آدم نصرالله
يبدو أنّ هناك من يعرفون استغلال الفرص للتمكن من تنفيذ خطط يستطيعون بها أن يكسبوا أي شيء، ولو على حساب أناس عاديين معروف مسبقًا عدم قدرتهم، لكن الحياة ربما عوّدتنا أنّ أكثر الفئات الهشة والمحتاجة في المجتمع هي الأكثر عرضةً للإستغلال. والواضح أنّ هناك من يعلم مسبقًا بأنّ حاجة النازحين السوريين للكثير من الأمور وثقتهم بأي إنسان يعطيهم أملًا بالنجاة ولو بخيوط، فلم يسلم النازحون من الإستغلال بالعمالة من أرباب العمل ولا من "سماسرة" الهجرة غير الشرعية ولا من لجان المخيمات التي تسرق المساعدات، ليأتيهن سماسرة تحت صفات وهمية ك"موظف في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين"، بحيث وصلت الأمور بأحدهم لانتحال هذه الصفة ليجول في المنازل ويختار الفريسة المناسبة التي سينفذ فيها خطته المحكمة.
الموظف المفترض اختار يومه بدهاء، فكان يوم الأربعاء الماضي، أي اليوم الذي بدأت فيه العاصفة زينة في لبنان، وكان يعلم مسبقًا أنّ سكان قرية الوردانية في إقليم الخروب قابعون في منازلهم. فما كان منه إلّا أن قرع باب م.أ، نازحة سورية في بداية ثلاثينياتها، تركها زوجها مع ثلاثة أطفال وهجرها، فتحت له السيدة الباب بعد أن عرّف عن نفسه أنه يدعى محمد حمزة وهو موظف في المفوضية وقد أتى لتسليمها حوالة مساعدات تعطى من قبل منظمة تابعة للأمم بمبلغ مئتين وستين ألف ليرة، للحالات التي تحتاج لعينات مالية كمعاش شهري مؤقت. وبحسب ضحية عملية الإحتيال كان الشاب عشريني، يحمل بيده ملفات لنازحين آخرين.
وقفت على الباب فسألها: "هل سنتكلم على الباب؟"، فدعته للدخول إلى غرفة الجلوس حيث كانت تجلس وأطفالها الثلاث حول المدفأة، وعندها بدأ حديثه أنها اختيرت لتستلم حوالة خاصة بالمبلغ المطلوب وسألها عن إيصال من المفترض أنها جلبته من مكتب تابع للمفوضية في جدرا، فأخبرته أن لا علم لها بأية مساعدة وأنها لم تتلقّ أية رسالة نصية على هاتفها من المفوضية يتم إبلاغها فيها عن مساعدة مالية، فتعجب، عندها سألته إن كان بإمكانه الذهاب معها إلى المكتب لتحضر له الإيصال وتستلم رقم الحوالة، فقال لها إنّ المركز انتقل إلى منطقة جونية وقد تم إبلاغ الموظفين بالتجوال وإعطاء المساعدات مباشرةً للنازحين وإبلاغهم بتغيير عنوان المركز فجأة، وإنّ المركز يغلق أبوابه عند الساعة الثانية وأنّ الوقت لن يكفيها للذهاب وأنّ المهلة الأخيرة لاستلامها المساعدة هي اليوم. ارتبكت المرأة التي تنتظر هذا المبلغ لعلها تؤمن به شيئًا من حاجياتها فسألته إذا كان هناك أي مخرج، فحمل هاتفه وقال إنه سيتصل بمديرة المركز رغم أنها لا تتجاوب مع محاولاتهم لمساعدة الأشخاص دائمًا، وقام بالإتصال المزعوم أمامها وأظهر علامات الغضب على وجهه وهو يقول: "لا أستطيع تحمل مسؤولية أحد"، ثم بدأ رويدًا رويدًا يظهر علامات الموافقة، وقال "سأعطيها رقم الحوالة وأفعل ما تطلبين". حينها طلب من المرأة أن تسجل رقم الحوالة، قائلًا لها أنه سيعطيها مبلغًا من حسابه الخاص موجود في OMT- شحيم، وبعد أن أخذته منه طلب منها أن تعطيه المئتين والستين الف قبل المغادرة وأن تذهب بعد خروجه إلى مركز الحوالة وتأخذ المال، فسألته عن كيفية تصرفه بالمسألة ﻷنها إن أعطته المبلغ فهي فعليًا لم تأخذ شيئًا، فبدأ بالصراخ عليها واتهامها بأنها "ضحكت عليه" وكان يجدر بها أن تخبره أنها لا تملك المال لكي تعيده له، فخافت المرأة وطلبت منه أن يذهب معها إلى مركز الحوالات لترد له ماله لكنه بادرها بالرفض بحجة أنّ لديه الكثير من العمل والجولات حول العائلات، وأنه يقوم بها منذ الصباح وقد سلم الحوالة للكثير من الجيران الذين أعطوه الوصل، حينها شعرت أنّ هناك عملية احتيال تحدث أمامها ولكنها استدركت أنها وحيدة مع أطفالها الثلاثة وأنها إن لم تنصع له، يمكن أن يؤذيها وأطفالها ليأخذ المال أو يسرق أي شيء، حينها عرضت عليه أن تبحث علّها تملك من إجار المنزل الذي تتدخره المبلغ المطلوب، فأحضرت محفظتها وأخرجت له المبلغ، حيث سحبه من يدها بالقوة وأخذه وقال لها اذهبي بعد قليل الى مركز الOMT وخذي المبلغ، بعد أن أعطاها رقم هاتفه وطلب منها أن تتصل به عند حاجتها ﻷي شيء.
غادر الرجل، فقامت م.أ بتحضير نفسها والذهاب الى مركز الحوالات حيث سألت عن رقم الحوالة التي أبلغها الموظف أنها غير صحيحة، فسألت عن اسمها أو عن اسم الشاب المزعوم علّه يوجد حوالة بأحد الإسمين، دون جدوى! فعادت إلى منزلها يعتليها الخوف من أن يعود مجددًا، واتصلت بالمفوضية لتقدم شكوى حيث طلب منها تعبئة استمارة وتقديمها في صندوق الشكاوى حتى ينظر بها مؤكدين للمرأة أن المعلومات التي يصرح بها النازحين للمفوضية هي معلومات سرية لا يتم تبادلها مع جميع الموظفين مشددين على الحرص على السرية. هنا اتصلت المرأة بمنظمة طالبةً الحماية والمساعدة والتبليغ لكي يتم تحذير النازحين من هذه العمليات.
تعتبر هذه السيدة أنها بما فعلت اشترت حياتها وحياة أطفالها، فهي المستضعفة التي كان يمكن أن تتعرض للخطر معهم، وتعرب عن خوفها وقلقها مما حدث معها مناشدةً المعنيين بأخذ الإحتياطات.
هنا علينا أن نتوجه للنازحين كافةً بعدم الثقة بمن كان، والطلب من جميع الذين يقصدون المنازل أو المخيمات تحت اسم منظمات أو جمعيات إنسانية، أي بطاقة رسمية إن كانت هوية أو بطاقة عمل للتأكد من هويته.والأخذ بعين الإعتبار الحوادث المشابهة، ففي حين تنام الضمائر عن مساعدة النازحين أو إيجاد أي حل ﻷزماتهم، هناك من ينتظر فرصًا، يعرف حنكة ألاعيبها ودهاليزها، لكسب ثقتهم من خلال معرفة متينة بكيفية عمل المنظمات وتوزيعها للمساعدات على الأرض…هؤلاء "ضمير غائب".