كانت أمّي تقمقمُ الفاصولياء
وتفرزُ حبوبَ البازلاءِ للشتاء
…..
وكان أبي رجلاً بكلِ المعاني
يقضي يومهُ لتأمينِ الكساء
…..
وكنّا نذهبُ للمدرسةِ ممتعضينَ
نأخذُ الدروسَ ونعودُ سعداء
…..
وكانت أكبرَ همومنا أن نحضُرَ
برامجَ الأطفالِ بوجودِ الكهرباء
…..
وأسعدُ اللحظاتِ كانت تأتينا
أهداء معلمتي بطاقةَ استثناء
…..
كانت دمعتُنا سخيةَ الانهمارِ
اذا ماقصّرنا في علامةِ الاملاء
…..
أو أحد رفاقي كسرَ مِسطرَتي
كنت أحسُ بعِظمِ ذاكَ البلاء
…..
وكان لنا جيرانٌ من كلِ صوبٍ
بسطاءٌ لاأميّز اغنياءً أم فقراء
…..
وكانت تقامُ السهراتُ بلاموعدٍ
وخيرةُ الطعامِ والرقصِ والغِناء
…..
كنّا حينها صغاراً يعترينا الخجل
في مُزاحِ الكبارِ يتملّكنا الحياء
…..
وكنّا نرى عصا والدي نارَ جهنّم
نخشى الخطأَ في أبسطِ الأشياء
…..
وكانت جارتنا تملكُ حسّ دُعابةٍ
ترسمُ الضحكةَ في محضرِ النساء
…..
يتداولنَ أحاديثَ الصباحِ المبكرةِ
ثم ينصرفنَ للتنظيفِ وطهوِ الغداء
……
وكان شارعَنا دوماً نظيفاً هادئاً
تجتمع الناسُ في السراءِ والضراء
…..
حتى أذكرُ مرةً جارنا توفي فجأةً
فخلت بيوتنا من أهالينا في العزاء
…..
وأتى أمرٌ من والدي صارماً حازماً
يمنعُ تشغيلَ التلفازِ لأسبوعٍ سواء
…..
وأذكرُ مرةً جاراً آخرَ أُسعفَ بمرضٍ
فلا نسمعُ الا الهمسَ بالدعاءِ للشفاء
…..
وأذكر وأذكرُ والذكرياتُ تعصِف بي
كان وكانت فعلُ ماضٍ ناقصِ الحياء
…..
لا أدري كيف أخطُّ حروفي بسكرةٍ
لعلها ضمائرُ الغائبين قد تعودُ أحياء
…..
ذاكَ ضربٌ من الجنونِ خطّته يداي
ادعوا للمجنونِ ( لي ) بخيرِ الدعاء
…..