ما من ارتباك بين المسيحيين بشأن انتمائهم الى المنطقة. هم في صلب مجتمعها وتاريخها. وباستثناء مشاريع محدودة لها مظاهرها مثلا في اشكال شخصيات ميليشياوية لبنانية ضئيلة كان لها خطابها الانعزالي خلال الحرب الاهلية، او في النشاط الخارجي المحاصر بالشبهة في مراميه، لبعض الاقباط في المنفى، فإن المسيحيين حسموا هويتهم: نحن في نسيج هذه الارض.
غير ان المفارقة ان عموم المسيحيين بعدما انتفت تساؤلاتهم بشأن "من نحن".. وجدوا انفسهم الآن في وسط حرب داحس والغبراء التي تلح عليهم بسؤال وجودي: في موجة الجاهلية العاتية هذه، اين نقف؟ في زمن "داعش" و"حاشا" و"الجهاد ضد الصليبيين" و"التكفير"، وشيطنة الاقليات، يحق للمسيحي ـ ولغيره ـ ان يعيد التذكير بمكانته هنا، وبما صنعه اسهاما في استنهاض هذا الشرق قبل حلول هذا الظلام الدامس. سنبحث في الحقيقة تباعا، كما نفعل دائما، وما اذا كانت هذه السوداوية، نتاج سنوات الانظمة القاتمة، ام "المؤامرات الخارجية" والغزوات والاحتلالات، كما في فلسطين والعراق، التي افرزت نزفا مسيحيا لا ينضب، ام الزحف البربري الآتي على عواصم الحضارات في بغداد ودمشق وحلب والقاهرة وتونس…. سنبحث كمسيحيين في ذلك تباعا، لكننا الآن سنعيد التذكير بما هو اكثر من "هوامش" لحاضر هذا الشرق:نحن عرب اقحاح. ولدنا هنا، وصنعت ايدينا أرقى المدن، قبل الاسلام، وساهمنا معه في انتشار الحضارة الاسلامية وازدهارها. نحن من الغساسنة والمناذرة قديما. ونحن الآن من بعض هؤلاء: جرجي زيدان وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني وايليا ابو ماضي ومي زيادة وخليل السكاكيني واميل حبيبي وتوفيق زياد ورشيد سليم الخوري وفوزي المعلوف ونسيب عريضة.ونحن ايضا ناصيف اليازجي وابراهيم اليازجي وفرنسيس المراش وأديب اسحق وأحمد فارس الشدياق وشبلي الشميل وفرح أنطون ولويس شيخو وعيسى اسكندر المعلوف وخليل الخوري.ونحن بين الاكثر عروبة وريادة. نحن فارس الخوري وبطرس البستاني وميشال عفلق وقسطنطين زريق وجورج حبش وأنطون سعادة. ونحن ايضا اسكندر الرياشي ونقولا الحداد ويوسف ابراهيم يزبك ورئيف خوري وفؤاد الشمالي وفرج الله الحلو وإميل توما ومكرم عبيد ووديع حداد، وكمال ناصر، ونايف حواتمة، واميل الغوري وابراهيم عياد، وإدوارد سعيد، وروز ماري سعيد وميشال صباح وهيلاريون كبوجي، وغريغوريوس حداد، وإدمون رباط وجورج عشي ويوسف الخال، وفؤاد رفقة وحليم بركات وكوليت الخوري ومريانا مراش والياس مرقص وحبيب الزيات.ونحن كما كنا سابقا، ابناء قبائل تغلب وكليب وربيعة ومضر وتنوخ وبكر. ونحن من السباقين الى لغة الضاد، وصناع العلوم الاولى. نحن امرؤ القيس والأخطل وعمرو بن كلثوم وأبو تمام والأعشى وامية بن أبي الصلت وأكثم بن صيفي وورقة بن نوفل، واسحق بن حنين وحنين بن اسحق وابن البطريق وقسطا بن لوقا وثابت بن قرة ويعقوب بن اسحق الكندي ويوحنا بن ماسويه.ومثلما كان هؤلاء، نحن فيروز ووديع الصافي وعاصي الرحباني وجوزف حرب ونجيب الريحاني ويوسف شاهين وجورج يمين وفيلمون وهبي وجوزف صقر وزكي ناصيف……… نحن، كما كنا وسنبقى، رواد في هذه الارض.