واشنطن قالت بدورها أن ‘الماجد’ مطلوب من قبل أجهزتها الأمنية كـ’إرهابي’، لكنها، ويا للغرابة، نست أن تضع إسمه على قائمتها السوداء برغم أنه يتزعم تنظيم “كتائب عبد الله عزام”، التي تعتبرها واشنطن من أخطر المنظمات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة.
لا يزال الغموض يلف عملية الإعتقال التي تمت بسرية تامة الجمعة الماضية ولم يعلن عنها رسميا، لكن وكالة الصحافة الفرنسية (ا. ف. ب) سربت الخبر نقلا عن وزير الدفاع اللبناني ‘فايز الغصن’. هذا الأخير نفى جملة وتفصيلا أن يكون أدلى بأية معلومات حول الموضوع للصحافة، في حين أكد السفير السعودي في بيروت من الرياض حيث يتواجد منذ مدة، أن السلطات اللبنانية أبلغت الرياض بإعتقال ‘الماجد’ وطالبتها بعينة من الحمض النووي للتأكد من هويته، وإن كانت السلطات اللبنانية تعتقد أنه الشخص المطلوب بنسبة 90 %.
لا تلعبـــوا معنـــا..
مصادر مقربة من دوائر القرار في طهران أفادت أن عملية إعتقال ‘ماجد الماجد’ جائت نتيجة خطة رصد محكمة نفذتها مخابرات حزب الله بالتعاون والتنسيق مع مخابرات الجيش اللبناني.. لكن في بيروت لم يؤكد أحد هذه المعلومة، هناك فقط صمت وخوف مما قد تحمله معلومات التحقيق مع ‘الماجد’.
تيار المستقبل وأزلامه لم يعودوا يتحدثون عن “الثورة السلمية” لنزع سلاح حزب الله.. ولا عن المكرمة السعودية لتسليح الجيش والإجراءات الدستورية لسرقة الدولة ووضعها تحت الوصاية السعودية.. لا أحد خرج من تيار 14 سمسار ليذكر اللبنانيين بأن حزب الله هو من قتل العميل “شطح”، الكل ينتظر ما سيتسرب عن محاضر التحقيقات السرية مع ‘الماجد’ من معلومات يتوقع أن تفجر قنبلة من العيار الثقيل.. ألم يقل لهم حزب الله “لا تلعبوا معنا؟”.. لكنهم أغبياء، ركبوا رؤوسهم وتجاهلوا التحذير.
حــذار مـن صفقــة مشبوهـــة
طهران طلبت رسميا المشاركة في التحقيقات السرية التي تجري مع ‘المشتبه به’ بتفجير السفارة الإيرانية، وهنأت الأجهزة الأمنية اللبنانية على هذا الإنجاز الكبير. السفير السوري في بيروت بدوره تمنى على السلطات اللبنانية وضع بلاده في صورة التحقيقات الجارية.
السعودية قلقة وتبدو مربكة، لكنها دخلت على الخط من خلال إتصالات ساخنة مع المسؤولين اللبنانيين بعد أن اتخذ قرارا في أعلى المستويات بضرورة البدأ بالإجراءات القانونية لاسترداد ‘الماجد’ باعتباره مواطناً سعودياً، هذا بالرغم من عدم وجود إتفاقية قضائية بين السعودية ولبنان حول تبادل المجرمين، كما أن القانون الجنائي اللبناني يخول القضاء الوطني حصريا محاكمة المشتبه بهم في الجرائم التي ارتكبت على التراب اللبناني بغض النظر عن جنسيات الفاعلين.
لم نسمع يوما أن السعودية إهتمت بأحد مواطنيها إلى هذه الدرجة من القلق الكبير، حتى إعلام الزيت لا شغل له اليوم إلا الحديث عن إجراءات إسترجاع ‘الماجد’ لأنه مواطن سعودي (هكذا).. لكن هناك عشرات السعوديين المعتقلين في السجون العراقية والسورية بتهمة الإرهاب، وهناك من أعدمتهم السلطات العراقية، وهناك مسؤولين من الجيش والمخابرات الوهابية في قبضة النظام السوري، لكن السعودية لم تهتم بهم ولم تطالب بإسترجاعهم.. فهل ‘ماجد الماجد’ يعتبر مواطنا سعوديا بدم أزرق؟
خطــة السعوديــة أصبحــت مكشوفـــة
قبل فترة اتهم حزب الله السعودية بالوقوف وراء تفجير السفارة الإيرانية، فثارت ثائرة الأمراء في الرياض والأزلام في بيروت حيث سارعوا لإستنكار ما قاله سماحة السيد، معتبرين الإتهام مجرد تجني رخيص ضد بلد شقيق من دون وجه حق.. حتى رئيس الجمهورية فخامة ‘حصان طروادة’ بتعبير الزميل ‘طوني حداد’ أخذته الحمية “القبلية” وانتصر للسعودية بمهاجمة حزب الله.. لكن هؤلاء الفاشلين نسوا في غمرة نفاقهم المكشوف أن سماحة السيد لا ينطق عن الهوى، وأنه كان دائما وأبدا عنوانا للصدق والحقيقة المجردة التي ليس بينها وبين الناس حجاب.
ما قاله سماحته، جاء بناءا على قرائن ترقى لمرتبة الدليل القاطع الذي يفيد أن من فجروا السفارة الإيرانية في بيروت كانوا يتصلون هاتفيا بضابط مخابرات في السفارة السعودية.. ومن لا يريد أن يصدق فذاك شأنه، لأن التسجيلات المتوفرة لدى حزب الله تعفيه من كل التبرير.
قُتل “شطح” قبل أيام في إطار خطة محكمة وضعت تفاصيلها في الدهاليز المظلمة بين المخابرات السعودية والموساد الصهيوني، وكان الهدف تأليف حكومة ‘أمر واقع’ من دون حزب الله، وتطيير الإستحقاق الرئاسي، والتحضير لإستدارة الجيش اللبناني ضد حزب الله بكذبة إسمها مكرمة سعودية لتسليح الجيش.. هكذا أرادوا سرقة لبنان، لكن بالدستور هذه المرة قبل أن يُحضّروا الجو المناسب للصدام الحاسم بين الجيش وحزب الله وفق ما يتوهمون.
المعلومات الأولية عن إغتيال “شطح” أشارت إلى أن عناصر من “فتح الإسلام” هم من يقفون وراء التفجير.. هذه المعلومة دفعت أحد أبواق تيار المستقبل للقول أننا اليوم أمام “أبو عدس 2″، لأن الذي يقف وراء “فتح الإسلام” وفق زعمهم هو النظام السوري.
‘الماجــد’ صيــد كبيــر وثميـــن
غير أن الرياح هذه المرة جرت بما لا تشتهيه أحلام التيار الأزرق، خصوصا بعد أن أكدت المعلومات أن ‘ماجد الماجد’ هو من يمول “فتح الإسلام” وغيرها من التنظيمات الإرهابية اللبنانية والسورية والعراقية أيضا، وأنه بايع ‘الجولاني’ في سورية وأصبح رجل “جبهة النصرة” وبايع الظواهري وأصبح يمون على “داعش” في العراق وسورية، ثم تحول إلى دراع بندر بن سلطان في لبنان. هذا يعني أن من قتل “شطح” لا يمكن أن يكون إلا السعودية لأن عميلها في لبنان ‘ماجد الماجد’ هو من يمون على “فتح الإسلام” التي تشير إليها محاضر التحقيقات الجنائية.
فـ’ماجد الماجد’ بعد هروبه من السعودية سنة 2005 انخرط مع تنظيم “القاعدة” في اليمن، وعام 2006 لعب دور الممول الرئيس لـ”فتح الإسلام” في نهر البارد، فهل كان نظام الأسد هو من يدفع لـ’ماجد’ و ‘أبو العدس’ كما يدعي تيار 14 منافق؟..
وفي 2007 بعد انتصار الجيش اللبناني وإقتحامه لمخيم نهر البارد هرب عميل المخابرات السعودية ‘ماجد الماجد’ من المخيم بمعية الإرهابي ‘شاكر العبسي’ إلى سورية حيث مكث على الحدود مع لبنان وتولى الإشراف على كتائب “عبد الله عزام” التي أسسها في مخيم ‘عين الحلوة’ بصيدا.
وسنة 2011 حاول إغتيال مدير الأمن العام اللواء ‘عباس إبراهيم’ المقرب من حزب الله وحركة أمل. وتُحمّله السلطات اللبنانية مسؤولية التفجيرات التي استهدفت قوات “اليونيفيل” في الجنوب، وزرع العبوات الناسفة على الطريق الساحلية، ورصد ومراقبة ثكنات الجيش اللبناني لإستهدافها بعمليات إنتحارية بسيارات مفخخة.
كما قام بالتخطيط مؤخرا لعديد العمليات الإرهابية في عدة مناطق من لبنان، وجند أصوليين من الشمال وأرسلهم للقتال في سورية مع مجموعة “داعش” و “جبهة النصرة”. وتبين كذلك أنه خطط لإغتيال شخصيات من الصف الأول في حزب الله، بالإضافة لتفجير الأبرشيات والكنائس والجمعيات المسيحية لخلق فتنة طائفية.
إلى هنا تبدو الخيوط الأولية واضحة، وكلها تؤدي إلى السعودية وبندر بن سلطان على وجه الخصوص، وهذا ما يقلق الرياض. ولعل ما ستكشفه التحقيقات في الأيام القادمة من تفاصيل خطيرة كفيل بإلقاء الضوء على العديد من الجرائم التي وقعت في لبنان واتهم بها حزب الله وسورية.
قضية ‘الماجد’ لها أبعاد إقليمية ودولية خطيرة
قضية “ماجد الماجد” قضية لها أبعاد إقليمية ودولية خطيرة، تمس لبنان وإيران والعراق وسورية، وتهمة بها السعودية بشكل واضح لا لبس فيه، وبالتالي، لا تحتمل مثل هذه القضية أية تسوية سياسية من تحت الطاولة.
كما أن قرار رئيس الجمهورية والرئيس ميقاتي المتسرع بتحويل جريمة “شطح” للمجلس العدلي دون موافقة مجلس الوزراء على غرار ما حدث في قضية ‘الحريري’ زمن ‘السنيورة’، جائت في غير صالح فريق المؤامرة.
كما أن تصريح البيت الأسود قبل يومين والقائل بضرورة إحالة جريمة “شطح” للمحكمة الجنائية الدولية لينال المجرمون عقابهم وينتهي مسلسل القتل في لبنان، في إشارة ضمنية لحزب الله كما سبق واتهمه صراحة الحريري بذلك، هي خطوة في الإتجاه الذي لم تكن تتوقعه واشنطن وأدواتها، وهذا ما يحرج اليوم السعودية.
لبنان أمام منعطف تاريخي حاسم، لأن إعتقال الزعيم الإرهابي السعودي الكبير هو وأحد مواطنيه السعوديين، يمثل فرصة فريدة لقلب الطاولة على السعودية وتقديمها للمحاكمة الجنائية الدولية، خصوصا وأن جريمة تفجيري السفارة الإيرانية هي جريمة دولية خطيرة وإعتداء سافر على السيادة اللبنانية والإيرانية من قبل دولة تؤكد التقارير الغربية قبل العربية بالإضافة للأدلة والقرائن والشهادات، وخصوصا العراقية والسورية، أن المخابرات السعودية هي من تقف ورائها.
فهل نشهد تحركا دوليا تتزعمه روسيا المتضررة من الإرهاب السعودي ومحور المقاومة من إيران إلى لبنان مرورا بالعراق وسورية لمقاضاة السعودية أما المحكمة الجنائية الدولية بقرار من مجلس الأمن؟..
وهل تجرأ أمريكا على رفع الفيتو لحماية حليفتها..؟ هذه فضيحة لا تستطيع الإدارة الأمريكية الوقوف في وجهها أو التستر عليها.
لننتظر نهاية التحقيقات الجارية وما سيقرره محور المقاومة في هذا الشأن.
غيــاب التنسيـــق الأمنــي وتسيّــب فـي المخيمــات
لكن قبل ذلك هناك أمران غاية في الأهمية برزا من خلال العمليات الإرهابية الأخيرة، ولعل التفجير الإرهابي الثالث الذي ضرب الضاحية الجنوبية اليوم لن يكون الأخير بعد أن قررت السعودية فتح أبواب جهنم في لبنان، ونشير بذلك إلى عدم وجود تنسيق على مستوى التحقيقات الجنائية بين مختلف القوى الأمنية اللبنانية.
ففي حين يتولى فريق الأمن الداخلي التحقيق في جريمة “شطح” كما حدث في جريمة “الحريري” وما كشف في هذه القضية من تلاعب وتزوير وتحوير وشهود زور، وما عرفته التحقيقات في تفجيري طرابلس من فبركة وتسريب لمعلومات مشبوهة حول مسؤولية الحزب الديمقراطي السوري (العلوي) عن الجريمتين اللتان ضربتا مسجدين بطرابلس لإشعال نار الفتنة بين السنة والعلويين، خدمة لأجندة السعودية وأدواتها في 14 الشهر.. نجد في الجهة المقابلة جهاز مخابرات الجيش هو الذي يتولى التحقيق في التفجيرات الإرهابية الأخرى التي طالت فريق 8 أذار وحلفائه، كتفجيرات الضاحية والسفارة الإيرانية. وهذا لعمري هو عين العبث، ما يؤكد غياب الدولة في لبنان وغياب المسؤولية، الأمر الذي ينعكس سلبا على مساعي البحث عن الحقيقة.. فأين وزير الداخلية ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية من هذا العبث؟
الأمر الثاني ويتعلق بالمخيمات الفلسطينية التي تبث أنها متورطة في الأحداث الأمنية التي عرفها لبنان حتى النخاع، وأنها تحولت إلى أوكار للإرهابيين ونقط أمنية سوداء تهدد حياة المواطنين الأبرياء وأمنهم واستقرارهم الهش. ولعل مخيم عين الحلوة بصيدا أصبح اليوم أنموذجا لهذا الواقع السيىء. والمصيبة العظمة أن تقارير أمنية تتحدث عن تورط عناصر من حركة حماس في توفير البيئة الحاضنة للإرهاب السعودي بمخيم عين الحلوة، وخاصة كتائب “عبد الله عزام التي يترئسها الإرهابي ‘ماجد الماجد’.
الإرهاب في المنطقة صناعة سعودية
لا غرابة، فالسعودية التي تحارب الإخوان في مصر نجدها تمولهم وتدعمهم في سورية، لكنها في نفس الوقت تدعم القاعدة في سيناء ضد الجيش المصري ليبقى منشغلا في حرب لا تنتهي، فتتحول مصر إلى دولة ضعيفة لا يقوم لها مقام، وهو الأمر الذي تفطّن له الجيش مؤخرا وبدأ يفكر في التقارب مع الروسي والإيراني والسوري، ما أغضب السعودية، فطلبت من إرهابييها بأن لا يتمركزوا في سيناء فقط، بل ينتشروا في كافة المحافظات لتبدأ حفلات الدم والرقص على الأشلاء في كل مكان من جمهورية مصر العربية.
وهذه هي بداية النهاية بالنسبة للنظام الوهابي الصهيوني المجرم الذي سيجد نفسه قريبا، وقريبا جدا، وحيدا في المنطقة والعالم، ولن يبقى بجانبه لا إسرائيل التي تلعب على مخاوفه ولا فرنسا التي تبتز أمواله.
أما أمريكا التي بدأ ينكشف أمر تورطها في الإرهاب إلى جانب السعودية بسبب إصرار المحافظين الجدد على إستعماله كسلاح في حروبهم العبثية ضد أعدائهم في الشرق الأوسط وآسيا، فقد وصلت اللعبة حدها ومنتهاها، وقريبا ستضطر الإدارة الأمريكية لإتخاذ قرار حاسم بالإبتعاد عن نظام آل سعود، وقد تكون أول من يطالب بحظر أموالها وفرض عقوبات عليها وتقديم مسؤوليها للمحاكمة الجنائية الدولية.
ذلك أن أمريكا بالنهاية ستربح تريليونات الدولارات المكدسة في بنوكها، والتي نهبها أمراء الرمال والزيت والدم من مقدرات الشعب السعودي، وفي نفس الوقت سيُبيّض أوباما وجهه الأسود القبيح أمام العالم، فينتقم لمقتل 3.000 من مواطنيه الذي سقطوا في تفجيرات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، وبذلك ينتهي عهد الإرهاب ويصبح العالم أكثر أمنا، فيغرق آل سعود وزبانيتهم في دمائهم الخبيثة وسط رمال شبه الجزيرة العربية الحارقة إلى غير رجعة.