كشفت معلومات استخباراتية أن مجموعة مسلحة تكفيرية تنفذ تدريبات ميدانية في الشمال، تمهيداً لمهاجمة إحدى القرى، وخطف مجموعة من المدنيين، للتفاوض مع الحكومة اللبنانية من أجل إطلاق سراح سجناء اسلاميين في روميه
أربع بؤر تقلق الجمهورية اللبنانية، بحسب بعض أركانها المطلعين على أحوالها. أولاً جرود عرسال ومناطق انتشار المسلحين المعارضين للسلطات السورية هناك غرب القلمون. ثانياً نقاط تجمع المسلحين أنفسهم في الشمال، بين بعض أحياء طرابلس وبعض المخابئ العكارية. ثالثاً مخيم عين الحلوة، ورابعاً سجن روميه. ويشرح المطلعون أن عرسال باتت تحت الضوء. وهو أمر كاف للتخفيف من خطرها. خصوصاً في ظل التعاون الميداني الواضح لمعالجة تلك البؤرة، بين الجيشين اللبناني والسوري، كما بين حزب الله والقوى السياسية السنية. مفارقتان لا يحكى عنهما الكثير في الإعلام. غير أن دقة الوضع الناتج عن الخطر الداعشي في المنطقة، فرضتهما على الأرض رغم كل التناقضات والتباينات والحسابات المختلفة.
في عين الحلوة، يتابع المطلعون أنفسهم، الخطر نفسه. لكن حجمه أصغر. فأعداد المجموعات التكفيرية داخل المخيم أقل مما هي عليه قبالة عرسال.
نطاقها الجغرافي محدود لا بل محاصر ومضبوط. فضلاً عن وجود فسحات لا بأس بها داخل المخيم، لحركة القوى الأمنية والعسكرية اللبنانية، كما للقوى الفلسطينية المتعاونة معها. وهو ما ترجم أخيراً بالخطة الأمنية التي طبقت في عاصمة الشتات الفلسطيني في لبنان. لكن يبقى عاملان أساسيان في قراءة مشهد عين الحلوة ورصده ومتابعته. أولاً احتفاظ سلطة أبو مازن بنفوذ راجح داخل المخيم، يشكل عنصر ضبط وسيطرة. وثانياً، اندلاع المعارك في قطاع غزة، بما يحرف أنظار التكفيريين داخل المخيم عن أجنداتهم الخاصة، ويركز الاهتمام على نتائج المعركة في القطاع المحاصر. عاملان مترابطان ومتفاعلان إلى حد كبير، ويحددان مستقبل الوضع الأمني في عين الحلوة. ففي ضوء نتيجة معركة غزة، قد تتحدد علاقة سلطات رام الله بالقوى الفلسطينية الأخرى. علاقة تنعكس مباشرة على أرض عين الحلوة. كما تتحدد الأولويات المقبلة للقوى التكفيرية وأهدافها واساليب عملها لتحقيقها، وخصوصاً مدى إمكانية استخدام المخيم في هذا السياق أو عدمه.
في الشمال تدور حرب مخابراتية شرسة بين الدولة اللبنانية والتكفيريين. في محصلتها يبدو أن الأجهزة الأمنية قد حققت نقاطاً مهمة جداً لمصلحتها. غير أنها كلما اقتربت من حسم العقول المدبرة وشارفت قطع رؤوس الإرهاب، اثيرت في وجهها الذرائع المذهبية والفتنوية، وصولاً إلى تهديد السلم الأهلي وتفجير الوضع الشمالي برمته. ما يدفع بالأجهزة الرسمية أكثر من مرة إلى فرملة اندفاعتها وإبطاء استثمارها لإنجازاتها المخابراتية. ويعطي المطلعون مثالاً دقيقاً على تلك المفارقات، ما جرى بعد إلقاء القبض على أحد أبرز محركي المجموعات الإرهابية في الشمال، خالد محمود الملقب بـ «أبو عبيدة»، نهاية حزيران الماضي. فالموقوف شكل كنزاً معلوماتياً حول عمل الإرهابيين وشبكاتهم المختلفة، من التجنيد إلى التنفيذ، مروراً بالتجهيز والتخطيط. ونتيجة توقيفه تمكنت الأجهزة من استباق وقوع بعض العمليات، كما من اكتشاف بعض مخازن المتفجرات المعدّة لذلك. غير أن الأهم، أن التحقيقات معه أدت إلى اكتشاف خيوط معلوماتية واضحة، تؤدي إلى توريط عدد من كبار الرؤوس والأسماء الشمالية. بينهم مدنيون، كما آخرون ممن يحملون صفات غير زمنية. عندها استنفر البعض وتحرك وهوّل بالتصعيد إن لم يتم الإفراج عن بعض المشتبه فيهم. كأنما الهدف هو الضغط على الأجهزة الأمنية لقطع سلسلة الملاحقة عند مستوى معين ومنع متابعتها إلى مختلف فروعها. وهو ما يبدو أنه حصل، ولو موقتاً.
تبقى بؤرة سجن روميه. هناك، كما كشف وزير الخارجية جبران باسيل قبل يومين، تكمن إحدى غرف القيادة للمجموعات الإرهابية. أجهزة اتصال وإنترنت وتسهيلات كاملة، إما نتيجة العجز وإما نتيجة عوامل أخرى. حتى أن باسيل تحدث عن تقصير رسمي فاضح، بلغ حد وجود مراسلات رسمية تكرس هذه التسهيلات للقيادة الإرهابية في روميه. كل ذلك في ظل غياب اي رؤية رسمية أو قرار حكومي على اي مستوى كان، حيال كيفية معالجة تلك البؤرة.
غير أن معطى آخر استجد قبل ايام، ربط بين بؤرتي روميه والشمال. وهو قد يهدد بتبديل المشهد وفرض امر واقع جديد على الدولة اللبنانية. إذ يكشف سياسيون موثوقون وعلى قدر كبير جداً من المسؤولية، أنه قبل نحو عشرة ايام، نقلت دولة أوروبية كبرى معلومات مخابراتية إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية، مفادها أن مجموعة مسلحة تكفيرية، تنفذ تدريبات ميدانية لها في منطقة وادي جهنم في الشمال. وأن عددها يقدر بنحو مئة مسلح. وأنها تستعد لمهاجمة إحدى القرى الشمالية، وخطف مجموعة كبيرة من المدنيين العزّل، ومن ثم نقلهم إلى قاعدة خلفية آمنة للتكفيريين، لبدء عملية تفاوض مع الحكومة اللبنانية من أجل إطلاق سراح رفاق الخاطفين من سجناء روميه. وذلك تحت طائلة التصفية التدريجية والإرهابية للرهائن. وفيما كانت المعلومة الأمنية الأوروبية تصل إلى بيروت، كان سكان شماليون قريبون من المنطقة المحددة في «الإخبارية»، يفيدون عن سماعهم إطلاق نار قريب في شكل متقطّع وعلى مدى أيام عدة. غير أن اللافت، بحسب السياسيين المطلعين على تفاصيل الملف، أن بعض القوى الرسمية تعامل ببطء، إن لم يكن بخفّة، مع الموضوع. فلم تتحرك الدوريات الرسمية في اتجاه النقطة المحددة إلا بعد شيوع الخبر وحتى إمكان تسربه. لتعود بنتيجة سلبية. غير أن قيادة الجيش لم تتساهل حيال الأمر. فعمدت طيلة الأيام الماضية إلى تسيير دوريات وتمشيط المنطقة ورصدها جوياً بشكل دائم، تحسباً لأي حادث. أكثر من ذلك، يكشف السياسيون أنفسهم، أن استعدادات ميدانية اتخذت في أكثر من نقطة حساسة، لحماية الأهداف المحتملة لعملية إرهابية كهذه. وهو ما لقي إجماعاً وتعاوناً من قوى سياسية متناقضة الاصطفافات. وذلك تحسساً منها بخطورة الموقف ودقته…
لا داعي للهلع والذعر، يؤكد المطلعون. فالقدرات الرسمية والوطنية أكبر بكثير من أي خطر إرهابي. لكن يبقى المطلوب جهوزية رسمية ووطنية كاملة على مستوى القرار بالتصدي لهؤلاء، وعدم مراعاة أي اعتبار من أي نوع، تحت طائلة وقوع الكارثة.