فتاة من بلادنا حرمتها الأقدار من نعمة البصر وأرادت الحرب على سورية أن تمنعها من تحقيق حلمها في العلم ولكنها تعاملت مع واقعها بصبر وعزيمة ورفضت أن توهن الظروف عزيمتها فانتصرت عليها.
ضحى محمد الترك ذات الخمسة والعشرين ربيعاً ابنة مدينة دوما نالت الشهادة الثانوية هذا العام وبتفوق محرزة المركز الثاني على مستوى المدينة بأسرها في الفرع الأدبي لتكون رسالة جديدة عما يكتنزه ذوو الإعاقة من قدرات.
وتقول ضحى قصة حلمها مع مقاعد الدراسة:“نشأت فاقدة للبصر بالولادة ولكنني لم أرغب أن يمنعني ذلك عن التعلم فانتسبت إلى المؤسسة النموذجية لتأهيل المكفوفين حيث كنت أحظى بتشجيع المدرسين وأتقنت الكتابة والقراءة بلغة بريل ونلت فيها شهادة التعليم الأساسي دورة 2011 ثم درست فيها الصف العاشر غير أن الحرب على سورية وما طال مدينتي من إرهاب جراءها حال بيني وبين تحقيق حلمي طوال عشر سنين”.
رغم الحرب وقساوتها لم يندثر حلم متابعة الدراسة عند ضحى وانتظرت سنوات حتى تم تحرير المدينة بفضل سواعد الجيش العربي السوري وعودة مؤسسات الدولة لها فعزمت على أن تعود إلى حلمها الأكبر وإنجاز طموحها.
وتقول ضحى: “كان لوالدتي فضل كبير في دراستي وكانوا رفاقي يساعدونني حيث كانوا يقومون بطباعة الدروس التي يتلقونها يومياً وكانت والدتي تقرأ لي الدروس عدا الإنكليزي والفرنسي التي كانت تقرأها لي شقيقتي ومن خلال الاستماع إليهما ولأكثر من مرة كنت أحفظ ما فيها من معلومات”.
ولا تنسى ضحى أبداً فضل أساتذتها ورفاقها في الصف فكانوا حريصين على ألا يشعرونها بأنها أقل منهم أو مختلفة عنهم ويشجعونها على الانخراط في جو الدراسة.
وخلال فترة التحضير لامتحان الشهادة الثانوية سعت ضحى إلى تنظيم وقت الدراسة فخصصت لها عشر ساعات يومياً لتكون جاهزة للامتحان عبر مركز امتحاني في دمشق خصصته وزارة التربية للطلاب من ذوي الإعاقة.
وتشرح ضحى طريقة الامتحان بالنسبة لفاقد البصر حيث خصص لكل واحد مكتتب يقوم بقراءة الاسئلة الامتحانية وكتابة الأجوبة وفقاً لما يمليه عليه كل الطالب.
ضحى التي تطمح لدراسة الأدب العربي في الجامعة لأن لغتنا هويتنا وعنوان حضارتنا تريد أن تمتهن التدريس لأن مسؤولية العلم وحمل الشهادة الجامعية تقتضي أن ننقل ما تعلمناه لغيرنا.
الإنسانة التي ظلت مع ضحى طوال تلك السنوات هي والدتها منى محمد عيبور تحدثت عن فقدان ابنتها لحاسة البصر جراء إصابتها بحالة نادرة وهي ضمور العصب البصري حيث لم تستجب للعلاج رغم المحاولات العديدة وإن شفاءها أمر مستحيل كما أخبرها الأطباء حينها.
رغم ذلك لم تيأس والدة ضحى بل سعت بأن لا تشعر ابنتها بأنها مختلفة عمن سواها لذلك استجابت لإلحاحها وهي طفلة أن تتعلم في المدرسة كما أقرانها وبعد بحث تعرفت على مدرسة لتأهيل المكفوفين في كفرسوسة فكانت تصحبها إليها منذ الصف الأول حتى العاشر وكانت من المتفوقين دائماً.
وحول مساعدتها لابنتها في الدراسة للشهادة الثانوية بينت أنها كانت تنظم وقتها حتى تستطيع التفرغ لضحى أطول فترة ممكنة وكانت تحاول أن تخفي قلقها عنها لتعزز من معنوياتها وتزيل عنها التوتر ومشاعر القلق.
وتؤكد أن ابنتها بنجاحها وتفوقها منحتها مشاعر سعادة لا توصف وافتخاراً كبيراً لها ولكل أهلها واقربائها بأن ابنتها تجاوزت محنتها.
مدرس الرياضيات عمار هارون مدير معهد التميز الذي درست فيه ضحى أشار إلى أن وضعها الصحي ورغبتها بنيل الشهادة الثانوية شكل حالة تحد للجميع فتم وضع كل الإمكانات تحت تصرفها لإنجاز هذا التحدي من قبل المدرسين والموجهين وعبر المذاكرات الشفهية والتحريرية لافتاً إلى ما تكتنزه هذه الفتاة من قدرات.
ودعا هارون إلى تفعيل دور المؤسسات التربوية والتعليمية العامة والخاصة في التعامل مع حالات ذوي الإعاقة بأنواعها لأنهم يمتلكون إمكانات عالية ومن الضروري الكشف عنها وتنميتها واستثمارها بالصورة الأمثل.
يوسف هيثم الناعمه