من مكتبتي الالكترونية (14)
19- محطات في تاريخ شجرة الزيتون
اعداد : د. سمير ميخائيل نصير
*- شجرة الزيتون… سورية المهد ومنها انتقلت الى أصقاع الأرض :
– تعود ولادة شجرة الزيتون الى ليالي الأزمنة الغابرة… وتتداخل قصتها مع نشوء وتطور الفكر والمعتقد والحضارة حول حوض البحر الأبيض المتوسط … لينتقل مكنونها الزاخر بالحياة… ليعيش أبدا مع المجتمعات البشرية الأخرى على الأرض…
– بات من المؤكد أن شجرة الزيتون انطلقت من بلادنا الى مختلف بقاع الأرض… وتثبت ذلك الدراسات العلمية التي تبحث في أصول الأنواع النباتية.
– غير أن الاهتمام بالدراسات التاريخية لدى الشعوب الغربية في حوض المتوسط… أغنت مكتباتهم التراثية بأساطير وشواهد عن شجرة الزيتون دون أن تحجب حقيقة الاعتراف بموطنها السوري المعروف…
– وفي حين تختزن آثارنا الكثير مما يمكن أن نقدمه للعالم… تبقى مكتباتنا فقيرة جدا تنتظر من يرفدها بما تختزنه أوابدنا الأثرية.
– يؤكد الباحثون أن أولى أعمال زراعة واستثمار شجرة الزيتون بدأت في سورية, ثم انتقلت منها الى تركيا فاليونان وبلاد البلقان عبر جبال الأناضول والى فلسطين ومصر فالمغرب العربي ومنه الى أوروبا ومنها الى الأمريكيتين.
– يتفق الباحثون على أن سورية هي مهد شجرة الزيتون حيث لا زالت هنالك تجمعات برية متناثرة لها في غاباتها (جبل الشوح) وأحراشها (حراش الزبداني والسويداء والقنيطرة وصافيتا والقدموس) وبواديها (قمم جبال البلعاس وعبد العزيز).
*- المكتشفات الأثرية وشجرة الزيتون :
– أكدت المكتشفات والدراسات الأثرية, أن زراعة شجرة الزيتون في بلادنا تعود الى أكثر من /6000/ عام, حيث عرفتها شعوب المنطقة باستثناء البابليين والآشوريين الذين تأخروا في زراعتها واستخدام منتجها.
– تروي المكتشفات الأثرية بأن الظهور الأول الموثق لشجرة الزيتون في سورية كان في أوغاريت وفي مملكة ايبلا القديمة.
– تشير المكتشفات الأثرية في اوغاريت (نص الوثائق RS8.213 وPRU V27 ) إلى انتشار حقول الزيتون فيها
والتي تعود إلى الألف الثالث ق.م. بينما يشير نص الوثيقة RS51,75 ونص الوثيقة RS20,168 إلى تجارة الزيت التي كانت تتم بين أوغاريت و المناطق المجاورة لها.
– حملت بعض ألواح (رقم) ايبلا أول توثيق رسمي في التاريخ حول أشجار الزيتون وإنتاج الزيت.
– يضم هذا التوثيق نحو اثنتي عشرة لوحة يعود تاريخها لعام /2400/ ق.م وتصف الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون التي تعود ملكيتها للملك والملكة.
– بينت الدراسات الأثرية والجيولوجية المبنية على ترسب حبوب الطلع التي تمت في منطقة ايبلا, أن أشجار الزيتون كانت موجودة في بلادنا منذ أكثر من /6000/ عام, حيث ذكرت الموسوعة البريطانية /1985/
وكذلك الموسوعة الأمريكية /1987/ , أن وثائق ورسائل ايبلا العديدة التي تعود إلى الألف الثالثة ق.م تظهر بأنها كانت منطقة ذات تجارة واسعة ومنها تجارة زيت الزيتون. حيث دلت الحفريات والرقم الأثرية على أقدم علاقة تجارية بين ايبلا وايطاليا ودليل ذلك العثور في حفريات ايبلا على أكثر من جرة زيت إيطالية مصنوعة في ميناء برنيديزي.Brindisi
*- الفينيقيون وشجرة الزيتون :
– أصبح من المؤكد أنه خلال القرن /16/ ق.م, بدأ الفينيقيون يروجون بشكل تجاري لشجرة الزيتون, فشحنوا غراسها في سفنهم وكانت أولى محطاتهم الجزر اليونانية.
– نشر الفينيقيون زراعة شجرة الزيتون في شبه الجزيرة الايطالية خلال القرنين /14/ و/12/ ق.م, ووصلوا بها الى اسبانيا في القرن /11/ ق.م خلال أوج سيطرتهم البحرية.
– أنشأ الفينيقيون في القرن /5/ ق.م بساتين الزيتون في جنوب فرنسا عند تأسيسهم لمدينة مرسيليا.
– يعتبر القرن /5/ ق.م حقبة انتشار شجرة الزيتون في معظم مناطق حوض البحر الأبيض المتوسط…
*- انتشار شجرة الزيتون في أصقاع الأرض :
– تابع الإغريق والرومان ما بدأ به الفينيقيون ونشروا شجرة الزيتون خلال غزواتهم كسلاح سلمي بهدف استقرار السكان وخاصة في الساحل المتوسطي لشبه جزيرة ايبيريا وبلاد الغال (فرنسا) وسردينيا.
– ازدهرت زراعة شجرة الزيتون أيام الدولة العربية حيث نقلها العرب الى الكثير من البلدان التي حكموها
فنجحت في البقاء في مناطق أبعد من البحر الأسود وبحر قزوين.
– في القرن /11/ خلال العصر الاسلامي اتسعت رقعة زراعة أشجار الزيتون في اسبانيا وخاصة في أشبيلية التي كانت تحتضن كبار المنتجين والمصدرين.
– في القرن /12/ كان يصدر زيت الزيتون من الأندلس الى الاسكندرية حيث ظلت أشبيلية المركز الرئيس للتصدير.
– في القرن /15/ سيطر اليهود على تجارة الزيت ولم يكونوا من ملاكي الأراضي والمعاصر.
– خرجت شجرة الزيتون في العام /1492/ الى أبعد من موطنها الأصلي وجواره مع اكتشاف القارة الأميركية حيث انتقلت أولى غراس الزيتون مع كريستوف كولومبوس من أشبيلية إلى جزر الأنتيل ومنها إلى المناطق الأمريكية،
– لم يحل العام /1560/ إلا وعرفتها المكسيك والبيرو وكاليفورنيا والتشيلي والأرجنتين حيث ما تزال حية أولى الأشجار المنقولة وتعرف باسم”اروكو Arauco “
– في القرنين /16/ و/17/ شهدت زراعة شجرة الزيتون – والتعامل التجاري مع منتجها من ثمار وزيت – توسعا كبيرا حتى أنه تجاوزت مساحات أشجار الزيتون في ايطاليا أي زراعة أخرى. وقد رافق ذلك بداية العصر الصناعي (صناعة الخيوط في بريطانيا والصابون في مرسيليا).
– بين القرنين /18/ و/19/ تراجع انتشار الشجرة بسبب حوادث الصقيع القاسية التي قضت على آلاف الأشجار وعلى انتاج العديد من المواسم . ويعود السبب في هذه الأضرار الى أن زراعة الشجرة انتشرت بشكل عشوائي في كل المناطق حتى أنها احتلت المنحدرات والمصاطب فغدت أول عملية”تحريج اصطناعي“ تقوم بها البشرية.
– استمر الاضطراب في تأمين متطلبات السوق من زيت الزيتون الى نهاية القرن /19/ وبدايات القرن /20/, فطرح في الأسواق زيت عباد الشمس من فرنسا وزيت فول الصويا من أفريقيا كما حل النفط للاضاءة بدلا عن الزيت.
– عاد الاهتمام بشجرة الزيتون خلال الحربين الكونيتين بسبب انعدام التجارة التي تستطيع تأمين المشتقات الدهنية.
– بعد الحرب العالمية الثانية ومن خلال مشروع ”مارشال“ لإعادة أعمار وتطوير أوروبا, عملت الدعاية الأميركية على ترويج الفائض الكبير لديها من الزيوت النباتية الأخرى من خلال طرح دعايات كاذبة تتضمن مساوىء غير صحيحة لزيت الزيتون على الصحة, وبالتالي شهد الاهتمام بالشجرة تطورا بطيئا حتى الربع الأخير من القرن الماضي.
– في الماضي القريب امتد انتشار الشجرة إلى مواقع أكثر بعدا فعرفتها جنوب أفريقيا واستراليا واليابان والصين.
– بدءا من الربع الأخير من القرن الماضي شهدت شجرة الزيتون تطورا نوعيا في انتشارها واتساع الطلب المتزايد على منتجها… والمستمر الى الآن… بعد انتشار المعرفة العلمية لفوائد زيت الزيتون على الصحة, وتبني هذه الفوائد من قبل المنظمات الدولية والحكومات القطرية في العالم.