مازلت أذكر تلك المرحلة من العمر، بداية المراهقة، ونهاية الطفولة، هذه المرة اتتني الذاكرة من حيث لم انتظرها، أتت من اسم شهيد ما إن قرأت اسمه حتى تيقنت أنه هو..هو.. وليس تشابه أسماء، إنه هو ..هو ..ذاك الفتى الغيور على أصدقائه، بطوله الفارع وبياض وجهه، ونخوة الرجولة التي كان يتمتع بها، منذ طفولته كان رجل، أذكر يوماً كان يتعارك مع شاب أكبر منه وأضخم، سألته لما تتعارك مع شاب متفوق عليك جسدياً، ألا تخشى أن يتغلب عليك، فقال"أنه يضايق فتاه في الطريق فهل أتركه يتغلب عليها ويحرجها أم أردعه حتى ولو تغلب علي".
هذا هو رامز عكاري الشهيد، إنه صديق طفولتي، جمعنا حي في مدينة حمص التي لم أسكنها منذ 18 سنة، ومازالت تسكنني، بكل شوارعها، بكل تلك المرحلة العزيزة من العمر .
هذه المرة قرأت اسمه على شاشات التلفاز، لم تتغير طباعه رغم كل تلك السنوات، يدفع نفسه للموت بسبب غيرته على أهل بلده، لم يكن مغروماً بالسياسة، ولا متعصباً لأي شيء، ولا منتمياً لأي طرف، بل كان رجلاً لا يسكت على ضيم، هذا هو الشهيد رامز عكاري ابن مدينة حمص .
عندما سمعت اسمه اتصلت على الفور بحمص لأتأكد مما سمعت، وأنا على قناعة أنه هو وليس تشابه أسماء، فقبل أن أسال أخي عنه قال لي صديق طفولتك استشهد، هل تذكره استشهد بطلاً لم يتردد لحظة واحده بأن يذهب فوراً الى حي باب السباع المجاور لحينا، فور سماعه أن مجموعة ترفع علم اسرائيل، ذهب عاري الصدر متصدياً لرفع علم العدو في سماء بلادنا، رغم علمه بوجود مسلحين سدوا الطرق بالأسلاك الشائكة والإطارات المشتعله، والأنكى أنهم بنوا جدراناً سدت مداخل الطرق الرئيسية لباب السباع، ليعلنوها إمارة إسلامية بعلم اسرائيلي، والاسم "ثورة"، لكن هيهات أن يردعونا عن التصدي لهم تحت أي شكل من الأشكال، لن يخيفنا تبجحهم ولا ادعاءهم وسنتصدى لهم كما فعل الشهيد رامز عكاري الذي لم تخفه عناوينهم ولا جبنهم، بل صعد الى السطح وأنزل علم العدو وصرخ في وجههم أيها الخونة لن يرفع علم اسرائيل في سورية، مزق العلم، وسقط شهيداً بطلقة قناص أطلقها أحد الجبناء، نال الشهادة دفاعاً عن الوطن، هذا ما حدث لصديق طفولتي الذي لم أره منذ أعوام طويلة ..طويله، لم أكن أتوقع أن أجتمع به على صفحات النت لأقول له رحمة الله عليك أيها الشهيد، ولأردد صوتك عالياً، "لن يرفع علم اسرائيل في سوريا ورجالها ونسائها على وجه الارض".
ابراهيم كامل حمدان- مديرية الاعلام الوطني – القلم