إيهاب زكي- سلاب نيوز
وأنت تقرأ في كتاب الله، وتأتي على آيات الإسراء والأرض المباركة والطيبة وأرض التين والزيتون، وكل موضعٍ لفلسطين، إياك أن يزيغ بصرك نحو القدس ويافا وحيفا، وإن كنت تستمع لنشيد موطني مثلاً، إياك أن توسوس لك نفسك نحو عكا وطبريا والناصرة، وأما إن كنت تشاهد رسماً كاريكاتورياً عن فلسطين أو لوحةً أو حتى خارطة لها، فإياك ثم إياك ثم إياك أن تنبس شفتاك باسم أسدود والكرمل أو صفد، وإن حدثك أحدٌ عن جدك الشهيد وعمك الأسير وخالك الطريد وجارك الشريد، فإياك أن تقاوم رغبة التحسر لديك على جهلهم، الذي أودى بهم إلى المهالك، فعقولهم الصغيرة لم تسعفهم للوصول إلى اختراعات العهد الحديث، فالمشاريع الوطنية أسهل بكثيرٍ مما هيأ لهم ضمور عقولهم، ففلسطين الحديثة، وبالمناسبة فهي أحدث طبعة، هي حدود المقاطعة في رام الله، يحدها من الشرق خوذة جندي صهيوني لقيط، ومن الغرب حذاء جندي صهيوني مرتزق، ومن الشمال سحنة كبير المفاوضين، ومن الجنوب فصاحة كبير الموظفين في مشروع أوسلو الصهيوأمريكي، القارة العباسية بكلها وكليلها، فإياك والخيانة وإياك والغدر وإياك والسفالة والنذالة، فتظن متآمراً على مشروعنا الوطني، أن فلسطين تتعدى تلك الحدود، وأنها من بحرٍ إلى نهرٍ وزيادة.
وثم أنت متى تتعلم أن تكون ثائراً على الطراز الحديث، ومتى تخرج من ضلالك القديم، وتظل على أصنامك الصاروخية عاكفاً، وبوحدانية التمثيل مشركاً، أفلا ترى ثوار آخر طبعة، وكيف غدى نزقهم الثوري داجناً، وفكرهم النضالي مستأنساً، حين يحدثونك عن وردية المشروع الوطني رغم أشواك الرفض الأممي، رغم أنّ إصرارهم على تنفيذه، يحولهم من الثورية إلى الثورانية، وإلى متى ستظل مستغفلاً مسخراً من أعداء الأمة، لتعطيل الإنجازات الثورية، أفلا تنظرون إلى الإعترافات الأوروبية المتتالية كيف مُنحت، وإلى المقاطعة العالمية للبضائع (الإسرائيلية) كيف أُشهرت، ألم تر إلى المبادرة العربية كيف كُتبت، وإلى الخجل الأمريكي من مساندة (إسرائيل)، فحتى من كانت شاشته أبيض وأسود، قد رأى حمرة الخجل تعتلي وجه أوباما، ألم تر الثائر الأكبر وهو يهدد العالم بالتوقيع على أوراق الانضمام للهيئات الدولية فترتجف الأوصال وتتقطع العروق، ألم تر أنّ النصر كان قاب قوسين وأدنى، وأنّ الدولة كانت على مرمى صوت، لولا نيجيريا، هذه التي وقفت في طريق شعبنا نحو تقرير مصيره، ولكننا لن نصمت على الإهانة النيجيرية، وسنوقع وثيقة الانضمام إلى المحكمة الدولية، ونرجو ألا يفهم وسيطنا النزيه-أمريكا- بأنّ الخطوة ضده، وألا تفهمنا شقيقتنا (إسرائيل) أيضاً خطأً، فنيجيريا عدوٌ مشترك.
ولكن الأمر سيكون على ما يرام مستقبلاً، ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، فسنسعى سعينا حتى يكون كل مجلس الأمن من الحلفاء الأوفياء، فعشرة دول في مجلس الأمن ستكون الخطوة الأولى نحو الدولة العتيدة، فأربعة دولٍ سنية ودولة كردية وأخرى مسيحية ودولتان شيعيتان وأخرى علوية، وعلى رأسها أصدقاءٌ لنا، المناع والخطيب والجربة والبحرة وطيفور وصبرا وكيلو والبرزاني ومسلم وسارة، وكدت أنسى العرعور والبغدادي والجولاني وعلوش والشيشاني والأفغاني والعدناني واللبواني، وزيادة وعبدالعظيم، لم ينته تعداد القادة بعد، لكنه فاق عدد الدول العشرة، لكننا سنقبل بذلك مؤقتاً لتمرير قرار الدولة، ثم بعد أن تضع الحروب بينهم أوزارها، سنرى كيف نعاود القسمة، فيعلن كلٌ دولته، ولا أعرف لماذا يقف "النظام" السوري في وجه خطة التقسيم، ولا يريد أن يُخلصنا من وجع القلب، فليأخذ كلٌ دولته، ولنحصل نحن على دولتنا، فلماذا يتمسك بوحدة الأرض والشعب، ويفوِّت علينا فرصة الأكثرية في مجلس الأمن، ألا يرى أن الناس تعبت، ألا يرى أنهار الدماء وجبال الجماجم، ألا ينظر إلى بؤس اللاجئين وشقاء المقيمين، فنحن نريد أن نصبح من ثوار آخر طبعة، دولة في المقاطعة، وحق تقرير المصير لكل حارةٍ في سوريا، ولا نريد أن نعيش ضلالة آبائنا الأولين، وحدة وقومية وتحرير، وشعب واحد في أرض واحدة.
وهنا أود كخاتمة أن أبرق برسالة لكل الحالمين المتوهمين، بأنّ سوريا وبمجرد تخليها عن قضاياها المصيرية والمركزية، سينتهي كل شيء، وستصبح سوريا جنة عدن وفردوسنا الموعود، إنّ العلاقة بين العدوان على سوريا وبين احتلال فلسطين، هي كالعلاقة بين أمٍ وجنينٍ تم انتزاعه منها، فمحاولات قتل الأم هي للاستفراد بالجنين، وتخلي الأم عن جنينها سينزع منها أمومتها، فتصبح بلا فرادة، إنّ خروج سوريا من هذه الملحمة العظيمة سيكون أسطورياً لو كان خطوة أولى في الطريق لاستعادة الجنين، وهذا ما سيكون، وهذا هو السبب الحقيقي للإصرار على التقسيم واختلاق الدول، وهذا قد يكون قدر سوريا حتى لو لم تختره، وعظمتها أنها اختارته أيضاً وصاغته وكأنه وحيها وسر أنفتها وعنفوانها، وأخيراً لن يكون الجولان إلا في منتصف سوريا، ولا مستقبل لمن يريده على حدودها.