مع دخول الوقت بدل الضائع للعبة الدولية حول المنطقة المسماة بمنطقة الشرق الأوسط وافريقيا، والتي لم يتقرر بعد إن كانت جنيف 2 هو التوقيت المستهدف لإطلاق الصافرة النهائية لانتهاء هذه اللعبة، أم أن هناك أوقات إضافية تتحكم بها القوى الخفية المستبدة والمستفيدة من تفشي الجهل والتخلف، وازدياد صناعة سفك الدماء في العالم. تسعى الخصوم المتناحرة إلى تحقيق مكاسب تحقق لها السيطرة على الأرض، وتضمن لها أكبر مكاسب في مناطق الصراع الاستراتيجي، عبر أدوات عربية وإقليمية ظلامية تحاول من خلال عمالتها الوضيعة التعمية حول أصولها ونشأتها، وإخفاء معالم الحضارة في موطن الأبجدية الأولى ومهد الرسالات السماوية في العالم. ترافقت مع تفشي الفساد وتراخي التعبئة القومية التي أصابت مجتمعنا في الفترات الماضية أن تجعل من أرض الجمهورية العربية السورية مكاناً مهيأ للصراع من جهة، وملتقى لجذب النفايات البشرية من كل حدب وصوب من جهة أخرى. ولعل ذاكرة التاريخ لن ترحم الأطراف جميعها في هذا الصراع والعدوان، على اعتبار أن جنيف هو المكان المنشود لإطلاق نهاية الصراع، أو لبدء المراحل النهائية لنهاية الصراع، في تسويق سياسي وقح يعيد إلى الأذهان صناعة المحتوى الغربي في جنيف 2000، عندما قاد الرئيس الأمريكي كلينتون بنفسه رحى التفاوض مع سورية نيابة عن كلبتهم المدللة الكيان الصهيوني(إسرائيل)، والتي أسفرت عن رفض مشرِّف حتى للتفريط بأقل من 1% من الأرض كما قالها الأمريكيون، أو ببضعة كيلومترات من أرض الجولان العربي السوري كما سوقها إعلامهم فيما بعد، والتي كنا ولا زلنا نعتبرها مسألة الكرامة والشرف بالنسبة لنا وإلى كل الشرفاء في العالم أجمع. كما لم يكن بإمكان أيَّ شخص من الشعب السوري أن يتفاوض على ما يمس الكرامة والشرف مع عدو لا يزال يحتل الأرض، ويسعى لاختراق السيادة، وتعتبر المعركة معه معركة مصير ووجود، حتى أتى سيناريو الغرب المستتر تحت ستار الحريات المزعومة، والحوكمة الرشيدة والمؤشرات الدولية المفخخة بالاختراقات الغربية للأمن القومي العربي. والتي انبثق عنها فوضى تدميرية تحت مسميات المعارضات والمعترضات والربيع الدجّال، نجم عنها عقد جنيف واحد -خاصة بعد رفض من يفترض أنهم معنيين بتمثيل الشريك الأخر في الوطن (ألا وهي المعارضة) الدعوة لأن يكون الحوار في دمشق تنفيذاً لأوامر أسيادهم في الخارج- والذي يمكننا وصفه دون إنقاص شيء من إيجابياته بأنه مناورة من بعض الأطراف المنخرطة بالعدوان على الشعب السوري للحصول على أوقات مستقطعة لتبديل الخطط التي تمكنهم من السيطرة على الأرض، والتي أضعفت الدبلوماسية السورية ومن خلفها كرامة الشعب السوري وبسالة جيشه العقائدي حماة الديار أصحاب الكلمة الفصل في الأرض والميدان رغم تنوع وتبدل الخطط الهادفة إلى التآمر على الشعب السوري وضخامة ميزانياتها( مخططهم فيها). ليستمروا بعد جنيف في تصدير النفايات البشرية ومدها مادياً ولوجستياً من أجل صناعة المزيد من الدم والقتل والدمار، الأمر الذي تم وفق منهجية الموساد الصهيوني،تدمير البنية البشرية واختراق ما بقي منها اجتماعياً، ثم تدمير المقدرات الاقتصادية ونهب ثروات الشعب السوري وتراثه وأثاره، وصولاً إلى تدمير ثقافته القومية والمجتمعية، في سباق مع الزمن لم يكن أبداً في صالحهم، مما دفعهم إلى المسارعة بطلب وقت مستقطع يعتبر كبداية الاستراتيجية العدوانية الجديدة على المنطقة والعالم، في ضوء ما تم إنجازه من قبل الشعب والقيادة السورية. وهو ما تجسد عملياً بطلب عقد جنيف 2 في أول العام القادم 2014، في توقيت حرج للساسة الكبار من أجل ترسيخ محددات سيطرتهم على مفاصل ومحددات الثروات الجيواستراتيجية للعالم، وهو ما دفع الكثير من القوى الظلامية المتصارعة إلى المقامرة بعروشها وسيادتها من أجل الوصول إلى تحقيق أي مكسب مادي على الأرض يجعلها تساهم في صناعة النظام العالمي الجديد، ويضمن لها تحقيق ثقل سياسي في القرار العالمي الجديد، وهو ما ترافق مع تراكم لثقافة القتل والمجازر المتنوعة، ابتداءً من جسر الشغور مروراً باللاذقية وصولاً إلى عدرا، والتي عملوا على إلباسها لبوس التفرقة المبطنة تحت ستار الطائفية والمذهبية حيناً، والفئوية والنخبوية البغيضة حيناً أخرى، بما يتطابق مع أدواتهم المعروفة بـتدمير جميع الحكومات والأديان الموجودة، عن طريق تقسيم الشعوب التي يعتبرونها أحجار شطرنج، بحيث تصبح معسكرات يجري تسليحها وتدبير حوادث مختلفة كل فترة من أجل إذكاء نار الصراع والاقتتال فيما بينها. لقد عملت الآلة الإعلامية الغربية على تهيئة الأجواء العالمية لعقد جنيف 2 على أنه نقطة التحول العالمية في الصراع الذي زرعوا بذوره على الأرض السورية، في متاجرة رخيصة بدماء السوريين داخل الأرض السورية، وبشرف وأعراض المهجرين والنازحين خارج الحدود السورية، من أجل القبول بأي اتفاق يتم التوصل إليه، مترافقاً بصناعة محتوى إعلامي جديد يشكل ورقة ضغط على المفاوض من خلال التفجيرات الكبيرة التي استهدفت بعض المناطق، وعمليات الخطف والمجازر التي قاموا بارتكابها في حق المدنيين كما حدث في بعض المناطق والمدن السورية وأخرها في مدينة عدرا. وفي الوقت نفسه تسعى دبلوماسية الدم الأمريكية على ترسيخ مفهوم حمايتها لحلفائها الأوروبيين من خلال عدم تفرد قوة أخرى بالمنطقة الجيواستراتيجية من الموقع الأورواسيوي لما يشكله من أهمية خاصة بالنسبة للمرات البحرية والثروات الأسيوية والأفريقية والأوروبية، والأهم من ذلك بالنسبة لهم اختراق تشكيل أي تحالف متعدد قد ينشأ في المنطقة يعيق سيطرتهم على بعض المفاصل الإستراتيجية فيها، ولنا في ذلك شاهد سابق في حادثة الحرب الأمريكية الاسبانية عام 1898. إلا أن ما تواجهه آلة الدم الأمريكية في جنيف يختلف تماماً عن السيناريوهات الإعلامية المرسومة لجنيف 2، فالدبلوماسية السورية بتحالفاتها الإستراتيجية ذات التنوع الأيديولوجي، وموقعها الجيواستراتيجي، كما أن الإستراتيجية الجديدة التي يتبعها جيشها القومي العقائدي في التعامل مع خلايا الإرهاب، تطرح سيناريوهات جديدة للتفاوض العالمي أمام جنيف 2، بل وتطرح جنيف نفسه على دائرة التفاوض، خاصة فيما يتعلق بالسيطرة على الأرض، وبدماء الشهداء الذين نرى فيهم العرض والكرامة. وهو ما لم نفرط به سابقاً ولن نفرط به لاحقاً، بل ولا يمكن لأي كان التفريط به. ناهيك عن أن أي اتفاق أو إعلان قد ينبثق عن جنيف 2 فإنه سوف يخضع للسيادة الشعبية لتقبل أو ترفض بنوده. لذلك فإن جنيف 2 وبما يمثله من قبول وإعراض دوليين، وتضخيم وتجييش إعلامي، لا يشكل لنا سوى الحفاظ على كرامتنا وثوابتنا الوطنية التي لن نحيد عنها، والتي ترتكز على دماء شهدائنا الأشراف منارة الصمود لنا في مواجهة آلة الدجل العالمي وأدواته القاتلة، ليبقى دائماً شعار المرحلة: النصر أو النصر، لأن الشهادة هي طريقنا للنصر.