الإعلام تايم_ نسرين ترك
قساوة المشهد يروي عمق المأساة، ليقول من هنا مرت الحرب مخترقة الأبواب خلسةَ مخلّفةَ الدمار والألم، الأعياد هذا العام تتهيأ للعبور بصمت على تلك البلدة المقدّسة، صمت يشي بجراحٍ غائرة، وحزن على بلادٍ مندورة للمحن.. كنائسها حزينة، لتشهد على حزن وطن أدماه الشقاء.
أهالي معلولا اليوم يدعون بإيمان لولادة السلام.. كل ماتبقى لهم من أمنيات أن يعلو صوت المحبة والعيد على صوت الموت والألم والجراح..
الأمل بميلاد السلام رغماً عن الجراح
معلولا اليوم مكسورة الخاطر، كطفلة لم تتلقى هدية العيد، بعد أن كانت رمزاً لفرح الميلاد، بأشجار تزين البيوت والساحات، وأجراس تقرع للمشاركة في صلاة الأعياد منتصف الليل.
كانت ترتدي حلة الأعياد "في زمن الميلاد"، بحسب ما تؤكد هبة 38 عاماً والتي تسكن اليوم في البلدة، مشيرة في تصريحها للإعلام تايم إلى أن "العائلات كانت تجتمع حول الشجرات المزينة، وحلل الزينة تتدلى من الشرفات"، وتتابع " حاليا ثمة بعض الاحتفالات البسيطة، ومبادرات للإصرار على روح الحياة من قبل الأهالي، رغماً عن الحزن والألم".
وعن استقبال معلولا لشهر الميلاد أشار البطريرك غابريل داوود : إلى أن الحياة تعود تدريجياً إلى معلولا، وأن كل مواطن من أهل البلدة يجب أن يشعر بالفخر لأنه قد عاد إلى بلدته، عاد ليعمّر بلده، و ليعيد الحياة التي أراد أعداء الإنسانية أن يقتلوا الحياة فيها.. ويجب أن أن تعود مظاهر الفرح، فهذا من صلب إعادة إعمار سورية أولاً، ومعلولا كرمز للوجود السوري ثانياً. وسنعيد الفرح إلى كل بيت من بيوت أبناء شعبنا في سورية.
اليوم يسكن في البلدة 300 عائلة ممن نزحوا من منازلهم هرباً من أعمال العنف التي دمرت البلدة العام الماضي، ومايزال العمل مستمراً لعودة الجميع.
حجم الدمار في البلدة الأثرية التي تعتبر من رموز الوجود المسيحي في سورية، والواقعة على بعد أكثر من خمسين كيلومتراً من دمشق، يحكي عن مأساة رهيبة تهدد الجميع، مسيحيين ومسلمين، لتعكس همجية الإرهاب وقسوة الحرب.. منازل محروقة، نوافذ محطمة، أبواب مخلوعة، وشرفات منهارة.
في أنحاء أخرى من البلدة المعروفة بمغاورها التاريخية التي تعود الى القرون الأولى للمسيحية، المنازل والمحال التجارية شبه مهجورة، معظمها خلعت أبوابه وتعرض للنهب، بينما آثار الرصاص ظاهرة في عدد منها.
الشباب السوري يداً بيد لإعادة الحياة للبلدة
مع اتساع ثقافة التطوع بين جمهور الشباب السوري بدأت هذه القيمة الإنسانية تكتسب بعداً أكثر فاعلية وحضوراً على الأرض لا سيما في ظل ازدياد روح المبادرة لدى هؤلاء الشباب سواء ممن يعملون فرديا أو ضمن فرق منظمة لدرجة بات معها للعمل التطوعي دور سباق في معالجة العديد من القضايا اعتماداً على شباب واع أدرك اهمية مشاركته في صوغ المشهد السوري الراهن والمستقبلي..
وفي لقاء مع رئيس بلدية معلولا ناجي وهبة أكّد أنه يتم العمل على إعادة تأهيل البنى التحتية بشكل كبير بمساعدة المحافظة والمدراء المعنين، إضافة لمبادرات كثيرة من البطركية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واللجنة الدولية للصليب والهلال الأحمر، ومبادرة فريق ريف دمشق التطوعي، ليعمل جميعم على المساعدة في تأهيل البنى التحتية وإعادة الحياة لمعلولا.
وتمنّى وهبة أن يكون عمل فريق ريف دمشق التطوعي دعم ومساعدة للأهالي، شاكراً كل ماقدمه الفريق من مساعدات وسلل غذائية بشكل مباشر لأهالي البلدة.
فريق شباب ريف دمشق التطوعي عماده الأساسي شباب جمعه حب سورية بعد أن تعرضت في السنوات الأخيرة لحرب كونية استهدفت كيانها ووحدتها، حيث اصطف شبابها يدا بِيد لمواجهة ما أصاب وطنهم من جراحٍ وآلام.
ثقافة الحياة هي المنتصرة
من ساحة معلولا وسط الأهالي اعتبر البطريرك السرياني الأورثودكسي الأب غابريل داوود إلى أن إطلاق مبادرة فريق ريف دمشق التطوعي هي رسالة لكل العالم، خاصةً ان الانطلاق من معلولا، البلدة التي نالت منها يد الإرهاب والإجرام التي تريد تدمير سورية كلها كوطن، فرمزية معلولا هي رمزية الوجود السوري.. فهو لا يعود لرمزية الأديان فقط، إنما لرمزية وجود الحضارة السورية منذ قديم الزمان، ومجرد أن تنطلق هذه الفعالية من هنا، معناه أن الحياة عائدة إلى طبيعتها، ورسالة إلى أننا سنُرجع بلدة معلولا وكل البلدات التي نالت منها يد الإرهاب أجمل مما كانت عليه، وثقافة الحياة يجب أن تنتصر في نهاية المطاف، فلا بد أن ثقافة الحياة هي المنتصرة، ولا تعلو أية يدّ فوق يد الله.
وأشار وهبة إلى أنه ضمن العمل الكنسي يوجد العديد من المؤسسات التي تُعنى بالشأن التطوعي، وأنه في ظل الأزمة التي نمر بها انتشرت الثقافة التطوعية، وعاد أبناء المجتمع لكي يتفاعلوا وتتضافر جهودهم ليعيدوا بناء ليس فقط الحجر و البنى التحتية، إنما أيضاً بناء الإنسان، لذلك سنعمل وندعم هذه الثقافة التطوعية لأنها من صلب العمل الوطني و الكنسي.
الانطلاقة الأولى لفريق ريف دمشق التطوعي
وعن أسباب اختيار معلولا بداية لانطلاق المبادرة، أشار رئيس الفريق وعد ميلانة أن المبادرة بدأت من هذه البلدة لمكانتها وخصوصيتها التاريخية والمعنوية والأحداث الصعبة التي مرّت عليها، مشيراً الى أن همّ الفريق هو نقل هموم سكان البلدة واحتياجاتهم، لنكون صلة الوصل بين الأهالي ومحافظة الريف في محاولة للمساعدة ضمن إمكانيات المحافظة من كافة النواحي الخدمية، مشراً إلى وصول دفعة كبيرة إلى معلولا من لإعادة الإعمار، وبدأ سكان البلدة بترميم بيوتهم.
وأضاف اليوم في معلولا 300 عائلة تقريباً، ونحن نحلم بعودة الخمسة آلاف عائلة جميعاً، وهذا هدف الفريق بإعادة الروح للبلدة التي كانت مزار للجميع.
بدأ فريق شباب ريف دمشق التطوعي عمله انطلاقاً من معلولا السبت الماضي، ليبدأ يومه بالمرور على حواجز الجيش العربي السوري المحيطة بالبلدة، وشكرهم على كل مايقدمونه من تضحيات، وقدّم لهم هدايا قيّمة معنوياً أكثر من كونها مادية، ثم تم توزيع المساعدات الإنسانية لسكان البلدة بالتعاون مع فرق الهلال الأحمر العربي السوري، والاستماع إلى شكاوى أهل البلدة واحتياجاتهم.
رئيس مجلس بلدية المنطقة تمنى أن يكون عملهم دعم ومساعدة للأهالي على مستوى ريف دمشق كلها، وقال: بالنسبة لنا كمجلس مدينة سنحدد الأسس الرئيسية التي سنتعاون بها معهم لمصلحة البلدة.
ممثلين الدور الفاعل للشباب السوري النابض بالحياة، وإحساسهم بالمسؤولية تجاه أبناء وطنهم، يؤكد على التضامن مع أبناء الشعب السوري و المشاركة في حمل آلامهم ومشكلاتهم.
وسيستمر عمل الفريق بعد معلولا ستكون الخطوة القادمة في مناطق الريف الأكثر تضرراً .
وعن اتخاذ شجرة اللزاب كشعار للفريق، أوضح وعد ميلانة أنه يوجد 25 ألف شجرة في العالم لكن الكم الأكبر منها موجود في سورية وتحديداً في القلمون، وهي رمز للعطاء والدفء في منطقة القلمون التي تشتهر بها.
كما أوضح ميلانة أن الفكرة بدأت بين 5 شباب من معلولا لتشكيل فريق عمل تطوعي، يشمل بشكل خاص بلدات ريف دمشق، يضم أشخاص من كافة شرائح المجتمع، وعند طرح الفكرة على العموم لاقت إقبالاً واسعاً، والفريق حتى الآن يضم 92 شخص.
عودة المحبة والأمل…
معلولا الواقعة في منطقة القلمون الجبلية على طريق استراتيجي يربط لبنان بدمشق، والتي تشتهر بمزاراتها ومغاورها والأضرحة البيزنطية المنحوتة في صخور الجبال.
وبعد سنوات من حرب دمرت النفوس والقلوب، واخترقت الأبواب خلسة فاستوطنت البيوت، اليوم رغماً عن الغصة و حرقة القلب تقف معلنةً عودة الأمل إيماناً برجاء السلام.