.الفقه الاســـــــــــــلامي السيــاسي المغــــلق إلــى أيــــن ؟
……………..أليـس الارهـاب التجـسيد العمــلي للفقـه الاسلامي المـغلق ؟
……………..لاعقــلانية بدون ازاحة هذا الفـــكر السلـــفي الاستسـلامي
ـــــــــــــــــــــــــ موضوع جديد وهام جداً مطروح للحوارــــــــــــــــــــــ
.الاستاذ مجمد محسن
ينتمي الاسلام السياسي المغلق إلى الوعي ما قبل عقلي ، المسيج برموز الماضي والقابع خارج الزمان وخارج التاريخ ، والواقف عند فقيه المذهب الذي كتب مدونته العتيقة ، والمؤطر ضمن مسار دائري مغلق ، ( من الفقيه صاحب المدونة إلى شيخ هذا الزمان وثم العودة إلى الفقيه عند كل مشكلة تعترض طريق الشيخ ليقيسها على ضوء ما قاله الفقيه قبل ألف عام وأكثر ) ، هذا الفقه يقوم على عقيدة مقدسة ونهائية لا تقبل الحوار ولا التأويل ولا الاجتهاد ، فهو يعتمد على مبدأين :
.
التسليم المطلق ــ للسلف الذي لم يترك شيئاً للخلف ـــ ، وقاعدة ــ أن الانسان مسير وليس بمخير ــ
.
ولا يجوز أن يستخدم العقل في أي مجال من مجالات الحياة ، حتى ولا يعتمده في مناقشة أية مسألة اجتماعية ، لأن حياة الانسان باعتقادهم تسيرها أقدار مرسومة مسبقاً ومنذ الأزل ، وفق نواميس لا علاقة للإنسان بها بل هو خاضع لمشيئتها ، وما تقدمه الحضارة ليس إلا معطاً من معطيات الكون المقرر بكل تفاصيله ، وهو محكي عنه من قبل الأولين فلا جديد فيه ، وهو عبارة عن حادث مقدر له أن يحدث ولا راد له ولا يد لنا به ، ويعتبرون استخدام الحوار العقلي في أي بحث نظري أو عملي يتعلق بالكون المحيط بنا ، يقود إلى التساؤل والتساؤل يقود إلى الشك والشك يقود إلى الشرك بالله ، وعلى الكافة التسليم والقبول بكل ما يعترض حياتهم من نجاحات واخفاقات لأنه مقدر لهم ومكتوب منذ الأزل ، ولا يجوز التشكيك بذلك ، انطلاقاً من قناعة تقوم على أن كل شيء لا يتحرك إلا بأمر مقدر ومكتوب مسبقاً .
.
كقول كبير فقهاء الاسلام " الغزالي " حيث قال : " اذا اقتربت القطنة من النار فلا تشتعل إلا بأمر من الله " ، أي ينكرون القوانين الطبيعية الكيميائية والفيزيائية التي تعمل وتتفاعل في الطبيعة بشكل مستقل وتلقائي ، وكلنا مسيرون بأمره وليس لنا خيار فكل حركة أو سكنة مرسومة لنا منذ الأزل ، فالنجاح مقرر والرسوب مقرر ، إن اجتهد الانسان أم لم يجتهد ، وهذه دعوة صريحة للكسل والتواكل ، فما دام كل أمر مقدر لا يتغير ولا يتبدل فلماذا العمل والتعب وبذل الجهد ، ـــ فالرزق مقسوم ـــ وخيره وشره من الله ـــ وكل ما يواجهنا هو مكتوب باللوح المحفوظ ، ولا محيد منه ، فيا بني آدم قدر الله لكم أن تعيشوا كما رسمه الله لكم ، والنجاحات والإخفاقات كلها بأمر من الله ، حتى ان وقعت وانكسرت قدمك فالكسر من عند الله ، ، والمطلوب منك فقط أن تؤدي الفرائض والطقوس في أوقاتها ، وكما يرسمها لك شيخك ، وأن تستسلم لمشيئته ، وكل شيء يتم بأمر ولا دور لك في أي أمر.
.
أي أن الاسلام السياسي المغلق يعد الانسان ليكون زاهداً في حياته ، مستسلماً للقضاء ، فلا حاجة لبذل الجهد ، ما دام الرزق مقسوماً ، وما عليك إلا أن تعيش زاهداً قانتاً متعبداً وتعيش كأنك ستموت غداً ، فتلقى وجه ربك وأنت خانعاً طائعاً ، فتذهب إلى جنان الخلد ، أي أن الاسلام المستسلم يهيئ الانسان من يوم مولده ليستقبل يوم موته .
لذلك زندق الغزالي أكبر فقيه في الاسلام الفلاسفة الذين يستخدمون العقل في دراساتهم وتحليلاتهم ، والذين يقولون بالسببية أي أن لكل شيء سببا ، وكتب كتابه الشهير" تهافت الفلسفة " لأن الفلسفة بحسب رأيه تعتمد العقل في استخراج واستنباط الأحكام والمعاني من خلال منطق يقوده العقل والعلم والمعرفة .
.
ولما رد عليه ابن رشد بكتابه المشهور أيضاً " تهافت التهافت " أي تهافت رأي الغزالي ودفاعاً عن الفلسفة والعقل ، شُهر بابن رشد ، وعُذب ، ونُفي ، وحرقت كتبه وتصانيفه في ساحة المدينة ، استجابة لطلب تلاميذ وأتباع فقه الغزالي ./ ما أشبه اليوم بما فات قبل / 800 / عام / !! ولقد ايد الغزالي أيضاً ابن خلدون المؤرخ المشهور الذي اعتبر أن كل شيء مقدر ، وأمر بعدم استخدام العقل في الحوارات الدينية ، ومنذ ذلك الحين وكل الفقهاء ــ مع بعض الاستثناءات ــ يأخذون بهذا الرأي ، الذي جسده عملياً ابن تيمية ، وابن القيم الجوزية ، ومحمد بن عبد الوهاب ، وأبو الأعلى المودودي , وكل فقهاء الوهابية في السعودية وغيرها ، الذي يقوم على قتل المخالف لأنه كافر والكافر يقتل ، ومن لا يقتل الكافر يقتل ايضاً .
ثم جاء سيد قطب ، وحسن البنا ، والهضيبي ، ليؤسسوا الحركة الدولية لحزب الاخوان المسلمين في مصر عام / 1928 / على نفس الفقه المغلق ونفس العقيدة مع اختلافات بسيطة في التفاصيل ، واعتمدوا مبدأ " الحاكمية لله " وأنهم هم المخولون وحدهم فقط تنفيذ أحكام الله ، ومن يعارض فتاويهم ، ولا ينصاع لمرشدهم الذي يملك الحل والعقد ، وبيده مفاتيح الجنة وله وحده الحق في توزيع صكوك الدخول إلى الجنة ، ومن يعارضه هو كافر أو زنديق ويستوجب قتله ، أو هو بمنزلة بين منزلتين أي ليس بمؤمن وليس بكافر ، فحسابه مؤجل إلى يوم القيامة .
.
هذا الفقه التلفيقي الانتقائي المغلق الذي لا يقيم للعقل وزناً ، والذي يهيمن على عقول الملايين من الشيوخ المعممين الموزعين على اتساع الجغرافيا الاسلامية حتى اليوم ، من أتباع محمد بن عبد الوهاب أو من جماعة الإخوان المسلمين ، أو حتى من غيرهم ، هذا الفقه شكل جسراً لكل التهويمات ، والخرافات ، والخزعبلات ، والأوهام ، التي يستغلها رجال الدين للعب بعقول البسطاء والسذج ولبسط السيطرة وفرض الوصاية المادية والعقلية على العوام باسم الدين الحنيف ، وفرض حالة من الايمان الشكلاني وحالة من التسليم والتبعية ، وأشاعة جو من التواكل ، والاتكاء في كل رأي وموقف على فتوى شيخ أو امام ، حتى كأننا لانزال في عصور الانحطاط .
هذا النمط من التدين الشكلاني الخرافي وغير العقلاني ، ليس طارئاً أو حديث العهد ، بل يمتد قروناً سحيقة في الفكر الاسلامي ، وكانت تتبناه جميع السلطات التي تتالت على الحكم في العالم الاسلامي ، لأنه يريحها ، منذ الخليفة معاوية ، ويرفع عنها مسؤولية أي أمر ، بذريعة أن الله هو الذي أمرها القيام بهذا الفعل أوذاك ، فالخليفة بحسب هذا الفهم الغريب وعندما يقدم على قتل واحد من خصومه ، يزعم أن هذا الأمر مقدر من الله ، والخليفة أو الأمير مجرد منفذ لإرادة الله الآمر بالقتل تخيل ؟؟؟!!.
.
ولقد تعزز هذا النهج وهذا الفقه بشكل نهائي في عهد الخليفة المتوكل الخليفة الذي قضى على آخر النزعات العقلانية التي جاء بها المعتزلة ، والتي كان قد تبناها الخليفة المأمون وعممها وسار على نهجها كل من الخليفة المعتصم ، والواثق ، ولكن المتوكل الماجن الذي كانت " تملك أيمانه " أربعة آلاف جارية ، والعديد من الغلمان ، وكان يعاقر الخمر ويرتكب كل المعاصي ، كان ملعوناً من قبل جميع رجال الدين في عصره .
ولكنه عندما ارتكب جريمته تلك ضد الحركة المعتزلية العقلانية وقتل أتباعها ، وحرق كتبها وتصانيفها ، نال التوبة والغفران من رجال الدين في عصره ، وعادت المنابر لتلهج باسمه وللثناء عليه ، ، وباتت عبارة " رضي الله عنه وأرضاه " لازمة في كل خطبة أو حديث يذكر فيه اسم الخليفة المتوكل ، حتى أنهم وضعوه في مرتبة الخليفة الراشدي " أبو بكر " لأنهم اعتبروا أن ما أنجزه هذا الخليفة الماجن قد خلص الدين من لوثة العقل التي جاء بها المعتزلة ، ودرج على منواله جميع الخلفاء العباسيين الذين جاؤوا من بعده ، ورسخه وأضاف إليه عماءً ، الغزاة المغول ، والتتار ، والأيوبيون ، والمماليك ، والسلاجقة ، وأحفادهم العثمانيين الذين شكلوا الخاتمة والنهج الذي لايزال متبعاً حتى الآن ، الذين وبالتسلسل ، افرغوا الدين من محتواه الانساني الأخلاقي ، الذي يجب أن يكون هو غاية كل الأديان ، وحولوه إلى طقوس وفرائض من يقوم بها بصيغتها الشكلانية سيكون مثواه الجنة ، وإلا فهو في سقر قائم فيها .
.
ـــ مثال : " من يحج إلى بيت الله الحرام ، يعود كما ولدته أمه " أليس في هذا الفهم دعوة لارتكاب المعاصي التي يمحيها الحج ؟؟؟!!!
ومنذ ذلك الزمن الموغل في القدم وغالبية المسلمين يسيرون في هذا العماء ، بعيدين عن الدين الحنيف ، وعن المنطق الذي يحكمه العقل ، الذي يعتبر الميزان والحكم في كل الأمور الحياتية ، والطريق الوحيد إلى المعرفة ، وإلى العلم ، ولولاه لما كانت الحضارة الانسانية قد سارت هذا الشأو من الانجازات ، على جميع مناحي الحياة ، ومن يغلق العقل يغلق طريق المعرفة ، ويصبح أداة صماء يلعب بها فقهاء الفتنة والغباء والتكفير والتعصب ، وما نراه الآن من ارهاب أسود وقتل وتمثيل ، ليس إلا الابن الشرعي والتطبيق العملي لهذا الفكر الديني المغلق . الذي يقتل حتى المسلم الذي يخالفه في الرأي .
.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لذلك لا يمكن التفكير بنقلة فكرية نوعية جذرية نحو العقل والعقلانية ، في مجال الوعي الجمعي الاسلامي العام ، بدون ازاحة هذا الفقه الديني السلفي الاستسلامي بل واجتثاثه ، لنقود مجتمعنا إلى المجال العقلاني الانساني الرحب المنفتح على صنوف العلم والمعرفة .
ونعيد لأجدادنا الفلاسفة والمفكرين العقلانيين مكانتهم ، من واصل بن عطاء ، والرازي ، والفارابي ، وابن سنا ، وحتى المعري وصولاً إلى أستاذنا حسين مروة ، وغيرهم من المفكرين العقلانيين الكثر ، ونُحيي علومهم ونبني عليها ، ونخلص تراثنا من طابعه الديني المحض ، واعادة دراسة التاريخ واعتباره نشاط اجتماعي انساني ، فيه الكثير من الاخفاقات ، وبعض الانتصارات .