د. نعمه العبادي- العراق
ملاحظة: استطردنا انا واحد الاحبة في حديث عن احوالنا وجاء في السياق ما سوف اتحدث عنه، فطلب مني برجاء ان اكتب هذا، وان تكون الكتابة بلغة مبسطة جدا مع خليط من اللهجة الدارجة.. ارجو ان اوفق لايصال المطلب بلغة مفهومة للجميع..
يوجد حديث يتناقل معظم الناس بقصد وبدون قصد، يستفهم عن القصة، وليش اوضاعنه الاجتماعية والاخلاقية وسلوك معظم المعظم صار بهذا الشكل، وليش الاجيال كلما تقدمت تنتكس وتتراجع القضايا الاخلاقية والتربوية، ودائما تصير مقارنات مع الماضي ووضع الماضي، وليش العيب صار قليل والممنوع صغر كثير وتبدلت كل احوالنا؟
معظم الناس وحتى المثقفين واصحاب الشهادات يسولفون عن القيم، ويكررون كلمة القيم لكن المعظم ما يعرف هي شنو القيم ومن اين تتكون، وما وظيفتها في حياة الناس، وهل هي ثابتة او متغيرة؟
ببساطة اشبه إلكم القيم بالاوزان او العيارات اللي يستعملهن صاحب المحل وبايع الخضرة او اي واحد يستعمل وحدات للتعيير.. فالقيم وحدات للقياس والضبط، ومثل ما البقال والبايع يستخدم اوزان جاهزة وهو ما يعرف شلون صارت وليش صار هاي الاوزان ولكن يعرف ويدرك الكيلو الناقص والزائد والتمام، كذلك معظم الناس تطبق القيم وتوزن بيها وهي ما تعرف خلفياتها وكيف صارت بهذا الوضع..
مثلما كانت هنا رؤى نظرية اعتمد عليها تحديد وحدات القياس، فكذلك التصورات الاخلاقية والتربوية والعقائدية حدد اوزان القيم، وعلى اساسها حددت المسموح والممنوع والمقبول والصحيح والخطأ والاخلاقي وغير الاخلاقي..
طيب شنو اللي صار.. هل الناس صارت تتسامح بالاوزان والعيارات بحيث تسمي الكيلو الناقص ب كليو تمام، الجواب، فالنقص يبان ويتحسس منه الناس.. اذن ما الذي حصل بالضبط؟
اللي صار، ان الجماعة لعبوا بالاعدادات، وذهبوا الى التصورات الاخلاقية والتربوية والعقائدية وابدلوا النظرة تجاهها من خلال عمل منظم تحت لافتات الحداثة والتطور والانفتاح والحرية ومصطلحات مشابهة، والذي انتج لنا اوزان اصغر بحيث تم التسامح مع احجام القيم وصارت رسميا من المعمل اقل من نصف وزنها الحقيقي، لذلك من يوزن بيها الناس يشوفنها متطابقة، بمعنى اذا ارادوا ان يحكموا على فعل او قول معين عيب لو مو عيب ماذا يفعلون؟
يجيبون الوزن القيمي لقياس العيب فيظهر تلقائيا انه مو عيب وانه مطابق للوزن الرسمي، لكن الحقيقة هو ليس مطابق للوزن الاصلي.. بس صار تسامح بحجم وزن القيم وتم انقاصها وتصغير حجمها… لذلك يتعاطى الناس مع هذا السلوك وكأنه سلوك عادي وطبعي ومقبول.
السالفة الثانية وهي عن تعاملنا مع هذي التكنلوجيا وادواتها واللي جاي يصير بنا من مصائب من وراها… ببساطة حالنا معها مثل حال مجموعة من الناس صاعدين بطائرة وتم إلقائهم في الفضاء الكبير دفعة وتم تزويد كل منهم بمظلة برشوت لكن هؤلاء لم يتدربوا من قبل على استخدام المظلة، ولم يجربوها من قبل، لذلك صارن عالحظ، واحد حالفه الحظ او حاول ان يعمل عقله وانفتح به المظلة ونزل سالم، وواحد خنقه حبل المظلة وقتله وهو بالهواء، وواحد سقط على الارض والمظلة ما مفتوحة وتكسرت عظامه وواحد مظلته انفتحت عالنص وهكذا.. المهم انهم جميعا إلقيو في الفضاء بدون تدريب ولا تفهيم ولا ارشاد، فهناك من تعلم ونجح وهو وسط التجربة وهناك من قتلته مظلته…
السالفة الثالثة: تتعلق باللغة وما يتواصل به الناس فيما بينهم، لعل معظمكم ما سامع باللغة العارية او المتعرية.. يجري الان عمليا في ارض الواقع استعمال لغة ايحائية عارية يفهم رموزها المرسل والمستلم والكل فرحان ومكيف بيها، وتسمع لحن الحديث بوضوح دون الحاجة إلى تصريح.. فممكن يستكمل شخصين يتحدثون بالعلن عملية جنسية كاملة بينهم عبر السوالف والحديث والاشارات والرموز.. اللغة تتعرى بشكل تلقائي وهناك قبول شبه جماعي لها، بل ان هذه اللغة الايحائية اكثر اثارة من اللغة المباشرة، وهنا اتحدث بالذات عن متحدثين لاتربطهم صلة تسمح لهم بهذا الحديث، لكن مع كل هذا يتم تداولها بطريقة منظمة.. وهذا توسعت الاستعارات والتمثلات التي تشعرك عندما تركز عليها انك تشاهد فلما اباحيا كاملا… بعض الناس لسذاجتهم يستعملون الفاظ مباشرة يمكن ان تحمل دلالة مخالفة لما يقصدون.. فيصيدها مستمع ويعيد ايحائها بطريقة تجعلها لغة عارية… وهذا الموضوع يوجد عمل منظم عليه.. ففكرة الايحاء تقوم عليها شركات الاعلانات ومنج الاستهلاك وهو يمارس الايحاء بكل شيء.. لذلك اذا تركز على صورة وشكل الكثير من الاشياء تلاحظها تحمل بطياتها الكثير من الايحاء…
السالفة الاخيرة: ان هناك تقاعس وتراجع لمنظومات الضبط اللي كانت تحرس القيم وتدافع عنها، الاسرة والبيت عموما والمنطقة والرفقة والمدرسة والمسجد والنخبة.. كل هؤلاء ذهبوا الى ادوار غير ادوارهم وتركوا دورهم الاهم في الدفاع عن القيم… الاخطر بالمسألة يكاد يختفي المثل الاعلى والقدوة.. بحيث صار الاقزام خلقيا وتربويا وعقائديا قدوات في المجتمع….
لا اعين نفسي قيما او وصيا او اي وظيفة تلزم الناس بشيء.. هو حديث من القلب وحسب..
اعتذر من القاريء الذي تصعب عليه بعض المفردات المحلية العراقية…