د . اديب عارف ·
كان الفيلسوف الكبيركارل ماركس محقا جداً عندما قال : "الفقر لا يصنع ثورة وإنما وعي الفقرهو الذي يصنع الثورة , فمهمة الحاكم أن يجعلك فقيرا , ومهمة شيخ الحاكم أن يجعل وعيك ,في أنك فقير , غائباً ", فقد حرص حكام أوروبا في العصور الوسطى على تفقير الشعوب الأوروبية جنبا إلى جنب مع رجال الكنيسة الذين حرصوا على تغييب وعي تلك الشعوب بأنها مظلومة وفقيرة , وهذا بالضبط ما فعله ويفعله اليوم الحكام العرب جنبا إلى جنب مع وزراء أوقافهم وشيوخ البلاط .
لكنّ الله منَّ على الغرب بفلاسفة ورجال علم وفكر ومعرفة , من طراز " نيوتن وسميث ومونتسكيو وكانط وجان لوك وروسو والأخوان لوميير وهيجل وماركس وإنكلز وداروين والقائمة تطول ", كان لهم أشد الأثر في يقظة الوعي عند الشعوب وحضها على تغيير واقعها الأليم آنذاك ودفعها إلى المطالبة بحريتها وحقوقها الإنسانية وبناء الدولة المدنية العلمانية التي تفصل الدين عن الدولة وتترك لأجهزة ومؤسسات الدولة المدنية مهمة إدارة الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية .
نعم, بفضل فلاسفة وعلماء وأدباء ومفكري عصر التنوير في الغرب استيقظ الوعي عند الشعوب الأوروبية وثارت وغيرت واقعها وكسرت حواجز تقديس الخرافات والأساطير ورمتها في سلة مهملات التاريخ وبدأت الثورة الصناعية الأولى مع نهاية القرن الثامن عشر ومن ثم الثورة الثانية المعروفة بالثورة التكنولوجية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى أن وصلت إلى عصر الذرّة والنفاث وغزو الفضاء وما يسمى اليوم بالثورة الرقمية .
لن نعتب على حكام العرب الذين حرصوا على تكريس جهلنا وفقرنا وتخلفنا وخنوعنا وركوعنا منذ قرون طويلة , لأنهم لا يريدوننا إلا عبيدا للحفاظ على الكراسي والعروش التي قد تهتز وتنقلب وتتكسر بمجرد استيقاظ العقل العربي من ثباته وتحريره من قيود الفكر المتعفن , ولن نلوم مشائخ البلاط المتعاقدين,المتكافلين ,المتضامنين والمتآمرين مع الحكام على ترهيب وتعذيب وتغييب العقل العربي وسجنه في ظلمات خرافاتهم وأساطيرهم لأنهم في مركب واحد ومصير واحد .
نحن نلوم ونعتب على الغالبية الساحقة من الفلاسفة والمفكرين والعلماء والأدباء والكتّاب والفنانين العرب الذين تجاوزوا أهل الكهف في نومهم الطويل وباعوا أنفسهم وشعوبهم للسلاطين والحكام وأحيانا للمحتلين بحفنة مال أو منصب أو أية منفعة شخصية , لا بل وتنافسوا مع مشائخ البلاط في تأييد وتمجيد وتفخيم وتعظيم الحكام والسلاطين حتى أوصلوهم لحدود التقديس والتنزيه والتأليه وجعلوا من شعوبهم مجرد عبيد خائفة جائعة حافية جاهلة لا تجيد إلا العبودية وتقبيل الأيادي والتقديس والتسبيح بحمد أسيادها .
هل عجز رحم هذه الأمة عن إنجاب " غاليليو عربي " يقول لحكام العربان بأن الشمس لا تدور حولهم وأنهم ليسو مركز الكون ؟؟
هل أصيبت كل أرحام وعقول هذه الأمة العربية العظيمة بالعقم الفكري, حتى لا تنجب " اسحاق نيوتن عربي " يثبت للسلاطين والملوك ومشائخ البلاط أنه بفضل جاذبيتهم سقطنا إلى أسفل السافلين ؟؟
هل ستولد هذه الأمة "ماركس عربي" يقول لها أن الأفيون الذي تتعاطاه قد نبذته وتخلصت منه كل الأمم المحترمة في هذا العالم ؟؟
هل سيولد "داروين عربي" يثبت لنا بأننا لن نتقدم ولن نتطور ولن يحترمنا المجتمع الإنساني إذا لم نتخلص من ذلك القرد القابع في عقولنا منذ قرون ؟؟
أين هم فلاسفة التنوير في العالم العربي ؟؟؟