ايهاب زكي
صنفان من الناس يتابعون الإعلام الخليجي عموماً والسعودي خصوصاً، الصنف الأول، وهم المهنيون الذين يحاولون قدر المستطاع استشراف أوجه المؤامرة على أمتنا من خلال كشف التدليس العلني الذي يمارسه ذلك الإعلام، وهذا الصنف بدوره ينقسم إلى قسمين، قسم تصيبه وتستوطنه الأمراض المزمنة كالسكري والضغط لأنه يأخذ ذلك الإعلام على محمل الجد أكثر من اللازم، وأما القسم الثاني، فهو يتعامل مع الأمر باعتباره مضحكاً حد الغثيان، لما يتمتع به إعلام النفط من فبركات وأساطير وأراجوزات، وأما الصنف الثاني من المتابعين، فهم أولئك المستهدفون بالتغطية والخطاب، وهم على أقسامٍ كثيرة، لكن بينهم قواسم مشتركة عديدة، منها معجزة العقل الأُذني، وهؤلاء يتمتعون بقدرة هائلة على تصديق ما يُقال لهم وما يُقرأ عليهم، حتى لو قالت لهم منتهى الرمحي أنها تناولت العشاء في جمعٍ غفيرٍ من الأنبياء والملائكة، أو قال لهم طارق الحميدي إنّ سياسة المضارب التي يتبعها آل سعود هي السبب الرئيسي في استقرار الوضع العالمي سياسياً واقتصادياً.
وحتى حسين شبكشي صاحب فيلم "الزوجة في قبو المطار"، يعقد مقارنة بين سوريا والإمارات، وأين وصل نظاما الحكم ببلديهما، فأين وصل آل الأسد بسوريا، وأين وصل آل نهيان بالإمارات، وهو يفترض أنّ آل نهيان يعرفون أين وصلوا أصلاً، كما يفترض نفسه مثقفاً وكاتباً في مملكة يَفترض أنها تشجع الثقافة وتُخرّج العلماء، وهو يعقد مقارنة غير منعقدة أصلاً، فالمقارنات تُعقد بين شبيهين لا بين متناقضين، فالمنطق يتوجب عقد المقارنة مع سعوديته لا مع سوريا، حيث المتشابهات لا تعد ولا تحصى، من صحراء الجغرافيا لتصحّر العقل، ومن فقر التاريخ لقفر المستقبل، من صنيعة بريطانيا لتبعية أمريكا، ثم إنّ من تأكل بثدييها حتماً سيكون حاضرها ليناً، مقارنةً بخشونة حاضر من لم تقبل، ولكن المستقبل يقيناً لمن عفَّت وتصبرت، ولكن هذا تصرفٌ طبيعي من كاتب آمن أنه يتعامل مع معجزة العقل الأذني، والتي تأتي بعدها في القواسم المشتركة، معجزة التعايش مع المتناقضات، فهؤلاء المخاطَبون أيضاً يمتلكون قدرة عظيمة على التعايش مع المتناقضات واستيعاب المتضادات.
فإبراهيم عيسى في معرض احتجاجه على المصالحة المصرية القطرية، يثمن الدور السعودي ويتباهى بالدعم والإيثار السعودي لمصر، ثم وبعد مطولة مدح للحكم السعودي وحكمته وحنكته، يقول ولكن قطر هذه ليس فيها دستور ولا برلمان ولا مؤسسات، وهو يفترض أنّ المستمع يشاهد كل يوم البث الحي من داخل البرلمان السعودي، وقد حفظ دستور السعودية عن ظهر قلب، وهو يعلم المعجزات التي تتيح له سعة الإسفاف، ولن يسأله متناقض، إذا كانت قطر كافرة لأنها بلا برلمان ودستور، فلماذا السعودية مؤمنة وهي كذلك وأنكى، ثم شخصٌ آخر مثل ياسر الزعاترة، امتلأت أشداقه بالغاز القطري، يقول إنّ ما ستقدمه إيران لحماس ليس دعماً لفلسطين أو حرصاً من إيران على قضيتها، إنما هو رشوة لبعض شخصيات حمساوية لشق صف الحركة، فيما ما تقدمه قطر ليس رشوة إنما دعمٌ للقضية وأصحابها، وليس متناقضاً الدعم القطري للقضية الفلسطينية في نظر الزعاترة مع الدعم القطري (للقضية الإسرائيلية)، وليس أولها ولا آخرها 2.5 مليون يورو لجرحى (الجيش الإسرائيلي)، ولو قلنا أن قطر قدمت رشوة لبعض حماس، لفتح لنا الزعاترة أبواب جهنم ومنحونا التأشيرات المجانية، لكن يحق للغاز ما لا يحق لغيره.
ومنذ بدء التدهور في أسعار النفط، حيث خسر البرميل نصف سعره، دأب ذلك الإعلام على إبعاد فكرة المؤامرة واستهداف روسيا وإيران، ولكنه بُعد نظر السياسة الدماغية للملك السعودي، حيث أنه يستبق مرحلة الاستغناء عن نفط مملكته حين يبدأ انتاج النفط الصخري، ومن يدخل الرهان على نصف شاربه بأنّ هذا كله خارج دائرة اهتمام الملك سيربح الرهان حتماً، أو بالأحرى خارج دائرة صلاحياته، فالقوانين الأمريكية صارمة في هذا المجال، فاهتمامات الملك وصلاحياته لا تتعدى اختيار أحدث أنواع صباغ الشعر، حتى تبدو السكسوكة شابة ومثيرة، وأما النفط وسلاح النفط فهذا شأنٌ آخر، وهو أمريكي صرف، ولكن هذا الإعلام لم يخبرنا أين حكمة وحنكة دماغ الملك عن عجز الموازنات ورفع الدعم الحكومي عن المحروقات والأساسيات، وخسارة ما يعادل 340 مليار دولار سنوياً لهذه الخطوة الاستباقية الفذة، ورغم ذلك يتساءل كتاب النفط عن الكارثة المحققة التي كان سيعيشها العالم لو كانت إيران أو فنزويلا مثلاً هي من تتحكم بأسواق النفط، فأي مؤسسة فيهما كانت ستنتج هذه الخطوة كما أنتجتها مؤسسة دماغ الملك، وأين سيكون العالم حينها، ولا أعرف ردّه حين يكتشف أنّ خطوة دماغ الملك ستؤدي لتقليص راتبه، قد يلعن دماغ المؤسس، لكن سراً، إلا إذا دفعت له مؤسسة دماغ مشيخة أخرى أكثر.