يمكننا وصف الزمن الراهن بـ«الزمن العصيب..»
أو بـ«الزمن الرديء»
إن الحديث عن الواقع، ليس في أساسه حالة تشاؤمية،
وإنما محاولة للتيقظ، ولمواجهته..
فالمناخ الذي يسود عالمنا العربي، تفوح منه رائحة الدم، والعهر السياسي .. والتكفير، والوحشية، والإجرام بكل أشكاله، وهو أمر يدفع بكثيرين في الشارع العربي، إلى التشاؤم، ومراقبة مايجري في غزة، وسورية، والعراق.. بوجع حقيقي، وربما إلى التشكيك بانتماءات كبرى ظلت مقدسة قروناً، وبثوابت وطنية وقومية وأحيانا إلى التساؤل بعصبية:
«أين الغضب العربي؟
أين ردود الفعل القومية؟
حقيقة… الأسئلة كثيرة، وصادمة….
ومن أبرزها:
كيف يقرأ المواطن العربي مايجري في غزة، ولماذا الأنظمة العربية صامتة صمت الموتى، إن لم نقل إن هذه الأنظمة شريكة بسفك دماء أهل غزة، وبدماء العرب والمسلمين في المناطق التي أطلقوا فيها وحوشهم من جماعات النصرة وداعش، ومئات الفصائل الأخرى التي لاتقل خطورتها عن خطورة الكيان الصهيوني.؟!
إن الحركات الإجرامية في سورية والعراق وليبيا واليمن، التي تقتل، وتذبح، وتقطع رؤوس العسكريين والمدنيين.. وتدمر الكنائس، والأضرحة، وتهجر المسيحيين، وتبثها عبر شاشات التلفزة، ووسائل الاتصال، وبدعم، وتسليح، واحتضان إعلامي وسياسي من الأنظمة العربية، ومن الكيان الصهيوني، تتوازى في الفعل والزمن والأهداف مع الأعمال الإجرامية التي تجري في غزة.. وتشكل مقدمة لها، وأكثر من ذلك، أن هذه الحركات التي تضع نفسها تحت عنوان الحركات الإسلامية، لم تحرك ساكنا تجاه مايجري في غزة، أو لمساندة من يطلقون على أنفسهم حركات إسلامية في غزة.
إن كل هذا الدم الذي يسفك في غزة، والعراق، وسورية.. هو دم عربي، وأن كل القدرات التي تدمر هي قدرات عربية،
وكانت طاقة كبيرة في مواجهة الخطر الصهيوني..
لهذا نقول إن مايجري في سورية والعراق ليس بمعزل عما يجري في غزة.
إن أي محاولة لإعادة الروح في هذا الزمن العصيب، إلى قناعات الكثيرين بأن العروبة بخير.. والقومية بخير.. وأن العدو الصهيوني سيندحر في النهاية..
ليست مسألة سهلة، لكن الصمود العراقي والسوري،
ونجاح حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، مازال يمنحنا كثيرا من التماسك النفسي والمعنوي.. لمواجهة هذا التخاذل الكبير..
أو بالأحرى هذا التآمر القذر للأنظمة العربية.. الذي يصب في سياق تدمير الروح المعنوية للناس، والوصول بهم إلى الهزيمة النفسية، عبر فلسفة خلفياتها أميركية صهيونية.. يطلق عليها «فلسفة الرعب»
أو فلسفة «الخواء النفسي».. وتهدف إلى تحطيم الروح المعنوية للخصم, أي للعرب..
وتطبقها اليوم الحركتان «الإخوانية والوهابية الصهيونيتين».. اللتان تمثلان الأرضية الفكرية لجماعات القتل، التي تذبح، وتقتل وتغتصب..
وأفعالها، تتقاطع مع أفعال العدو «الإسرائيلي الإجرامية في غزة..
لتحطيم الروح المعنوية للعرب والمسلمين بأساليب وأشكال عديدة.
وتعتبر وسائل الإعلام..
وخاصة التلفزيون من أخطر الأسلحة التي تستعمل ضد العرب، عندما ينشر التكفيريون كيف يقطعون الرؤوس في العراق وسورية..
وعندما يطلقون التهديد والوعيد، وبخطاب دموي.. وطائفي، ومذهبي، وتكفيري، فهم يهدفون إلى ترويع الناس، وإخافتهم، وهزيمتهم نفسيا، وتحطيم قناعاتهم بانتماءاتهم المقدسة، الوطنية والدينية، وهذا من أخطر مايمارس اليوم على العرب.
إن الانسياق في تياراتها، أو تمرير الرعب إلى نفوسنا ونفوس الآخرين من حولنا هو تمرير للمؤامرة .. لذا يتطلب الوعي الكبير للمواجهة..
وهنا أتوجه إلى المثقفين ووسائل الإعلام، ورجال التربية، والدين، بضرورة الوقوف في وجه هذا المخطط الخطير الذي يستهدف عقول الناس قبل أجسادها.
يقول دبلوماسي أميركي:
«إن مافعله التلفزيون في البنية الفكرية والثقافية والاجتماعية والوطنية، من تغيير يصب في مصلحة الغرب، وإسرائيل، لم تستطع كل جيوش هذا الغرب فعله، وخاصة في هذه المرحلة التي تحول فيها الصراع بين العرب والمسلمين إلى صراعات مذهبية وعرقية، لقد عملنا منذ عقود على تدريب حلفائنا في المنطقة على استعمال هذا السلاح التدميري للعقل والفكر والبنى التي قام عليها تماسك أبناء المنطقة تاريخيا، ونجحنا، وعلينا الوصول بالمنطقة إلى مرحلة تحطيم ماكان يسمى بالصخرة القومية التي كانت تمنع أختراقها.. لقد وجدنا الوسيلة التي تساعدنا على تفكيكها.. الإعلام… والتمزيق الديني والقومي
·
صحيفة الثورة …. ..
القلم …
الأحد 3-8-2014
سليم عبود
.