تزخر سورية بصناعات نسيجية عريقة تربع بعضها على عرش الجودة والفخامة منذ القدم كحال القفطان الدمشقي الذي حجز رغم شهرته المتواضعة مكاناً مرموقاً بين نظرائه في بلدان أخرى وحصد جوائز مهمة خلال مشاركته في معارض عالمية.
القفطان زي شعبي تقليدي ظهر لدى العديد من الثقافات منذ قرون عديدة يمتاز غالباً بأكمامه الطويلة ويصل إلى الكاحلين حسب كل ثقافة ويدخل في صناعته الصوف والحرير والقطن وتشتهر به بلدان المغرب العربي كالقفطان المغربي والجزائري وغيرها من البلدان وكان يرتديه الرجال والنساء في ثقافات قديمة لكن النساء تتفرد بلباسه اليوم وعرف كرمز للملوك والسلاطين في بعض الثقافات واليوم أصبح هناك ما يعرف بالستايل العصري.
وفي سورية لا تزال هذه الصناعة النادرة حاضرة إلى يومنا هذا ففي حارة حنانيا بدمشق القديمة يوجد منزل الامرأة الدمشقية صوفيا الأشقر ذات الثمانين عاماً والتي تروي قصة إبداعها في صناعة القفطان الدمشقي التي ورثتها عن والدها، وقادها عشقها للأناقة والجمال إلى احتراف تصميم القفطان حيث بدأت قصتها مع حياكة أول ثوب لدميتها الصغيرة وهي في العاشرة من العمر.
ومع الزمن ازداد تألق صوفيا الأشقر في تصميم القفطان وصناعته لتحصل مرتين على ميدالية دولية في فن أزياء الشعوب بالمعرض الدولي للأزياء الشعبية الذي أقيم في مدينة مكسيكو سيتي بالمكسيك عام 1997 وكان ترتيب فوزها الثالث على 123 موديلاً قدمت من 71 دولة كما منحها معهد دراسات أزياء الشعوب في شيكاغو عام 1994 الجائزة الثانية لتصميمها وتطويرها القفطان السوري الذي يجمع بين الماضي والحاضر وبات في طليعة اللباس الذي يستهوي النساء في الغرب.
ووسط ذلك المنزل الشامي العريق الذي تفوح منه رائحة الماضي وعبقه تخرج أجود القطع وأفخمها من القفطان الدمشقي الذي يحاك بأنواع عديدة من الأقمشة الثمينة منها المخمل والحرير والأغباني والبروكار كما يستخدم في بعض الحالات الكتان الرقيق في صناعة القفطان خفيف الوزن الذي يلائم المناطق ذات المناخ الدافئ بحسب الأشقر التي تحدثت عن أسلوبها الخاص في تطريز القفطان الدمشقي بخطوط وألوان وأشكال لجعله مواكباً لأحدث صيحات الموضة.
وتقول الأشقر إنها اعتمدت بتزيينه على خيوط الحرير الملونة وخيوط القصب الذهبية والفضية ووضع الأحجار بصفوف متناسبة وبألوان لامعة مختلفة الأشكال والحجم ما يتطلب دقة متناهية في وضعه لتضفي أناقة وتميزاً يلفت النظر مبينة أنه بعد تصميم القفطان تبدأ مرحلة التفصيل ومن ثم الرسم والتطريز ليتم لاحقاً غسله وكيه وأخيراً وضع الأحجار اللامعة لتنتج قطعة فنية مميزة في غاية الروعة والإتقان تمتزج فيها روح الحرفي والفنان والمبدع.
الفرحة الكبيرة التي تنتاب السيدة الدمشقية حين ترى القفطان بمرحلته النهائية تنسيها تعب العمل اليدوي وتجعلها تفتخر بأن السنوات الطويلة التي أمضتها في هذه الصناعة والتي وصلت إلى 45 عاماً أثمرت بتقديم تصميم سوري بارع وفريد إلى العالم كله ومع هذا ترى أن الاعتماد حديثاً على المكنات الحديثة للتطريز والحياكة بات ضرورياً للإسراع بإنتاج القطعة وإدخال تصاميم جديدة وغيرها من الميزات الجديدة.
ومن بين إحدى القصص الطريفة التي تحكيها الأشقر عن فخامة القفطان الدمشقي وروعته أنه قبل أعوام طويلة بحثت إحدى الفتيات في مدينة باريس عن فستان عرس ولم يعجبها شيء وحين قدمت إلى الشام وجدت في القفطان الدمشقي ما يلبي الغرابة التي تبحث عنها وطلبت صناعة فستان خاص لها موضحة أنه رغم بلوغها الثمانين إلا أنه لا يزال لديها أفكار لتصاميم فريدة تجعل القفطان السوري في تألق دائم.
يوسف هيثم الناعمه