صورة الملكة السورية / زنوبيا/في التاريخ -فايز مقدسي
كانت زنوبيا سيدة سورية عالية الجمال و غريبة الاطوار و شديدة الحذاقة و الذكاء .و كانتت تتكلم عدة لغات و واسعة الثقافة.لم ينبغ مثلها بين النساء سوى القليل .و فضلا عن جمالها و الهيبة التي كانت تفرضها على رجال الحكم في تدمر و على عامة الشعب فقد كانت كما تذكر كتب التاريخ عنها ذات دهاء و شدة. و كانت هي السيدة الحاكمة والتي كانت تحاور الوزراء و الفلاسفة و رجال الدين و الحكماء و تتباحث معهم في مواضيع شتى . و رغم انوثتها الطاغية كأمرأة فقد كانت زنوبيا تتصرف كاقوى الرجال. فلم تكن تستعمل سوى الحصان كفارسة لا مثيل لها و كانت ترفض ركوب هودج الجمل . و كانت تغلب كل من تناقشه و تبهره بفصاحة لسانها.مع ان قاعة العرش كانت تضم اناسا من اام مختلفة من بينهم الرومان و الفرس و الارمن. و كانت تسمح لهم ان يشربوا الخمر حتى الثمالة .اما هي فقد كانت تمتنع عن الشرب حتى لا تجعلها الثمالة تقول او تقبل او تفعل امرا لا تريده.
و كانت زنوبيا قد استلمت زمام امور المملكة بعد موت زوجها / اذينة/ و الارجح ان اصل اسمه في اعتقادي / ادن/
يعني /الذي يحكم و يدين . و اسم / دن/ موجود بالفي سنة قبل اسم ملك تدمر و كان شائعا عند السوريين مثل الملك السوري
/دن/ يعني /دان-ال/ المذكور في نصوص اوغاريت القيمة او /دانيل/ اي الديان / او الحاكم باسم الله . بينما كثير من الناس في بلادنا يظنون ان /دانيل/ اسم اوروبي. بينما هو اسم سوري خالص .و لما استعاره بعض امراء او الملوك المماليك في سوريا و مصر حولوه الى صيغة /الحاكم بامر الله/
اما اسم زنوبيا فيبدو انه كان في الاصل / زين/ و التاء للتأنيث – زينة / و الكلمة اليوم تدل على تزين المرأة و تجملها و هي في الاصل كلمة سورية من اصل سوري -حثي و تعني / بهجة و زينة العيد . و كانت الملكة زنوبيا ( الباء تأتي بمعنى /بيت//مكان.أي السيدة او المكان او البيت المزين بمناسبة عرس او عيد او مناسبة مفرحة. اما اسم /الزباء/ فهو تحريف عربي للاسم الاصلي لأنهم لم يكونوا يعرفون دلالته اللغوية و كذلك تم تحريفه الى /زينيب /. و معروف عن الملكة زنوبيا انها كانت عالية الاناقة و التجمل .و كانت بعد موت زوجها و استلامها مقاليد الامور في القصر تأتي الى القاعة للبحث مع مستشاريها في امور الدولة و الحكم و تحضير الحملات العسكرية .فتجعل ابنها و ولي العهد /وهب اللات / يعني الربة اعطت / و اخذ فيما بعد ، و بعد الغاء الالوهة المؤنثة ،
صيغة /عطالله / و هو اسم سائدالى اليوم . كان يجلس قربها و عليه افخر الثياب و هي بقربه و قد اسدلت على كتفيها شالا بلون
الارجوان / و هو اللون الملكي السوري الذي نقله الرومان فيما بعد و جعلوة بدورهم لونهم الملكي و الامبرطوري و لا ننسى
ان الذين كتبوا عن المسيح السوري ذكروا انه كان يضع على كتفيه معطفا ارجواني اللون او قرمزي كما نقول بالسورية القديمة
و لذلك اطلق عليه و بلغات اوروبا لقب /الملك القرمزي او الارجواني و بالانجليزية( King Crimson) يعني الملك القرمزي او الارجواني .و نلاحظ ان كلمة /قرمز /السورية دخلت كما هي الى الانجليزية/كيرمسون او قرمزن/.
و كانت زنوبيا لا تتحرج من وضع التاج الملكي على رأسها .و من يقترب منها عليه ان يسجد لها كعلامة على خضوعه و تكريمه لها
و كان يرافقها في جلساتها اكابر القصر و خلفها العديد من الصبايا من بنات اشراف القوم يحطن بها و اذا مشت مشين خلفها و حولها.
و كانت الملكة زنوبيا تستعرض ايضا الجنود المقاتلين في جيشها و هي تعتلي حصانها و عليها لباس الحرب و على رأسها خوذة من حديد. فكانت تحرض جنودها على الصبر و الثبات امام العدو و التحلي بالشجاعة و القوة.
و يقول اكثر الذين كتبوا عنها انها كانت امرأة عز نظيرها في التاريخ .
كما انها اهتمت ببناء العاصمة تدمر /بالميرا / .و اشادة المعابد و التماثيل و الانصاب و الاعمدة و الاقواس و المباني . و كان الاله المعبود يحمل لقب /بعل-شامين/ اي ، و كما هو واضح ( رب السموات ).و كانت اللغة السورية الارامية هي لغة المملكة .
ثم دار الزمن دورته و انكسرت زنوبيا في حربها ضد الرومان و تم اسرها و اقتيادها الى ايطاليا .و يحكى انها دخلت مدينة روما
و هي جالسة في عربة مذهبة تجرها الخيول و على رأسها التاج و يحف بها الخدم و الكاهنات المقدسات و الحرس.و هي تنظر في استعلاء الى الشعب الروماني الذي اصطف يتفرج على هذا الموكب و قد ادركه الذهول.
كتب التاريخ تذكر ان زنوبيا سكنت مع حاشيتها قصرا خاصا بها في روما و انها فيما بعد ماتت و دفنت في روما
. و لاشك ان اولاد و اعضاء حاشية زنوبيا في روما قد امتزجوا من الرومان مغ الزمن
و تم عقد عقود زواج كثيرة بينهم و بين الرومانيين .و لا شك انه يوجد و حتى اليوم في ايطاليا اشخاصا من سلالة زنوبيا السورية
دون ان يعرفوا ان زنوبيا كانت جدتهم العظمى و الكبرى .
عندم ا زرت انا شخصيا /تدمر / سنة 2007 و تجولت بين اثارها و دخلت الى مبانيها و معابدها وقفت مسحورا بتلك الروائع
و القيت السلام باسم سوريا الام الكبرى على الملكة زنوبيا بقلبي ، و بدون ان الفظ كلمة واحدة .و كان اعتقادي كبيرا انها
ُسرت بزيارتي و سمعت كلامي . و ُ خيل اليّ انها قالت لي في همس : ( دير بالك على امنا سوريا ).
—————————————————
ف.م
باريس 2016