كثيراً.. ما يأخذنا الظاهر أو العنوان المعلن في الاتجاه الخطأ، وهذا ما شكّل منافذ لجهات كثيرة لتمرر مشاريعها العدوانية، وأفكارها التي تقوم على التهديم وليس على البناء..
وعلى التفريق، وليس على التفاعل والتعاون، على التصادمية وليس على التوافقية والاتحاد.. وهذا هو حال النظام السعودي، الذي يقدّم منذ تأسيسه خطاباً دينياً متخلّفاً بوصفه مخاطبة غريزية ونفسية ودينية، وبوصفه يتجه إلى العقل المتمسك بالتعصب عبر أفراد، وجهات أُعدت، ودُربت ومُولت لتمرير هذا الخطاب في الإعلام، عبر مؤسسات دينية وثقافية موظفة لهذا الغرض.. وهو في الحقيقة خطاب تكفيري دموي رافض للأسس الصحيحة للإسلام.. ولقيم الأمة العروبية.. وهو مايفسر موقف النظام السعودي من أحداث العالم العربي، ووقوفه وراء هذا الدم الذي يغطي الجغرافية العربية.. ماضياً.. يوم تظاهر المدّ السعودي أنه يحارب المدّ الإلحادي الذي تشكله الأنظمة الشيوعية في العالم، والأنظمة العروبية التي نشأت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.. كان يهدف إلى تحقيق مصالح وأهداف الغرب و«إسرائيل»، والانتظام في مشروع غربي يهدف إلى المحافظة على وجود الكيان الصهيوني في المنطقة كمهمة مطلوبة منه إن أراد الاستقرار والاستمرار.
كثيرون في العالم العربي.. لم يقرؤوا طبيعة هذا النظام..ولا تلك العلاقة القائمة بين محاربة النظام السعودي للعروبة، والصهيونية والغرب في محاربة المدّ القومي الوحدوي العروبي، ولم يقرؤوا الأهداف والأغراض من تلك الاتهامات بالإلحاد التي يسوّقها الغرب باتجاه الأنظمة العروبية وبين ما يسوّقه النظام السعودي في خطابه.
النظام السعودي الذي تفاخر أمام الرئيس ترومان بولادته والصهيونية في عام واحد، ينتظم في مشروع كبير يعمل عليه الغرب والصهيونية ، يقوم على ثلاثة عناصر:
الأول : تفكيك العالم العربي جغرافياً وثقافياً، وتاريخياً.. باعتماد جغرافية سياسية بديلة، تقوم على العلاقات السياسية، وتجاهل العلاقات والروابط الطبيعية والتاريخية التي تقوم عليها وحدة الأمة.. ومحاربة أي دعوة للوحدة.. وجعل جغرافية «سايكس بيكو» هي جغرافية الزمان والمكان والتاريخ والثقافة.. لتمرير «إسرائيل» مستقبلاً إلى المنطقة في إطار ماسُمي بالشرق الأوسط الكبير..
الثاني : الفصل بين المدّ العروبي، والمدّ التحرري.. واتهام القوى العروبية بالإلحاد.. والتحررية بالإرهاب.. والفصل بين المسلمين مذهبياً.. لتحويل الصراع مع العدو الصهيوني إلى صراع عربي عربي.. وسنّي شيعي، وإقامة تحالفات مرئية وغير مرئية مع الغرب والكيان الصهيوني تحت عنوان محاربة الخطر الشيعي كما يحصل الآن.
والثالث : اعتماد الوهابية ديناً وانتماءً سياسياً ومذهبياً.. للوصول إلى عملية فصل بين الإسلام والعروبة.. بغية تشكيل اختراقات في الجدار العربي تفصل فلسطين عن الجغرافية العربية، وفصل القضية الفلسطينية عن قضايا العرب، كما أوصى بن غوريون بعدم التوقف عن محاربة العروبة لأنها الخطر الأكبر على وجود ماسُمي بـ «دولة إسرائيل».. الدين اليوم في السلوك السعودي، مختلّف عن الدين في جوهره.. وهذا السلوك الذي راح يتبدّى في أشكال عديدة، ومن أهمها التكفير، وإباحة القتل والتدمير، وذبح البشر، وسبي النساء، وتقسيم المجتمعات إلى كفّار ومؤمنين، وثمة من يجوز سفك دمه، واغتصاب ماله وعرضه، السلوك السعودي منذ عقود، القائم على نشر الوهابية، من خلال رجال الدين، وتوزيع الكتب التي تتضمن الفكر الوهابي، وإقامة المراكز الثقافية الدينية في البلدان الإسلامية، وشراء الإعلاميين، ووسائل الإعلام، والتحريض على العروبة والقومية، والعمل على تشكيل فصائل تمارس القتل والإرهاب باسم الدين.. كل ذلك تتأسس عليه سياسات النظام السعودي، وسلوك آل سعود الوهابي.. وهي سياسات تتلاقى تماماً مع سياسات الصهيونية في السيطرة على الإعلام والثقافة والدين وكتابة تاريخ كاذب يشكل أرضية لاستمرار الصهيونية والوهابية.