
بعد اعلان انفصال جنوب السودان عن الدولة الأم السودان، كانت اسرائيل اول دولة تعترف به، وهذا امر يعتبر طبيعيا في العلاقات الدولية، لكن ان تكون سفارة جنوب السودان في القدس- تعتبرها الامم المتحدة مدينة متنازعة عليها ومحتلة- وليست في تل ابيب – مقر كل السفارات الاجنبية في الكيان الصهيوني- فالمسألة تستدعي التوقف عند هذا الأمر مليا نظرا لخطورة موقف هذا الكيان الجديد.
في تموز من العام 2011، اُجري استفتاء شعبي في منطقة جنوب السودان نتيجة ضغط اممي على حكومة البشير نتج عنه انفصال الجنوب عن الشمال، واتخذ جوبا عاصمة له، وبلغ عدد سكانه اكثر من عشرة ملايين نسمة. وتشكل مساحة هذا الجنوب ربع مساحة السودان اي ما يوازي 62 ضعفا من مساحة لبنان، حيث الثروات النفطية ،المائية والاراضي الزراعية الشاسعة.
تعود فكرة فصل الجنوب عن الشمال الى الاستعمار البريطاني، حيث اصدر السكريتر الاداري في السودان هارول ماكميا في ايار 1929 اجراءات ادارية ساهمت في زرع فكرة الانفصال، وأهم هذه الاجراءات الغاء تدريس اللغة العربية في الجنوب، منع فتح الجوامع وترحيل المسلمين الى الشمال، نقل الموظفين الشماليين في الجنوب الى الشمال، وعدم منح رخص مزاولة التجارة للشماليين في الجنوب. ووصل الامر الى منع المصاهرة بين الطرفين ومنع اللباس العربي في الجنوب، ما أدى الى وجوب التعمق في الاهمية التي يحملها جنوب السودان بالنسبة الى المستعمر البريطاني، بخاصة ان هذه الاجراءات اُتخذت بعد حوالي عشرة اعوام من وعد بلفور، وتسارعت الاحداث وظهر اول تمرد جنوبي العام 1955، حيث رضخت الحكومة السودانية لمطالب الجنوب بمنحه حكما ذاتيا وانشاء جهاز اداري مستقل، لكن هذا الامر لم يكن كافيا، فاتهم مؤسس حركة جنوب السودان جوزيف لاكو لونجا الحكومة المركزية بالتمييز بين الشمال والجنوب وفرض الديانة الاسلامية وأحكامها على الجنوب ذي الاغلبية المسيحية، فسارع لانشاء علاقة سرية مع الكيان الصهيوني آنذاك، وكان له ما اراد حيث قدمت له المخابرات الاسرائيلية السلاح والعتاد والخبرات التدريبية من خلال كينيا واثيوبيا. فاسرائيل امام فرصة لا تعوض فهي اصبحت على ضفاف النيل، وفي قلب القارة الافريقية تحاصر مصر وتربك المقاومة الفلسطينية التي اتخذت من السودان مقرا تدريبيا وممرا الى غزة عبر مصر، ومراقبة ايران الداعم الاول لحركات التحرر في العالم وبخاصة المقاومتين اللبنانية والفلسطينية.
ورغم وضوح الاهداف الاسرائيلية، يبقى هناك سؤال عن الاسباب التي دفعت نظام حسني مبارك الى إنشاء قنصلية مصرية في جنوب السودان قبل الانفصال بأربع سنوات وكان اول رئيس عربي يزور جوبا عاصمة الجنوب؟
نعم هذه الدولة تتمتع بدعم اسرائيلي بامتياز ما يجعلها على المدى المنظور قنبلة موقوتة بوجه حركات المقاومة ودول الممانعة فحسب، بل ستكون ملعبا للعدو ينفذ مآربه، وخزانا نفطيا وأرضا زراعية، وبذلك تحمي اسرائيل امنها الاقتصادي، الغذائي والعسكري.