
هي مهمة لن يحسدك أو يغبطك أحد عليها أن تكون إعلامياً في تيار المستقبل. أن تضطر عند كتابة مقالك إلى التخلي عن عقلك ومنطقك، فتركنهما جانباً، لتمارس مهمتك في تشويه الحقيقة والتغطية عليها، كرمى لعين مسؤول داخلي أو آخر خارجي.
صعب جداً أن تمارس دور الغراب الذي يريد تقليد مشي الحجلة، فلا تبقى غراباً ولا تصير حجلة. فإذا بك تسير ورجلٌ إلى الأمام وأخرى إلى الخلف، ولا يطول بك الوقت حتى تصبح مضروباً على رأسك وقد تحولت بعد الغراب والحجلة إلى ببغاء تردد ما أُريد لها أن تردد.
أن تكون إعلامياً في تيار المستقبل معناه أن يتم تعريضك لعملية غسيل دماغ أين منها عملية غسيل السيارة بعد سيرها في الوحل والقمامة! الغسل هنا لا يكون بالماء، إنما بما هو أشد منه في إزالة ما رسخ في الدماغ من أفكار سابقة، لأن المادة الفعالة في عملية التنظيف هنا مادة مجربة وثابتٌ تأثيرها على مغسولي العقول، قصدت بها الدولار الأميركي.
ليس سهلاً أن تتحول إلى إعلاميّ في تيار المستقبل، إذ ليس من السهل أن تخلع عند باب التيار ما لديك من منطق، وما في دماغك من يقين، وتستبدلهما وقد تجاوزت الباب بما يتم تزويدك به من آليات عمل ووسائل كتابة مزيفة، فتجلس في حجرتك لتمارس التضليل الإعلامي وتشويه الحقيقة.
أما وقد صرت الآن إعلامياً لدى تيار المستقبل، فإليك بعض النصائح: لا تنزعج إذا طُلب منك الكتابة في أمور أنت غير مؤمن بها، أو غير مصدق لوقائعها، أو لديك رأي آخر حولها، خاصة إذا جاءتك هذه الطلبات والتوجيهات من أشخاص تعلم أنت أنك أكثر منهم فهماً للأمور والوقائع، وأمهر منهم في تحليلها والبناء عليها. لا تغضب إذا مررت بقوم من زملائك ورأيت الشفاه تتحرك بكلمات مترافقة مع بسمات ساخرة هازئة على النهاية التي وصلتَ إليها. لا ترجع إلى ضميرك مساءً، لأنك إن فعلتَ ستستيقظ وقد عزمت على الابتعاد عن تيار المستقبل ابتعادك عن مكان موبوء تسرح وتمرح فيه الجراثيم الفكرية. وأخيراً: لا تتخلّ عن نظارتك السوداء التي تخفي عنك أن الشمس مشرقةٌ لكنك لستَ تراها.