يستسهل البعض عمل الصيادلة، حتى باتت مهنة الصيدلة والشهادة التي يحصل عليها خريج هذا الفرع ينظر إليهما بعين صغيرة، ويكاد البعض يقول لأشخاص يدرسون هذا الفرع: “بائع بشهادة”، والسبب في ذلك عمل غير المتخصصين في بعض الصيدليات، لتبدأ رحلة الأخطاء التي يدفع ثمنها المريض أو ذويه، ولا سيما أن الغالبية لا يملكون الوعي الصحي الذي يدفعهم لقراءة الوصفة المرافقة للدواء، وهكذا “تضيع الطاسة” بين الطبيب والصيدلاني والمريض، لكن المريض وحده هو الحلقة الأضعف الذي سوف يدفع الثمن.
*مخالفات واضحة وبالجملة..
أحد المواطنين قال: يقوم أحد مالكي الصيدليات بتشغيل عاملين اثنين لا يحملون مؤهلاً علمياً في الصيدلة، ما يؤدي في أحيان كثيرة إلى إلحاق الأذى بصحة المواطنين.
فيما يؤكد مواطنون أن العديد من مالكي تلك الصيدليات يقومون بتشغيل شبان وفتيات من أقاربهم وليسوا من أصحاب الاختصاص في الصيدلية، خلافاً للقانون الذي يمنع العمل بالصيدلة دون الحصول على شهادة علمية في هذا الاختصاص، بالإضافة إلى رخصة من الجهات الرسمية بوزارة الصحة.
*الأدوية المصروفة مخالفة لوصفة الطبيب..
وأكدت السيدة أم سامح أنها قامت بصرف وصفة أدوية من إحدى الصيدليات بعد أن كتبها طبيب مختص، ليتبين لاحقاً أن الأدوية التي صرفت لها من الصيدلية ليست التي كتبها الطبيب بسبب وجود شخص غير مختص يعمل بالصيدلية، وأشارت إلى أنها قامت بالشكوى للأجهزة المختصة دون جدوى، حيث لا آذان مصغية لها، كما شددت على ضرورة معالجة هذا الأمر حرصاً على سلامة المواطنين، وملاحقة كل الصيدليات المخالفة والتي تقوم بإلحاق الضرر بالمواطنين من خلال بيعهم أدوية ليست هي نفسها التي كتبها الطبيب المختص.
*غياب الرقابة الرسمية..
مواطنون آخرون اشتكوا من غياب الرقابة الرسمية على عمل الصيدليات، مؤكدين على أهمية مراقبة الصيدليات لكون عملها يتعلق بحياة الناس وصحتهم، مشيرين إلى أن بعض الصيدليات تقوم ببيع أدوية مخدرة للشبان خلافاً للقانون بدون وصفات طبية.
وأشار علي محمود إلى أن أشخاصاً غير مرخصين يعملون في بعض الصيدليات في معظم المناطق، ما يلحق ضرراً بصحة الناس والمرضى، مؤكداً أن أغلبية هؤلاء العاملين يحصلون على أجور متدنية، وهو ما يبرره خطأً أصحاب الصيدليات تشغيلهم لمثل هؤلاء، وطالب الجهات الرسمية بمتابعة هذا الأمر ومراقبة الصيدليات حرصاً على السلامة العامة.
*خطأ واحد يفضي لعواقب كارثية..
الدكتور الصيدلاني خالد كعكوش قال: تعاني مهنة الصيدلة العديد من المشكلات، على رأسها عدم تواجد الصيدلاني على رأس عمله، وتكليفه أشخاصاً غير صيادلة وغير مؤهلين للعمل في الصيدليات، موضحاً أنه أخطر ما في هذه المشكلة بأنها تمس بشكل مباشر أرواح البشر، وأن الخطأ في هذا العمل قد يفضي لمخاطر كارثية على صحتهم وصولاً لفقدان الحياة.
وأضاف كعكوش تعود أسباب هذه المشكلة لعدة أمور: ضيق الأوضاع المادية لبعض الصيادلة ما دفع بهم لاستثمار شهاداتهم بهذا الشكل، علماً أن ذلك مخالف للقانون.
غياب الدور الرقابي..
ثانياً ظهور شريحة معينة يطلق عليها لقب (المتصيدلين) من أصحاب رؤوس الأموال والمتطفلين على المهنة ممن لا يحملون شهادة الصيدلية، وهذا مرتبط بشكل مباشر بغياب الدور الرقابي بالشكل المطلوب، وعدم كثافة الجولات الرقابية التي تحد بدورها من هذه الظاهرة.
ونوه بأنه لا يوجد عقوبات رادعة بشكل كاف، حيث العقوبات تتدرج تصاعدياً دون أن تكون مؤثرة سوى في حالات وجود الشخص غير المؤهل الذي يحال إلى القضاء، فضلاً عن غياب الوعي الشعبي الكافي لتقدير حجم الضرر الناتج عنها.
وأشار أيضاً إلى أن هناك زيادة واضحة بنسب خريجي كليات الصيدلة في الجامعات الخاصة والعامة، والذي أدخل شكلاً من أشكال البطالة ما دفع البعض للبحث عن مستثمرين، وأوضح بأن الضرر من فئة المتطفلين والمتصيدلين هو في احتمالية الخطأ في صرف الدواء وعدم الإحاطة بتأثيراته الجانبية وتداخلاته الدوائية وهي أمور تشكل خطراً كبيراً، متجاهلين أنهم يمارسون المهنة من منظور مادي بحت دون أن يكون للإنسانية دور في ممارستهم لا بل أن ممارستهم للمهنة كونهم غير مختصين هي بحد ذاتها استهتار بالإنسانية واستهداف لها.
*التشدد بالعقوبات..
واقترح كعكوش لحل هذه المشكلة تكثيف الجولات الرقابية من نقابة الصيادلة ومديرية الصحة، وتطوير القانون الناظم لعمل نقابة الصيادلة ليكون أكثر صرامة في مثل هذه الحالات، بالإضافة للتشدد في العقوبات بشكل لا يتيح للأشخاص تكرار مخالفات واضحة، كذلك نشر برامج توعية شعبية على وسائل الإعلام تحذر من انتشار هذه الظاهرة وتدعو لمقاطعة الصيدليات التي لا يديرها صيادلة مختصون وخريجون، والحد من تضخم عدد خريجي كلية الصيدلة عبر تطوير آليات القبول فيها لتصبح أكثر واقعية وتتناسب مع الحاجة الحقيقية لهذا الاختصاص، والعمل على فتح المجال لشريحة أوسع من الخريجين الجدد لمتابعة دراستهم العليا ضمن اختصاصات كلية الصيدلة وإيجاد اختصاصات أخرى.
عدم توفر الأدوية بالشكل الوافي..
وأضاف كعكوش: إن المشكلة الأخرى التي تعاني منها مهنة الصيدلة هي عدم توفر الدواء بالشكل الكافي وانقطاع بعض الأصناف الدوائية وهذا الأمر في غاية الخطورة لأنه يهدد استمرارية عمل مصانع الأدوية السورية، وعزا السبب في ذلك إلى وجود فجوة واسعة بين سعر الدواء الحالي المسعر بقيمة سعر الصرف 1256 ل.س وهو الذي رفعه المركزي لاحقاً إلى 2512 ل.س، الأمر الذي أدى إلى انكماش في تصنيع بعض الزمر الدوائية لأن قيمة تصنيعها تتجاوز بكثير سعرها المطروح في الصيدليات.
وقال إن الحل هو في أن تسارع وزارة الصحة لاتخاذ قرار جريء برفع سعر الدواء حفاظاً على هذه الصناعة المتطورة في سورية، لكن قد يقول قائل إن سعر الدواء مرتفع السعر أصلاً. ونحن نقول بأن المواد الاستهلاكية ارتفعت خمسين ضعفاً منذ بداية الحرب الإرهابية على سورية فيما ارتفع الدواء قرابة العشرة أضعاف فقط، والآن الصناعة الدوائية في خطر، و نوه بأن المشكلة الحقيقية في النتيجة ليست في ارتفاع سعر المادة بقدر ما هي في ضعف مستوى الدخل.
*بعض المتصيدلين يتقمص دور الطبيب..
وقال الصيدلاني محمد العلي: إن العمل بالصيدلة ليس بالأمر اليسير، فالصيدلة علم، وصرف الدواء أيضاً علم، والعاملون في هذا التخصص يحتاجون إلى علم، وعلى صاحب الصيدلية أن يكون في الأساس صيدلانياً ومرخصاً له بمزاولة المهنة، لكن الحقيقة المغايرة للواقع، أن عدداً كبيراً من الصيدليات المنتشرة ترى فيها غير المختصين والدخلاء بشهادات أخرى، يصرفون الدواء، بل يقررون إعطاء أنواع معينة، عندما يشكو المريض لهم من بعض الآلام، وقد تفلح تجربة غير الصيدلي، بل تتحقق فعلاً صدفة فينصب هذا العامل نفسه طبيباً وربما في كل الاختصاصات.
وهناك بعض الصيدليات المرخصة على الورق باسم صيدلي، ويملكها آخرون لا يحملون شهادة الصيدلة، وهنا تدور التساؤلات لتحديد الدور الرقابي على الصيدليات لمتابعة غير المختصين فى أثناء عملهم، وهل هذه الوظيفة متعارف عليها في العالم كله أم أننا دائماً ما نأتي بالجديد، ويضيف العلي أن التساؤل الأخير ليس لقطع أرزاق هؤلاء العاملين، ولكن لوضع الضوابط وعمل كل إنسان في مهنته لأن الوضع في هذا الخصوص يزداد سوءاً، كما أن هذا الطرح هدفه منع هذه الظاهرة ووضعها في الإطار الصحيح حماية للمواطنين الأصحاء منهم والمرضى.
*أشخاص غير مؤهلين..
وتقول الصيدلانية لمى عزيز قاسم: إن هذه المشكلة قائمة بالفعل في صيدليات كثيرة و موجودة على أرض الواقع، ولو كان المبرر أن هناك عجزاً في تخصصات الصيدلة، وكان يتم الاستعانة بخريجين يحملون شهادات عليا ومتوسطة للعمل في الصيدليات، فأنا أقول: إن هناك خريجين كثر جداً من الصيادلة، وليس لديهم الإمكانات المادية لافتتاح صيدلية خاصة بهم، في الوقت الذي نرى فيه أصحاب أموال يستثمرون بشهادات الخريجين، ويضعون في الصيدليات التي يفتتحونها على اسمهم.
*رأي الطب..
الدكتور خليل الصوص الاختصاصي في الأمراض الداخلية والجلدية أكد في هذا الإطار أن وجود أشخاص غير مجازين في عدد كبير من الصيدليات ظاهرة موجودة وهؤلاء ليسوا إلا متعهدين لتلك الصيدليات، حيث يقوم السواد الأعظم منهم بتشخيص المرض وصرف الدواء من غير فحص، والفحص أصلاً هو من خارج صلاحيات الصيدلي حتى لو كان خريجاً مجازاً بالصيدلة، فكيف إذا كان المتواجد في هذه الصيدلية أو تلك من غير خريجي الصيدلة؟!
وأضاف هناك البعض من هؤلاء يتدخلون في الوصفة، وتغيير بعض الأدوية وتقديم البديل بمركبات مختلفة.
من ناحية أخرى أضاف الدكتور خليل الصوص أن الأسعار غير النظامية للأدوية والمنتشرة حالياً تظهر لدى من يقومون بعمليات الاستثمار بفوارق كبيرة، وقد يصل إلى الضعف، ولا سيما من يقوم من هؤلاء بتركيب بعض الأدوية لبعض الأمراض التي لم يتوصل الطب لعلاجها، بالإضافة لوصف المضادات الحيوية، وكأن الدواء يهتز عندما يراه.
ونوه أن هذا البند لا يشمل كل الصيادلة، حيث لكل قاعدة شواذ، لأن هناك ممن هم ملتزمون بالقانون المهني والأخلاقيات الناظمة للعمل.
*نشر ثقافة التشخيص الصحيح..
وشدد الصوص على نشر ثقافة التشخيص الصحيح والعلاج عند المختصين والتأكيد على ذلك بين المواطنين والتوجه للطبيب المختص، مع أننا نأخذ بعين الاعتبار أن توجه هؤلاء للصيدلي نتيجة الحاجة وضيق اليد لكنه غير مبرر، بدون إهمال لأن ذلك سوف يفاقم المشكلة، علماً بأن ظاهرة زيارة الصيدلي سواء أكان مختصاً أم غير مختص منتشرة وتزايدت خلال الحرب، بين معظم الأوساط الذين يعتمدون ظاهرة ما يسمى “التري كيك” أي خلط ثلاثة أنواع من الإبر أو الحقن لتسريع العلاج وهو أمر خاطئ ومرفوض.
النقابة: الأجوبة باتت معروفة..
ولدى سؤال نقابة الصيادلة المركزية في سورية عن تساؤلات المواطنين والصيادلة والتي تضمنت: سبب ظاهرة عمل أشخاص غير مختصين في بعض الصيدليات، والعقوبات المفروضة على المخالفين عاملين وأصحاب صيدليات، والقوانين والأنظمة التي تسمح للصيدلي بمزاولة المهنة.
وفيما إذا تم إغلاق صيدليات مخالفة لهذا الأمر وكم كانت مدة الإغلاق؟
وهل هناك برامج توعية تنفذها النقابة توضح مخاطر تكليف أشخاص غير مختصين بالعمل في الصيدليات؟ والشكاوى التي جاءت إلى النقابة بهذا الشأن، وما هو الرد على ذلك؟
اختصرت النقابة مع كل أسف تلك التساؤلات بإجابة واحدة وهي أن الإجابات على تلك التساؤلات باتت معروفة، ورفضت الرد على الأسئلة رغم عدة اتصالات للحصول عليها، مع أنها وعدت أكثر من مرة لكن رفضت أخيراً مع كل أسف، لذا نضع هذا الأمر بعناية المسؤولين والنقابيين والتعاون مع الإعلام الوطني لوضع جزء من الحلول لبعض المشكلات الحاصلة في هذا الشأن ولا سيما أن ذلك يمس صحة المواطن وحياته أولاً وأخيراً.
يوسف هيثم الناعمه