بقلم: د . حسن أحمد حسن
معادلات الحروب وإفرازاتها لاتتوقف عند الرغبات والعواطف، ونتائجها لاترسم بالأمنيات والآمال، بل ترتبط بما يتم إعداده وتجهيزه وكيفية خوض الأعمال القتالية ومدى القدرة على تحمل خسارةٍ هنا أو تعثر هناك، وفي الوقت ذاته عدم الانبهار بإنجاز يتم تحقيقه على هذه الجبهة أو تلك،
وتاريخ الحروب منذ أن عرف المجتمع البشري هذه الظاهرة يؤكد أنه مامن حرب اقتصرت على الانتصار في كل معاركها من البداية إلى النهاية، وبخاصة عندما تكون الحرب ممتدة في الزمان ومتسعة في المكان، حيث تتحول أراضي الدولة إلى ميادين مواجهة مفتوحة ومسارح عمليات تتبادل التأثير والتأثركما هو الحال في الحرب المفروضة على سورية والتي دخلت عامها الخامس، وقد سطر رجال الجيش العربي السوري على امتداد هذه السنوات ملاحم حقيقية في البطولة والقدرة على تحقيق إنجازات نوعية على امتداد الجغرافيا السورية، وهذا لايعني قط التهوين مما قد تخلفه انتكاسة على جبهة معينة أو تعثر على جبهة أخرى، وإن كان ذلك من طبيعة الحرب بعامة، فكيف إذا كانت حرباً مركبة تختلط فيها الحرب التقليدية بحرب العصابات وحرب الشوارع وحرب المعلومات والحرب الاقتصادية والاستخباراتية والإلكترونية والنفسية بأن معا، وهذه حال الحرب التي تخوضها الدولة السورية شعباً وجيشاً وقيادة بكل كفاءة وثقة بالنصر الحتمي بغض النظر عن بعض الثغرات التي قد تحدث لأسباب عدة قد لاتكون مفهومة أو مقبولة من المواطن العادي الذي يرى في الجندي العربي السوري رمز الأمن والأمان وعنوان القوة والبسالة والتضحية والفداء، وبالتالي يكون وقع أي تمدد للعصابات الإرهابية المسلحة ضاغطاً على الرأي العام وبخاصة في ظل حرب نفسية ممنهجة تسخر لها امبراطوريات إعلامية وبعض الطابور الخامس الذي يهول من تداعيات ماحدث في هذه المدينة أو تلك، كما هو الحال في تشوش الرؤية الذي ظهر بعد دخول العصابات الإرهابية إلى جسر الشغور وأريحا، ولكي تتضح الصورة وتكون مفهومة للجميع بعيداً عن التقليل من آثارها السلبية، وبعيداً ايضا عن التضخيم الذي يقدم صورة مشوهة يمكن التوقف عند بعض النقاط التي تساعد على فهم حقيقة ما حدث وتداعياته المحتملة، ومنها:
– دخول جبهة النصرة ومن معها من تنظيمات إرهابية مسلحة تابعة للقاعدة إلى جسر الشغور وأريحا أتى بعد انقضاء أكثر من أربع سنوات سطر فيها رجال الجيش العربي السورية صفحات مشرقة في التصدي لأشرس أنواع الإرهاب الذي تم تصديره لتفتيت سورية، ولايزال أصحاب المشروع التفتيتي يجترون آلام العجز عن تحقيق اهدافهم الاستراتيجية في سورية وتحطم قاطرة مشروع تشظية المنطقة على صخرة الصمود السوري.
– كما يتذكر البعض بمرارة ما حدث في جسر الشغور وأريحا علينا أن نتذكر بفخر كيف تم تطهير بابا عمرو والقصير وقلعة صلاح الدين ومدينة حمص وكسب والقلمون وبلدات كثيرة وكثيرة في الغوطة الشرقية والغربية وعلى امتداد الجغرافيا السورية.
– تناقلت وسائل الإعلام التركية ماتم إثباته بالدلائل الدامغة التي لاتقبل التأويل أن حكومة أردوغان كانت تدخل مع شاحنات مواد الإغاثة الإنسانية كل أنواع السلاح الخفيف والمتوسط والثقيل، والجميع رأى وشاهد صواريخ التاو الأميركية وميلان الفرنسية وأنواع أخرى عديدة بأيدي عناصر جبهة النصرة وداعش وبقية المكونات الإرهابية الموضوعة على لائحة الإرهاب بموجب ثلاثة قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي بالإجماع.
– تبني دول الجوار وبخاصة تركيا والأردن لجيوش الإرهاب الممنهج الذي تم تجميعه من كل اصقاع الكون وتقديم التدريب والإيواء والتنقل والتسليح والتمويل الذي كرست له عائدات النفط الخليجي أمر أصبح من المسلمات، وهذا يعني أن الجيش العربي السوري لايواجه فقط تلك العصابات الإرهابية المسلحة بل يواجه أيضاً جيوش الدول التي ترعاها وتشرف بشكل مباشر على الاعمال القتالية على مدار الساعة.
– التبدل الجوهري الذي طرأ مؤخراً على تكتيكات القتال لدى تلك العصابات الإرهابية وبخاصة فيما يتعلق بأعداد المهاجمين ونوعية الأسلحة بعد أن تحولت المناطق الحدودية على الجانب التركي إلى عمق استراتيجي للمسلحين الذين أصبحوا يهاجمون بالآلاف وليس بالعشرات أو المئات، ومهاجمتهم لجسر الشغور أو أريحا كانت معززة بكل أنواع السلاح بما فيها راجمات الصواريخ والمدفعية والعربات المدرعة وبمتابعة آنية من ضباط استخبارات عدة دول يعملون في غرف العمليات على الحدود.
– انتشار المسلحين في محافظة أدلب منذ الأيام الأولى جعل الوحدات العسكرية التي كلفت بالدفاع عن إدلب تنتشر وفق الموقف القتالي المتشكل، أي على شكل حواجز ونقاط تفتيش ونقاط تمركز وتثبيت متباعدة، وقد لاتكون متواصلة بالنظر جراء الطبيعة الجغرافية، ومع ذلك استطاعت أن تنجز ما كلفت به من مهام على امتداد أكثر من أربع سنوات، وهذا يفوق طاقة أي جيش نظامي.
– ملاصقة إدلب ومدنها للحدود التركية منح العصابات الإرهابية المسلحة هامشاً واسعاً للمناورة بالقوات والوسائط، وبخاصة بعد دخولهم إلى مدينة إدلب، وهذا يترك تداعياته التي لايجوز إسقاطها من حسابات أي قائد ميداني، لأن ضمان استمرار تدفق السلاح والمسلحين من العمق التركي تزيد من إمكانية تطويق الوحدات المنتشرة في جسر الشغور أو أريحا أوغيرهما، ولتلافي حدوث التطويق أو الحصار كان لابد من إعادة التموضع والانتشار وفق الموقف المتشكل وهذا ماحدث بالضبط، لأن البقاء في مكان يتوافد إلية المزيد من السلاح والمسلحين يعني وضع المقاتلين المدافعين عن المكان في واقع قتالي ترجح كفته لصالح العدو، ومع مرور الوقت يصبح أولئك المقاتلون رهائن أو في مواجهة معركة ليست لصالحهم بالمطلق، أي أن قرار الخروج من جسر الشغور وأريحا قرار صائب بالحسابات الميدانية.
– قد يقول قائل ولماذا لم يكن البديل باستقدام المزيد من القوات ومؤازرة الوحدات العاملة هناك، وهنا يجب تذكير أولئك بأن الجيش لايقاتل على جبهة إدلب فقط بل على امتداد الجغرافيا السورية وغالبية الجبهات مشتعلة، كما أن الجيش لايتعامل بردود الأفعال ولا بالعواطف بل بالأهداف المعتمدة وبلوغها بأي طريقة كانت، أي أن المناورة بقوات جديدة باتجاه هذه الجبهة أو تلك لايمكن أن يتم إلا وفق خطة مرسومة بدقة ومضمونة النتائج، وهذا ما لم يكن ممكناً جراء تضاعف أعداد الإرهابيين القادمين من تركيا والواقع الميداني الذي تشكل بعد أكثر من أربع سنوات من الحرب المركبة.
– الجيش الذي طهر مساحات شاسعة كانت التنظيمات الإرهابية تسيطر عليها في أماكن عدة في سورية وفي مناطق جغرافية أكثر صعوبة وتعقيداً لن يعدم الوسيلة في تطهير المناطق التي دخلها المسلحون في إدلب وجسر الشغور وأريحا وغيرها، وهنا يأتي دور المواطن وأهمية تسلحه بالمناعة المطلوبة في مواجهة الحرب النفسية ومايروجه أصحاب القلوب المرتجفة والأيدي المرتعشة الخائبة، وبقدر ما تكون ثقتنا مطلقة بجيشنا العقائدي الذي أثبت أنه أهل للثقة وعنوان عزة الوطن وكرامته، وبقدر ما يكون المواطن سنداً لشقيقه المقاتل وعينه الراصدة لما حولها بقدر ما نكون مساهمين فاعلين في تطهير المدن والبلدات والقرى التي لفحها إرهاب القاعدة وعودتها إلى حضن الوطن مبرأة من رجس عصابات القتل والإجرام، ومن يتوهم أن إرهاب النصرة وداعش وبقية التنظيمات القاعدية سيتوقف عند الحدود السورية يكن واهما، فهذا الإرهاب الممنهج سينقلب على صانعيه ومموليه وهو خطر يهدد الجميع دونما استثناء، وحسب أبناء سورية أنهم يحاربون الإرهاب نيابة عن العالم أجمع.