الصناعة الدينية وتحديها .. صناعة العدو وصناعة الصديق
نارام سرجون
..
——————————————————-
منذ الثورة الصناعية والبشر يصنعون كل شيء .. وتحول كل شيء بالتدريج الى صناعة .. حتى عيد الحب صار صناعة لها ورودها الحمراء ودببتها .. والتجول والتسكع على أرصفة العالم صار يصب في خانة الصناعة التي سميت الصناعة السياحية .. ولكن بالرغم من أن الأديان كانت في منأى عن هذا المصطلح اللئيم المادي والجشع الا أنه عندما ظهرت الفضائيات الدينية صارت لدينا صناعة الدين مثلها مثل أي صناعة .. وتفرعت منها صناعة الايمان .. وحتى الله صار صناعة .. فهناك من صار يصنع لنا الها لم نعرفه من قبل .. فالله له صانعون كثر .. فهو في الشرق يختلف عن الله في الغرب . وهو عند أهل الشيعة لايشبه الله الذي يصنعه صناع أهل السنة .. ولدى أتباع المسيحية فان الرب لايشبه الرب الذي صنعه اليهود ويحتكره حاخامات اليهود لأن أصحاب التوراة صنعوه من أجل أن يفضلهم ويختارهم من بين شعوب الدنيا ..
ولكل فضائية دينية انتاجها الخاص بها ووكلاء التوزيع والترويج لمنتجاتها الصناعية الدينية من ذوي اللحى والفضيلة والنيافات وغيرهم .. وهناك صناعة فوضوية لكل شيء من قوالب النبي والصحابة وآل البيت .. فللنبي قوالب كثيرة لانعرف من منها كان القالب الأصيل.. فالنصرة صنعت لنا من التراث قالبا للنبي يختلف عن النبي الذي كانت تصنعه لنا المساجد وحلقات الدراويش والمتصوفة ويرسمه في مخيلتنا أستاذ حصة الديانة حيث كان النبي طيبا وكريما ومتسامحا ونزعل عليه من شدة طيبة قلبه وتسامحه حتى أنه عندما تمكن من ألد أعدائه في مكة قال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء وسامح زعيم المعارضة أبا سفيان وجعله من أخيار المسلمين .. وقامت داعش بصناعة نسخة معدلة جديدة من النبي والصحابة الأشداء الذين ليس في قلوبهم رحمة .. وهم آلات قتل ومبرمجون على الذبح والسحل والشبح والصلب والحرق وسمل العيون والدهس والرمي من الشواهق ..
ولكن تبين لنا أن أخطر مافي صناعة الدين هو أنها مقدمة لصناعة العدو .. فصناعة العدو لدينا تبدأ بصناعة الدين .. فمن يمتلك صناعة الدين والإسلام يستطيع ان يصنع لنا العدو الذي يناسبه ويصنع لنا وجه الصديق الذي يرغب فيه .. ومن يمتلك الصناعة الدينية فانه يتحكم بصناعة العقل الديني وابتكاره لأن الدين اذا صنعه العقل صار روحا وحضارة كما الديانات القديمة حتى الوثنية منها حيث قام العقل بابتكار الدين .. ولكن ان صنع الدين العقل ونحته وصار العقل من انتاج الدين تحول العقل الى كائن خرافي خطير لايستقر ..
ويستطيع كل من يصنع الدين أن يدلف الى فرع دقيق من الصناعة هي صناعة الحب وصناعة الكراهية .. صناعة الايمان وصناعة التكفير .. وصناعة الأبطال وصناعة الرسل .. فالبغدادي تم تصنيعه ليتصرف مثل الرسول .. والجولاني صار رسولا يحيط به صحابة يروون عنه الحديث مثل احمد منصور والصحابي الجليل فيصل القاسم وميشيل كيلو .. كما نجد اليوم الرسل الجدد الذين تم انتاجهم في خطوط انتاج الديانات الجديدة .. وأعني بهم أصحاب الطوائف وزعماء الطوائف الذين يتصرفون كألأنبياء والرسل دون أي فرق .. مثل النبي وليد جنبلاط والنبي أمين الجميل عليهما السلام .. والنبي سمير جعجع .. والنبي رفيء الحريري الذي ترك لنا أسباطا وأصغر الأسباط هو سعدو الحريري نبي المؤمنين اللبنانيين ..الذي يوصي لهم بمن يحبون وبمن يكرهون .. فهو قادهم يوما لحرب الأسد مع دمشق وفي يوم آخر قادهم للاعتذار من الأسد ..ثم جرهم من رقابهم الى الحرب مع الأسد كما لو كان تلقى وحيا الهيا فتبعه المؤمنون دون أن يسألوه كما تبع المؤمنون كل الأنبياء .. ركبوا مع نوح الحريري الفلك لباس صنعها لهم ثم هبطوا منها عندما استقرت على جرود عرسال ..
المسلمون ودينهم دخلوا مرحلة الصناعة الدينية التي بدأتها مؤسسة اتحاد علماء المسلمين لصاحبها يوسف القرضاوي .. المسلمون عندما لم يصنعوا أية آلة أو أية مركبة فضائية ولم يبللوا اقلامهم بالكيمياء والفيزياء النووية وجدوا أن يتجهوا الى صناعة الدين لأنها على مايبدو بلا كلفة وأسهل الصناعات .. ولمّا صنع الغرب لهم دينهم الجديد غيروا عدوهم وصديقهم فالدين يصنع الأعداء والأصدقاء ..
فمن عجائب الدنيا أن اليهودي كان في كل الوثائق والمخطوطات الإسلامية وعلى مدى 15 قرنا هو الذي تآمر على النبي في غزوة الخندق وأخبرتنا كتب السيرة أن أحبار اليهود ناكفوا النبي وعارضوه وحرضوا عليه وحاولوا قتله حتى اضطر الى طردهم من المدينة واضطر الى أن يغزوهم في خيبر .. وبقي المسلمون ثابتين على هذه النظرة المرتابة باليهودي الى أن حدث الاحتكاك الأول مع اليهودي في فلسطين .. ولم يتزحزح اليهودي عن مكانه الذي وضع فيه في متحف المسلمين طوال عقود الى أن ظهرت لأول مرة الصناعة الدينية وظهرت معامل الوعاظ والفضائيات واتحاد علماء المسلمين .. وفي أقل من عشر سنوات ذابت 1500 سنة من الريبة بالكائن اليهودي الذي كان عدوا ومشبوها ويثير كل الشك والقلق ..
اليوم ظهر مسلمون جدد من منتجات العصر الصناعي للدين يجاهرون بتغيير دينهم ودين نبيهم .. وأهم علامات التغيير هي الصفح عن اليهودي الإسرائيلي الذي سرق الأقصى واتخاذه وليا حميما .. بل والدعوة الى التخلي عن الأقصى وعدم نصرته .. وتحول الناتو الى نصير يهاجر اليه المسلمون ويطلبون منه النجدة وتحول الإسرائيلي الذي يستولي على أهم مركز إسلامي بعد الحرم المكي الى حليف ..فيما حل المسلمون الآخرون الى أغيار .. وأعداء وكفار .. وصار المجاهدون يجاهدون لحرب المسلمين ..
السؤال الذي أريد مثل كثيرين أن أعرف جوابه هو: كيف نوقف العصر الصناعي للأديان؟؟ وصناعة الرسل وصحابة الرسل؟؟ .. ليس لأنني أريد أن أحافظ على عداوتي لأحد لكن من أجل أن أوقف صناعة أعداء بلا نهاية من نفسي ومن لحمي ودمي .. لأن حالة العداء الداخلي بين المسلمين لن تتوقف هنا .. فهناك من يعمل اليوم في غرف الصناعة الدينية على أن يتفكك السنة الى طوائف .. وأن يتفكك الشيعة الى ملل لاتعد ولاتحصى .. فهناك مؤيدون لنهج الجولاني وهناك مؤيدون لنهج البغدادي وهناك أزهريون ووهابيون وو .. أي عملية تفكيك فوق مذهبية لن تنتهي لأن صراع الأضداد صار داخليا ولم يعد خارجيا فقط .. وسيكون من منتجاتها شيعة يقاتلون شيعة وسنة يقاتلون سنة .. وهذا أمر سيكون سهلا طالما ان صناعة الدين انطلقت وخرجت عن كل ضبط وسيطرة ..
هناك حاجة ماسة لأن يعاد للوعي دوره وأن يتم إيجاد آلية لافراغ الصناعة الدينية من محتواها ليس بمواجهتها بنفس السلاح والمبارزة وليس بتدمير الدين بل باعلاء رتبة العقل وصناعة الوعي وخلق العقل النقدي .. لاشيء يمكن أن يقهر الصناعة الدينية الا صناعة متفوقة عليها هي صناعة الوعي المتفوق الذي يذيب الرسل في الطوائف ويصهر أنبياء الفضاء .. انها مهمة جيل مابعد الحرب السورية .. عندها سيعود الصراع مع الإسرائيليين ومع الغرب الى كونه صراعا على الوجود والأرض والانسان بدل أن يكون صراع الكتب السماوية وصراع الصليبيين واليهود مع المسلمين .. حيث ستنهار صناعة الايمان وصناعة الأديان .. ويظهر عصر الأرض .. وعصر الانسان ..