ترصّد اسكندر (1963) لحظة خرجَت زوجتُه والأولاد، ليواعدَ حبيبته شيراز في منزله. بحماسةٍ متناهية انتظرَها وفقَ الموعد المتّفَق، وما إن وصلت توجَّه إلى المطبخ يحضّر لها القهوة. وبينما كانا جالسين، طلبَت شيراز لو يجلبُ لها السكّر، فقام اسكندر بكلّ نيّة طيّبة إلى المطبخ، مردّداً: «إنتي بَس طلبي»، وما إنْ عاد ليرتشف الشفة الأولى من فنجانه حتى شعرَ بحرارة في فمِه وسرعان ما فقدَ وعيَه.
إستغلّت شيراز وضعَ إسكندر ودخلت إلى غرفة النوم تبعثر محتوياتها، وتبحث عن ما خَفَّ وزنه وغلا ثمنُه، فسرقَت ما طالته يدُها من مال وذهبٍ وأوراق ثبوتية وفرَّت، تاركةً اسكندر بين الحياة والموت. عند الرابعة بعد الظهر، عادت الزوجة لور لتجدَ زوجَها في حال مذرية، وأنّ أحدَهم بعثر محتويات غرفتهما، على الفور نقلت زوجَها إلى المستشفى، وأبلغَت القوى الأمنية.
نتيجة تحاليل مكتب المختبرات الجنائية، وبعد تحليل عيّنة من بول اسكندر لحظة العثور عليه مَغمياً، اتّضحَ أنّه يحوي على منوّمات وموادّ مسمّمة. ظلّ الغموض سيّد الموقف، إلى أن استفاقَ اسكندر من غيبوبته بعد 5 أيّام، محاوِلاً تذَكُّر ما حدث معه، ليدفعَ بالتحقيقات الأمنية قدُماً».
فتيات من سوريا والزبائن في لبنان
دأبَت ملك حسن ع. (1962) على الإرسال لشقيقها أحمد حسن ع. (1966) الفتيات من سوريا إلى لبنان، مقابل تأمين الزبائن لهنّ، وجني الأموال. من بين تلك الشابّات، رهف نايف ا. (1996)، التي تعرّف إليها أحمد واصطحبَها إلى منزل إبنة ملك، سلام ك. التي بدورها تؤمّن منامةً للفتيات مقابل ممارستهنّ الدعارة. بعد مدّة قصيرة، انتقلَت رهَف إلى منزل أشقّاء سلام، روان ك. ونصر الدين ك. وعامر ك. وزوجته فوزيّة، الذين بدورهم يعملون في تشغيل الفتيات.
وفي المرّة الثالثة انتقلَت رهَف للإقامة مع أحمد في شاليه في الصفرا، حيث كان يُحضِر لها عدداً من أصدقائه لممارسة الجنس معهم. كذلك فإنّ عامر (إبن شقيقة أحمد)، كان يُجبر زوجتَه فوزيّة على ممارسة الدعارة، فاصطحبَها مرّةً إلى فندق فينيسيا لممارسة الجنس مع شخص سعوديّ مقابل 3 آلاف دولار، وفي ما بعد بدأ يحضِر لها خليجيّين.
على رغم حِرَفية العصابة وحِنكتِها في توزيع الأدوار، تمكّنَت القوى الأمنية من ضبطِها، بعدما نجحت في استدراج أحمد يومَ حاوَل بيعَ رهَف بعرضِها للبيع في صيدا.
حصيلة المداهمات
تنشَط في الآونة الأخيرة حركة الدعارة في لبنان، بشقَّيها، على مستوى شبكات أو بين الأفراد، وتتفاوت معها الارتكابات الجرمية، من سرقةٍ، ترويج مخدّرات إلى قتل… وفي نظرةٍ على محصلة عام 2014، يؤكّد رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي المقدّم جوزف مسَلّم «أنّ عدد التوقيفات في الدعارة تجاوزَ الـ600 بين أفراد وشبكات»، موضِحاً: «تَمَّ توقيف أكثر من 420 حتى الآن في جُرم دعارة، وأكثر من 115 في جُرم تسهيل الدعارة، ونحو15 شخصاً بجُرم الإتجار بالبشَر».
«يتفاوت سعر الليلة أو الساعة بين 20 ألف ليرة ومئات الدولارات، وفق مسايرات الدقيقة الأخيرة»
بين المواعيد الهاتفية، واعتماد «الواتس آب»، واللجوء إلى تطبيقات إلكترونية أخرى… تعجّ أجندة مافيات الدعارة بالمواعيد. «لكن نحن لهم بالمرصاد»، يؤكّد مسَلّم، مشيراً إلى أنّ «الدعارة ليست جديدة في لبنان إلّا أنّها تأثّرَت بكثافة النزوح السوري، لا سيّما بعدما بلغَت نسبة اللاجئين الـ35 في المئة من عدد سكّان لبنان، فهؤلاء ليسوا بسيّاح، إنّما يتخبّطون وسط دوّامة من المعاناة، والقِسم الأكبر منهم ضحايا، ونساء معرّضات للاستغلال أو يبحثن عمّا يعتَشن منه».
في هذا الإطار، يؤكّد مصدر أمنيّ لـ«الجمهورية»، «أنّ معظم اللواتي تمّ توقيفهنّ هذا العام سوريّات، تتراوح أعمارهنّ بين 16 و40، كلفةُ الليلة الواحدة تبدأ من 50 ألف ليرة وقد تتجاوز الـ 500 دولار، أمّا المشغّلون فهم لبنانيّون وسوريّون».
ويضيف المصدر: «في أغلب الحالات يتمّ إيهام السوريات بتأمين فرَص عمل لهنّ، والارتباط في لبنان، عن طريق مشغّل سوريّ يؤمّن وصولهن إلى لبنان بالتواطؤ مع مشغّل آخر، وفي ما بعد يغتصبهنّ أو يسحب منهنّ الأوراق الثبوتية، ثمّ يستثمرهنّ في مجال الدعارة».
خدَمات جنسية ديليفيري
«مطرَح ما بدّك بتوصَل، ما منحِبّ نزَعّلك، ما رَح نختلف عالسِعر». لم تكد نغم تسمع نصف المخابرة بين «المعلّم» وأحد «زباينو»، على حدّ تعبيرها، حتى أدركَت بأنّ ليلتها «حامية»، والمطلوب البقاء في جهوزية تامّة، «ليلة السبت، يادوب نلحّق طلبات».
يصعُب على نغم (27 عاماً) تعداد الرجال الذين مارسَت معهم الجنس من لبنانيين وسوريين، فوجوه الليل يمحوها النهار. كلّ ما يَعلق في ذهنها، «بدل أتعابِها» في الليلة الواحدة، لأنّ «المعلّم شريك النِص»، فتجد نفسَها مجبَرةً على تقديم خدمات متقدّمة، «لتِحرز الغلّة».
وتوضح: «بعض المشغّلين يتقاضون الكِلفة مباشرةً من الزبون، ولا يدفعون إلّا القليل لمَن يسلّمونها للرجل، وفئة أخرى من المشغّلين يكتفون بنصف المبلغ… لذا يتفاوت سعر الليلة أو الساعة الذي نتقاضاه بين 20 ألف ليرة ومئات الدولارات، وفق مسايرات الدقيقة الأخيرة».
الدعارة الإلكترونية
لا تُنكر نغم أنّ مَن يمارسن الدعارة الإلكترونية أولى الرابحات، قائلةً: «هؤلاء يعرفن من أين تؤكل الكتف فعلياً، لأنّه يصعب على القوى الأمنية ضبطهنّ وتوقيفهنّ، حتى إنّ المرأة إلكترونياً لا تُرهق نفسَها ولا تُعرّض صحّتها لأيّ مخاطر صحّية».
على رغم تركِ نغم مجال الدعارة أخيراً بعد ضبط رأس الشبكة المشغّل، وتحويلها إلى إحدى الجمعيات النسائية، تجد صعوبة في مسامحة نفسِها على ما ارتكبَته، فتكتفي بالقول: «أشعر بالاشمئزاز من نفسي، ولكن «المرأة فعلاً معتّرة وين ما راحت».
في هذا الإطار، يلفتُ المصدر الأمني ذاته، «إلى أنّ بعض المواقع الإلكترونية حوّلها مستخدموها إلى أشبه ببيوت دعارة، لذا تلجأ القوى الأمنية إلى تشغيل حسابات خاصة بها، وهمية، لضبطِ الشبكات أو الأفراد، واستدراجهم لثَنيِهم عن تلك الممارسات…. من بين المواقع wechat الإلكتروني».
أساليب الضبط
بموازاة تعَدُّد أساليب الاحتيال في الدعارة، تتشعّب طرُق المكافحة التي تستخدمها القوى الأمنية، وغالباً ما تعمل على أكثر من خطة في آن معاً. من أبرز تلك الأساليب الاعتماد على مخبرين، التنكّر، التخفّي، التعَقّب، الترصّد، تسيير دوريات، تنفيذ مداهمات، فلا يوفّر مكتب مكافحة الإتجار بالأشخاص وحماية الآداب وسيلةً إلّا ويستخدمها. في هذا الإطار، يوضح مسَلّم الفَرق بين ضبط شبكات دعارة وتوقيف أفراد: «تميل شبكات الدعارة الى العمل بانتظام وتكتيك، كمَن يلعب الشطرنج، يصعب كشفُها بسرعة، ولكن كأحجار الداما، إذا سقط حجر تهاوَت بقيّة الأحجار، وقُبِضَ على أفراد العصابة برُمّتها.
في المقابل، الدعارة الفردية، صحيحٌ أنّها غيرُ منظّمة، ممّا يسهّل ضبطها، إلّا أنّ الأفراد غالباً ما يبدّلون أماكن وجودهم وتوقيتَ أعمالهم، مِزاجيتُهم تؤخّر في ضبطهم، فنُجبَر على ترصّد تنقّلاتهم على فترة طويلة».
«حِلوَينة سورية»
ما اختبره الجندي عماد، قد يكون الاغرب من بين الحالات التي توقّفنا عندها. فبينما كان عائدا ليلاً مع رفاق له في السلاح، بملابسهم المدنية، توقّفوا عند أحد الأفران، على اعتبار أنّ حملة الوزير وائل أبو فاعور الغذائية لم تشمل المناقيش. فطلب كلّ من الشباب الثلاثة منقوشتين، وجلسوا يتدفؤون على حرارة الفرن. ما إن شارفَ العشاء على الانتهاء، سأل عماد صاحبَ الفرن إيلي (ع.).
«شو حسابنا معلّم»، فسرعان ما بادرَه قائلا: «شو بدكُن شباب؟ عنّا من كلّ شي للتحلاية، في نسوان، في سوريات من اللي بحِبُّن قلبكن…». لم يكد يُنهي جملته حتى اقتاده الشباب للتحقيق، وبعد التحرّي، تبيّنَ أنّه خَصّصَ الطابق الأوّل للفرن، أمّا العلوي فيقدّم خدمة لعب «القمار»، والجنس ….
… والعقاب؟
يجيب مسلّم: «هذه الممارسات جنحة يعاقب عليها القانون من 10 أيام إلى 3 سنوات من الحبس، وبالغرامات المالية. لا شكّ في أنّ المحاسبة تختلف بحسب دور الشخص، ما بين مسهّل، مروّج للدعارة ممارس، أو متاجر بالبشر (الذي يعتبر فعله جناية مشددة)، وغيرها من التفاصيل التي يمنعها القانون في الحضّ على الفجور والتعرّض للأخلاق والآداب العامة»، مشيراً إلى «ان بعض الموقوفات قد يطلبن الحماية والرعاية، فيتم تحويلهن إلى جمعيات متخصصة، بعد النظر إلى أوضاعهن ودوافعهن».
ختاماً، يُجمِع المراقبون على صعوبة لجم الدعارة في لبنان، ولا سيّما أنَّ عديدَ مكتب حماية الآداب الوحيد في لبنان وعتاده «غير كافيان»، وبالتالي يصعب عليه تغطية كامل الأراضي اللبنانية، وَسط أمواج النزوح مِن سوريّين وجنسيّات أخرى