأمين العام للجامعة العربية .
ويأتى يوم ١٢ نوفمبر ٢٠١١ حاملا قرار غير مسبوق لوزراء الخارجية العرب إذ قرروا تعليق مشاركة سوريا فى إجتماعات مجلس الجامعة وتوجيه الدعوة الى الجيش السورى بالكف عن قتل المتظاهرين ….الخ . ورغم الدور الذى لعبته الانظمة الخليجية فى اصدار هذا القرار الا أن نبيل العربى يتحمل المسؤولية لتعمده خرق ميثاق الجامعة العربية ، وإعتناقه ومباركته لهذا القرار المخالف لقانون الجامعة العربية الذى لا يتضمن مثل هذا الإجراء .. كما أنه لا يحق للجامعة العربية او اى منظمة إقليمية او عالمية أن تخاطب جيش دولة وتحضه على التمرد والعصيان .
فميثاق الجامعة العربية كان يحتم الوقوف الى جانب سوريا ودفع الاعتداء الواقع عليها والمتمثل فى الشحن الدولى الذى تقوم به امريكا ضد سوريا ، وتهديدات فرنسا وانجلترا ، والاستفزازات التركية ، والسياسات الخليجية التى وصلت الى حد اعلان قطر استعدادها لتمويل اى عمل عسكرى ضد سوريا ..
لقد تورط نبيل العربى بشكل مباشر فى مؤامرة السعى الى اسقاط نظام الحكم فى سوريا عبر التسيق مع المعارضة السورية المشبوهة المتورطة فى علاقات مشبوهة مع الدول الساعية لإسقاط الوطن السورى …ولعل تهديد نبيل العربى بتدويل الأزمة السورية فى حال عدم إزعان دمشق لإجراءاته التعسفية لدليل اضافى على ضلوعه فى المؤامرة على سوريا ، بل أنه كان احد اركان تلك المؤامرة .
فقرار تعليق عضوية سوريا بالجامعة العربية قد كشف عن عمق التنسيق بين الجامعة العربية والاطراف الدولية الساعية لإسقاط سوريا والتى سارعت بالإحتفاء والترحيب بهذا القرار . والمتحدث باسم الخارجية الفرنسية ( برنار فاليرو ) يعلن ان فرنسا تعمل مع الجامعة العربية على ممارسة الضغط لإستصدار قرار من الأمم المتحدة ، وواشنطن تطلب من الجامعة العربية رسالة حازمة للنظام السورى .. ومارك تونر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية يرحب قائلا : لا نزال نشاهد ازدياد التنسيق بشأن الضغوط الدولية ضد الرئيس بشار الأسد ..
وبعد أيام من قرار تعليق عضوية سوريا بالجامعة العربية يجتمع وزراء الخارجية العرب فى الرباط على هامش المنتدى العربى – التركى وذلك فى غياب وزير الخارجية السورى تنفيذا لقرار الجامعة . وتأخذ عملية إستفزاز سوريا والتعدى على سيادتها مداها ..فالبيان الذى اصدره وزراء الخارجية العرب يعطى سوريا مهلة ٣ ايام للتوقيع على بروتوكول أرسال مراقبين دوليين والا ستفرض عقوبات اقتصادية على سوريا اذا لم يتوقف القتال فورا ( ويتلاحظ ان تعبير وقف القتال يعنى ان هناك حربا متبادلة ..فمن هو الطرف الذى يحارب الدولة السورية ..ومن موله وسلحه كى يكون ندا للسلطة الشرعية فى قتال تطالب الجامعه بإيقافه ) ..
وتتسرب الانباء عن مشاركة دبلوماسيين فرنسيين وامريكيين فى مؤتمر الرباط ..ونبيل العربى يسقط نهائيا إمكانية عقد مؤتمر قمة عربية على خلفية الدعوة التى وجهتها سوريا ، متناغما مع موقف مجلس التعاون الخليجى ..
وإلى اللقاء فى الجزء الرابع