هو فخري بن محمود بن محمد حسن بن محمد الظاهر الملقب بالبارودي، أحد الشخصيات الوطنية البارزة في تاريخ سورية الحديث وأديب وشاعر، كان جدَّه الأعلى ظاهر العمر (1106- 1196هـ) حاكم صفد وما يليها، وامتد نفوذه إلى صيدا وعكا ومناطق واسعة من فلسطين ولبنان في الربع الثالث من القرن الثامن عشر، وقد تمرَّد على الدولة العثمانية إلى أن قتل غيلة. وعلى الأثر لجأ ابنه محمد ظاهر جد فخري البارودي إلى دمشق ووجد عملاً في مصنع للبارود أورثه وأسرته لقب البارودي.
أبصر فخري البارودي النور في دمشق عام 1886، ونشأ يحيط به الدّلال والترف. وأرسل إلى «الخجا» وهي معلّمة في المرحلة الابتدائية التحضيرية علّمته القرآن الكريم، ولما بلغ العاشرة من العمر أدخله والده المدرسة العازارية ثم المدرسة الريحانية، واستقر أخيراً في مكتب عنبر الثانوية الوحيدة في دمشق يومئذٍ.
نال شهادته عام 1908م وهو العام الذي قامت فيه جمعية الاتحاد والترقي بانقلابها على السلطان عبد الحميد الثاني، وهنا بدأت رحلة نضاله، فانضم إلى حلقة الشيخ طاهر الجزائري الوطنية، وصار يخطب في كل حفل داعياً إلى يقظة العرب وحرّيتهم، ثم أصدر جريدة شعبية ساخرة سماها «حطّ بالخُرْج» كان هدفها الأول نقد أوضاع البلاد وبعث الشعور القومي.
سافر البارودي عقب ذلك إلى فرنسا لمتابعة دراسته، غير أن والده غضب عليه وأرغمه على العودة إلى دمشق للإشراف على أراضيه الزراعية، وقد التحق البارودي بالثورة العربية الكبرى عام 1916م. وعيّنه الشريف حسين ضابطاً مرافقاً لابنه الملك فيصل عند دخوله إلى دمشق.
كان فخري البارودي من أوائل المشاركين في مقاومة الاحتلال الفرنسي لسورية، فشارك في معركة ميسلون (24 تموز1920م) ومارس نشاطاً كبيراً في التحريض على الثورة وكان يستقبل الثوار في بيته وينظّم الاجتماعات المؤيدة لهم، فاعتقله الفرنسيون في سجن قلعة دمشق وحوكم ثم أُفرج عنه. ولما زادت الأوضاع السياسية سوءاً، اعتقل البارودي ثانية مع عدد من رجال الكتلة الوطنية ونفي إلى مدينة الحسكة في شمال سورية، فعمت الاضطرابات المدن السورية في مطلع عام 1936م ولاسيما دمشق التي أضربت إضراباً شاملاً استمر ستين يوماً. وحدثت صدامات دامية، وكان من نتائجها اضطرار فرنسا إلى الإفراج عن البارودي وسائر المعتقلين، وحين أعلنت عودته، خرجت دمشق لاستقباله والترحيب به، وحُمِل على الأكتاف إلى بيته.
وكان تأسيسه فرقة القمصان الحديدية عام 1936م من أبرز أعماله، وكانت على غرار منظمات الفتوة العسكرية في العالم، أُريد لها أن تكون دعامة الجيش السوري المقبل. وكانت تدريبات هذه الفرقة تجري في شوارع دمشق وتقابل بالترحيب والهتاف. ومن مآثر البارودي دعوته إلى «مشروع الفرنك» الذي يقضي بأن يدفع كل مواطن فرنكاً سورياً واحداً (خمسة قروش) كل شهر، يُنفق في سبيل الدعاية للقضية العربية في الخارج، وقد توقف هذا المشروع عام 1936م، وكان من أعماله البارزة الأخرى دعوته إلى مقاطعة البضائع الأجنبية مقاطعة تامة.
ومع بداية الحرب العالمية الثانية في أيلول 1939م، اتهمته السلطة الفرنسية بحيازة السلاح ومساعدة الثوار، فلجأ إلى الأردن، خشية اعتقاله للمرة الثالثة، وظل فيها مدة سنتين عانى فيهما الفقر والجوع والتشرّد ثم عاد إلى دمشق.
وقد وجه البارودي، بعد الاستقلال، عنايته إلى إحياء التراث الموسيقي العربي وجمعه وتدوينه. وعني عناية خاصة برقص السماح والموشح، وأشرف على تأليف فرق فنية لهذه الغاية واختار لها الشعر المناسب والألحان الموسيقية.
كان فخري البارودي متعدد المواهب، يقف وراء كل مشروع وطني أو قومي، تملأ الحماسة صدره، فهو دائماً وطني متطرّف، ثائر ومجاهد، اشتهر بلقب «زعيم الشباب» وكان أديباً شاعراً، وله ديوانان من الشعر المقبول. ونظم عدداً من الأناشيد الوطنية والحماسية الذائعة الصّيت منها نشيد( بلاد العرب أوطاني)، ونشيد (سورية يا ذات المجد)
وكان معروفاً بحبه للمرح والدعابة وكان منزله منتدى يلتقي فيه ظرفاء الشام وأدباؤها، وكانت مكتبته قيمة تشتمل على الكثير من الكتب والمخطوطات وأكثرها في الموسيقا وقد أتت عليها النار في حوادث 18 تموز سنة 1963م.
ترك فخري البارودي عدداً من المؤلفات أهمها:
ـ تاريخ يتكلم (ديوان شعرـ1960م)
ـ قلب يتكلم (ديوان شعرـ1962م)
ـ ستون سنة تتكلم (مذكرات ـ 1951م)
ـ مذكرات شرطي (1938م)
ـ فصل الخطاب بين السّفور والحجاب (كراس ـ 1924م).
كما حقق «كتاب الطبيخ» من تأليف محمد بن الحسين بن محمد الكاتب البغدادي.
وفي الثاني من أيار1966 رحل البارودي إلى جوار ربّه، وشيّعته دمشق إلى مثواه الأخير تشييعاً يليق به .
إعداد : محمد عزوز