سليم عبود
وأنا أتهيأ للقاء السيد الرئيس في تلك القاعة الواسعة التي تختزن تاريخ الحياة السياسية في سورية منذ الاستقلال إلى زمن التطوير والتحديث. .
كنت بحاجة إلى كثير من الهدوء ،والتركيز,,
لأواصل تقدمي في حقول الجمل والأفكار التي راحت تتفتح في مشاعري
كان بيني وبين الرئيس بشار الأسد مسافة خطوات قليلة.
سألني زميل يقف أمامي:
ما الذي ستقوله للرئيس?
ابتسمت له فقط..
كان السؤال نفسه يدور في رأسي:
ما الذي سأقوله للرئيس ?!
الى لحظات كان في رأسي ألف مجلد من الكلمات، والخطب، والأفكار ..
كنت أشعر أن رأسي يتحول إلى ملعب كبير ،
تتراكض فيه الكلمات، والأفكار، والأزمنة، والتاريخ ، والعواطف ، والأسئلة ..
عاد صوت زميلي يمشي في رأسي:
بماذا تفكر?
لم أجبه ..
بقيت منشغلا بترتيب أفكاري الكثيرة التي رفضت أن تنتظم في الدور..
بدا الحديث عن الثقافة والمثقفين مغريا لي. .وربما هو مايجب أن اتحدث عنه، فالواقع الثقافي ينهار، والإعلامي ينهار، والحزبي موجع..
السيد الرئيس في خطاب له على مدرج جامعة دمشق ،
أشار إلى مسألة وقع فيها المثقفون العرب وقليلون هم الذين تنبهوا إلى ما تعنيه تلك المصطلحات التي يريد أن يسوقها الغرب لتصبح جزءا من قناعاتنا الفكرية والثقافية ورؤيتنا السياسية.
ظلت الأفكار تتزاحم..
في مثل تلك الحالة يصير التزاحم أكثر من حالة لغوية حادة في محاولة لخلق لغة جديدة بين الإنسان وأفكاره, وعندما يريد أن يحرر نفسه من هذه الحالة يبدأ بإعفاء بعض الأفكار من مهماتها لبعض الوقت.
كان لدي اقتناع أن الوقت لن يسمح لي بقول كل ما يدور في رأسي.
راح دوري لمصافحة الرئيس يقترب ،…
خطوتان… أو ثلاث خطوات..
وأصبح أمام الرئيس وجها لوجه.
سريعا..
رحت أبحث بين أغمار أفكاري وعلى رفوف الذاكرة عن كلمات وأفكار أخرى, خطر لي أن أقول:
يا سيادة الرئيس نحن مطمئنون في سورية على مستقبلنا العروبي،
وأنه لن يكون ثمة مساومة على المقاومة في لبنان وعلى العراق وفلسطين ومطمئنون على الجولان والأقصى والقدس وعلى كل حبة تراب في الوطن الواسع, سمعتك تقول من على مدرج جامعة دمشق:
" لو كان هناك مساومة على الانتفاضة ،
لو كان هناك مساومة على استقلال العراق ،
وعلى كرامة أمتنا ،
لما كان لنا أي مشكلة مع هؤلاء ،
ولما تحدثوا عن خطأ في التقدير هنا أو هناك,
لو أخطأت سورية لما هاجموها.
مشكلة سورية كانت وستظل مع أعدائها في خصوصيتها القومية والوطنية ،
في هذا الانتماء المتأجج دائما والمناهض للمؤامرة والرافض لأية مساومة على الثوابت..
ومشكلة البعض مع سورية ومشكلة سورية معهم هو انتماؤها القومي العربي ."
"دورك. " كانت عينا الواقف إلى القرب منا تقول
وجدت نفسي وجها لوجه أمام السيد الرئيس ،
راحت أصابعي تحتضن أصابعه.
تلك الشفافية النقية في نظراته أربكتني,,
وفي الوقت نفسه ،
تغريني للحديث طويلا وطويلا متجاوزا كل تلك المنعطفات اللغوية والفكرية التي كانت تواجهني في تلك اللحظات،
كان علي أن أقول شيئا,
أي شيء ينسجم مع عظمة هذا القائد.
اتسعت ابتسامته..رحت أتحدث ببساطة طفل يتعود نطق الكلمات,
أمام الرئيس..
تشعر للكلمات أجنحة وردية بالرغم من ارتباكها
.. لكنها تظل في متفتحة ..
لتواصل هطولها الفرح.
ملاحظة..
من مقال نشر في صحيفة الثورة عام 2007 ..
بعد لقاء مع السيد الرئيس بشار الأسد .