في مقالة له بعنوان (سؤال لحزب الله: أيهما أقرب لمحاربة الصهيونية.. حلب أم الجليل؟)
نشرتها صحيفة الشروق القطرية والقدس العربي اللندنية، كشف فيصل القاسم الاعلامي في قناة الجزيرة ومقدم برنامج (الاتجاه المعاكس)، كشف عن حقيقة الدور الذي يلعبه مجموعة من الإعلاميين في المخطط الجاري لإسقاط المنطقة وتقسيمها وإشعال الصراعات الطائفية والمذهبية فيها.
لم أكن انوي الرد على مقالة القاسم الذي لا اعتقد انه بمكانة تستحق الرد، فقد نجح في تكوين صورة نمطية لنفسه في ذهن الإنسان العربي تمثلت في أنه شخصية غير جادة تعتمد التهريج والاستعراض لتسويق سياسات مشغليه في قناة الجزيرة ودولة قطر.
إلا ان ما أغراني لكتابة بضعة سطور عن مقالة القاسم تلك هو انه قدم لنا دليلاً مهماً علي الدور الذي يلعبه الان الإعلاميون في الصراع الجاري بين محوري المقاومة والاستعمار.
لقد قدم لنا القاسم في مقالته مثالا نموذجيا عن الاعلامي المخلص الذي ينفذ أوامر مشغليه حتى لو كانت حربا ضد سورية والمقاومة وحزب الله وكيف يوظفون في سبيل ذلك ليس فقط الدبابات والطائرات بل أيضا طبقة الكتاب والإعلاميين المفترض أنهم مثقفون.
لم يتعرض فيصل القاسم إلى الأسباب التي دعت حزب الله لاتخاذ قراره الشجاع والقومي بالقتال في سورية، بل قفز فورا إلى النتائج، لأن المطلوب منه ليس مناقشة هادئة أو حتى صاخبة لمواقف حزب الله، بل المطلوب توظيف الصيت الاعلامي الذي حققه لخدمة – كما قلنا- مخطط تشويه حزب الله ومحور المقاومة بالكامل شانه في ذلك شان خصوم حزب الله لبنانيين وغير لبنانيين، فهؤلاء كانوا ضد حزب الله عندما قاتل إسرائيل وقدم المئات من أبناءه شهداء على مذبح الدفاع عن الأرض اللبنانية ومنع تمدد المشروع الصهيوني في المنطقة، وهم كانوا ضده أيضاً عندما اتخذ قرارا بالتهدئة مع إسرائيل نزولاً عند رغبة أو احتراماً لاتفاقات دولية جرت على اثر حرب العام 2006 وافق عليها اللبنانيون، وهم ضده الآن عندما قرر التدخل في سوريا وكانوا يعايرونه بل ويتحدونه في بعض الأحيان في السابق بسبب عدم تدخله المباشر في سورية نصرة لحليفه الرئيس الأسد مثلما انتقدوا سابقاً سورية بسبب عدم تدخلها لنصرة حزب الله في حرب 2006 .
تكشف المقالة أيضاً عن موهبة جديدة لفيصل القاسم لم نكن نعرفها من قبل، وهي موهبة الكذب في سرده لوقائع وأحداث لم تحصل أصلا لتدعيم الموقف السياسي الذي يريد تمريره والدعاية السياسية التي يقوم بها ضد حزب الله وسوريا ومحور المقاومة في المنطقة.
فهو يقول في بداية مقالته (تكتـم حزب الله اللبناني طويلاً على وجود قواته في سوريا، وظل يبرر عملياتها بأنها كانت مجرد دفاع عن الأراضي اللبنانية المحاذية للحدود السورية، ولطالما نفى الناطقون باسم الحزب أي تورط لقواته في الصراع الدائر في سورية، لكن سرعان ما راح حسن نصر الله يعلن بالفم الملآن أنه أرسل قواته للدفاع عن المراقد والمزارات الشيعية في سورية، خاصة مرقد السيدة زينب جنوب دمشق. وعندما انفضحت هذه المزاعم، وبدأ عدد المقتولين اللبنانيين يتدفق على الضاحية بأعداد مهولة، وغصت المشافي اللبنانية بجرحى حزب الله، تغيرت مزاعم الحزب على الفور، وراح يعلن أنه توجه إلى سورية لمقاتلة "التكفيريين" و"الإرهابيين" "أذناب الصهيونية والإمبريالية وأدواتها" أعداء "المقاومة والممانعة")، انتهى كلام القاسم.
هذه الفقرة بمجملها ضرب صارخ من الأكاذيب، فحزب الله لم ينفي يوما تدخله السياسي في سورية وانحيازه الكامل إلي جانب القيادة السياسية فيها، لكنه ظل لفترة ينفي تدخله الميداني فيها لسبب بسيط، هو أنه لم يكن قد تدخل بعد، وعندما تدخل في القصير أعلن عن ذلك صراحة، ثم متى تدفقت (الأعداد المهولة) من (المقتولين اللبنانيين) التابعين لحزب الله على الضاحية الجنوبية، فحزب الله لايتنكر لشهدائه وهو كان بشكل علني وبفخر يشيع شهداءه الذين سقطوا في سورية، ولم يكونوا أعدادا مهولة بكل الأحوال.
إن حلب (لمن يريد أن يفهم) بالنسبة لحزب الله وبالنسبة لنا جميعاً في محور المقاومة مثل الجليل فعلاً بالمعني السياسي، فالتكفيريين الذين يسيطرون عليها هم امتداد للمشروع الصهيوني في المنطقة، وكان على كل فصائل المقاومة وليس حزب الله فقط ان ينغمسوا في هذه المعركة في سوريا لتحرير حلب وباقي المناطق السورية من رجس هؤلاء الشياطين وكلاء الاستعمار والصهيونية في المنطقة عموماً وفي سورية خصوصاً.
إن القرار القومي الذي اتخذه حزب الله في سورية كان له دور مهم في إفشال المخطط المرسوم لسورية ولقيادتها القومية والمتمثل في إسقاط هذه القيادة وإغراق سورية في صراعات طائفية ومذهبية لن تبقي ولن تذر.
إن حزباً مثل حزب الله هزم إسرائيل مرتين لايضحي بخيرة أبنائه من أجل شخص أو نظام، بل من أجل قضية كبري آمن بها ونتقاسم معه هذا الإيمان ولايمكن "للموظفين" أن يفهموا هذه المعادلة بكل عمقها ومعانيها.
أخيراً رغم ان مثل هذه المقالات والبرامج الملعونة لن تقدم أو تؤخر في لعبة الامم الطاحنة الجارية الآن، إلا أنها بكل تأكيد أصبحت تثير الحزن على إعلاميين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أدوات في مخطط تآمري ضد أمتهم وتثير الشفقة عليهم.