العراق – د . نعمة العبادي
ليلة البارحة أرسل لي صديق محترم يحمل شهادة الدكتوراه وثقافته العامة ممتازة هذه الرسالة: (عاشوراء مبارك وكل عام وأنتم بألف خير وصحة وعافية)، وبعد ان اخبرته بأن عاشوراء يوم حزن وفجيعة، وقد قتل فيه الحسين واهل بيته واصحابه عليهم السلام ويجب ان نواسي رسول الله بالتفجع له ولاهل بيته، اجابني: (نحن بالعادة نفرح لهذا اليوم المبارك وهو ركن من أركان الإسلام نصلي نصوم ونزكي ونحن كلنا خشوعا لله جل جلاله).
طبعا هذه الثقافة وهذه الفكرة لا تقتصر على هذا الصديق، بل هي ثقافة أكثر من ملياري مسلم ومع حساب الاجيال الماضية سيكون العدد فلكيا.
وسائل التواصل والكتب والبرامج تشد حزامها كل سنة عبر المشايخ والمتفيقهين وحتى العامة لتكريس فكرة (ان عاشوراء يوم فرح وسرور، يستحب صيامه على أساس ان الله سبحانه وتعالى دل نبي الله موسى عليه السلام وانتهت فيه محنة التيه، وهي قضية باطلة لا اساس لها مطلقا، اخترعها بنو أمية ومن سار على نهجهم).
المحزن في الامر، ان هذه الكتلة البشرية العظيمة مصرة على عدم التأمل ولو دقيقة واحدة، لتسأل نفسها: هل كان لرسول الله صلى عليه وآله حفيد اسمه الحسين، فإذا كان نعم، فمن قتله، وكيف قتل، وفي اي يوم قتل، ولأي شيء قتل، وهل يجوز ان يتحول يوم قتله الى يوم فرح وسرور، وهل يحتمل ان رسول الله سيعاتبكم يوما ما، ويقول لكم لماذا تعلنون الفرح والسرور في يوم مقتل احبتي واهل بيتي، هل انتم شامتون بي وكارهون لاهل بيتي؟
ربما في أزمنة الضلال والدعاية وشحة وسائل البحث والوصول إلى الحقائق هناك مقدار من العذر، ولكن ماذا يقول هذا العالم لنفسه ويعتذر وكل المصادر بين يديه والحقائق متاحة، ويستطيع ان يبحث من خلال هاتفه وهو جالس محله بدون ادنى جهد.
المشكلة، ان هؤلاء المحتفلين لا يكفون عن التشنيع والانتقاص من اتباع اهل البيت الذين يحيون هذه الايام بالحزن والبكاء، فتجدهم كالببغاء يعيدون كلمة بدعة وضلالة، دون أن يسألوا أنفسهم: من المبتدع والضال حقيقة، هل من يفرح ويحتفل بيوم قتل الحسين بن فاطمة حبيبة رسول الله أم من يندبه ويتفجع له!!
لا اطلب من هذه الكتلة البشرية ان تلطم او تقيم العزاء او تطبخ الطعام او تأتي إلى كربلاء او تلبس السواد، بل اطلب منها ان تحترم رسول الله صلى عليه واله وسلم في يوم فجيعته، ويواسونه ببعض الحزن والسلوك الدال على ذلك بدل اعلان الفرح والسرور والابتشار، وليكن ذلك مقدمة للبحث عن الحقيقة المغيبة..