بقلم الدكتور أديب عارف
منذ أكثر من خمس سنوات ومفاعلات الغرب الإعلامية تبث سمومها وتنفث إشعاعاتها بكل ما استطاعت من قوة لتسميم العقول والقلوب والأقلام , وتشويه الوقائع و الحقائق , وتزوير المصطلحات والمفاهيم فتجعل من الباطل حقا ومن الحق باطلا ومن الواقع وهما ومن الوهم واقعا ,متجاوزة كل القوانين والمعايير المهنية والأخلاقية والمصداقية الإعلامية , مستخفةً بالعقل المتلقّي للخبر والمعلومة لدرجة يصعب تصديقها في القرن الواحد و العشرين ,الذي أصبحت فيه وسائل الاتصال والتواصل والمعرفة متاحة للجميع خلافا لما كانت عليه في القرن المنصرم .
أكثر ما يخيف ويدعو لدق ناقوس الخطر المعرفي و الثقافي والأخلاقي ,هو يقين وقناعة وثقة اخطبوط الإعلام المتصهين الموجّه إلى عالمنا العربي ,بوهن وضعف العقل العربي وانتفاء قدرته على التفكير والتحليل والاستنتاج المنطقي .هذه الثقة جعلته يذهب بعيدا ويتمادى باستهتار وإذلال هذا العقل ويتجاوز كل المعايير و الحدود عند تقديمه للمادة الإعلامية الفاسدة والمفسدة التي يتم تصنيعها وتثليجها عادةً في مراكز الاستخبارات الغربية ليصار إلى إخراجها عند الحاجة من ثلاجاتها وتقديمها إلى رؤوس تعفنت في ظلمات الجهل وعقول وعيون أصيبت بعمى ألوان فكري ومعرفي و ثقافي وأخلاقي خطير ومزمن يصعب توصيفه وعلاجه .
هذا الإعلام الحقير والخطير ومن خلفه يعلمون جيدا أن العقل العربي في إجازة طويلة بدأت منذ أن حرّم أصحاب الجلالة و الفخامة في عالمنا العربي الكلام في الشأن العام والسياسات العامة وجعلوه حكراً على الخاضعين لدورات التدجين الفكري في المعسكرات الإيديولوجية لهذا الحاكم أو ذاك الملك فكانت النتيجة أن خرج علينا مثقفون كروبوتات مبرمجة تتكربج عند أول حرف تقوله خارج السياق الإيديولوجي الذي تم حشوه في ذاكرتها .
يعلم أصحاب مفاعلات الإعلام في الغرب أنهم لا يغامرون ولا يقامرون باستخفافهم بعقل المشاهد العربي المتابع ,بل المدمن على قنواتهم التي لم يعد له أصلا غيرها للمتابعة بعد أن خذلته القنوات الوطنية بسبب افتقارها لأدنى درجات الخبرة المهنية الإعلامية ,اللهم إلا إذا استثنينا خبرتها العظيمة في التهليل والتكبير والتطبيل والتزمير وبرامج الطبخ والرقص والغناء .
قد يكون أخطر ما توصلت إليه المفاعلات الذرية الإعلامية في امبراطورية العم سام هو,قدرتها الفائقة على إحداث التغيير في المناخ الفكري العام للمجتمع وقدرتها الهائلة على ضبطه وتوجيهه بالإتجاه الذي يخدم سياساتها و مصالحها حتى ولو كانت تتعارض مع سياسات ومصالح أبناء المجتمع المستهدف بالقصف الذري الإعلامي , والأنكى والأخطر من ذلك هو قدرة هذا الغول الإعلامي على صناعة الأحداث وتصويرها ونقلها للمشاهد الهدف على أنها حقيقة وواقع من أجل خلق بلبلة وفوضى ومن ثم إعطاء الشرعية لهذه الفوضى, وهذا أخطر ما يمكن أن يفعله الإعلام عموما, وقد فعله إعلام العم سام ووكلائه في العالم العربي .
لكن آخر وأهم ما توصلت إليه مفاعلات العم سام الإعلامية من فتوحات هو أنها استطاعت ,وبنجاح منقطع النظير ,تخصيب يورانيوم الجهل العربي لدرجات يرفض العلم والمنطق نفسه تصديقها . فقد استطاعت أن تقنع وبسهولة المواطن العربي بأن :
1- ثمة ربيع عربي يمكن أن يتحقق بقيادة أخوانية أو صهيووهابية !!!!
2- وبأن دولا احتلته و استعمرته وسلبته ونهبته وشردته يمكن أن تدعم ربيعا فيه خير له !!!!
3- وبأن قيادة أخوانية تريد بناء دولة علمانية !!!!!!!!!!!
4- وبأن اسرائيل هي دولة صديقة وشقيقة وأن إيران دولة عدوة كافرة !!!!
5- وبأن الجهاد فرض عين في ليبيا وتونس ومصر و سوريا واليمن وكل مكان عدا فلسطين !!!!
6- وبأن كازيات الخليج هي دول ديمقراطية وملوكها وملّاكها هم رؤساء منتخبون !!!!
7- وأن حزب الله هو منظمة إرهابية والقاعدة والنصرة حمائم سلام !!!!!!
8- وأن الجامعة العربية عربية و نبيلها نبيل !!!
9- وأن برنار ليفي هو من بقية السلف الصالح !!!!
10- وأن قناتي الجزيرة والعربية تختلفان عن القنوات العبرية ,وان عزمي بشارة وفيصل القاسم و الظفيري وخديجة وليلي ووو يختلفون عن أفيخاي أذرعي ودافيد و أرييل وووو وبأن و بأن و بأن
ولكن وبما أن العقل العربي في إجازة وإلى حين عودته منها , فإن خير ما نفعله كعرب عموما وسوريين خصوصا لمواجهة الإشعاعات السامة لهذه المفاعلات الإعلامية , هو أن نتمسك بكمّامات الفكر والمفكرين الوطنيين الصادقين والمخلصين للعلم الوطني و النشيد الوطني و الجيش الوطني وأن نحافظ على دولتنا واحدة موحدة مهما كانت التضحيات