عثرت في ذاكرة حاسوبي، على ترجمتي لبعض قصائد توماس ترانسترومر، اخترت لكم منها هذه القصيدة:
يتوقّف الأرغن عن العزف ويطبق الصّمت على الكنيسة
لحظات قليلة لا غير.
يتسلّل هدير حركة المرور الخافت إلى الدّاخل
الأرغن الأكبر.
ها نحن يحيط بنا هدير المرور
حول جدران الكاتدرائية
هناك ينزلق العالم كفيلم شفّاف
وهنا ظلال تتصارع بنعومة.
أسمع خفقة نبضي في الصمت
كأنها توحّدت بصخب الشارع.
أسمع دورتي الدّموية: شلاّل يختبئ داخلي ويرافقني أينما كنت
وقريباً كدمي وبعيداً كذكرى من سنتي الرابعة
أسمع قطاراً يعدو
ويجعل جدراناً ذات الستمائة عام ترتجّ
إنه ليس حضن أمّ
وأنا الآن، رغم ذلك طفل
يسمع حديث الراشدين من بعيد،
تداخل أصوات الرابحين والخاسرين.
على المقاعد الزرق رعيّة متناثرة
والأعمدة تقف كأشجار غريبة
دون جذور (فقط أرض مشتركة)
ولا تيجان (فقط سقف مشترك)
أستعيد حلما قديما: وحيدا في المقبرة
في كل مكان يتلألأ الخلنج على مدى البصر
من أنتظر؟ صديقا. لماذا لم يأت؟
لأنه هنا.
على مهل يطلق الموت الضوء من الأسفل،
من الأرض.
تشعّ الأرض الجرداء بلون بنفسجيّ حارّ
بل بلون لم يعرفه أحد من قبل
إلى أن يصفر نور الصباح بين أجفاني
وأصحو على “ربما” الثابتة
تحملني إلى العالم المتأرجح
وكل صورة تجريدية للعالم تظل مستحيلة
مثل رسم العاصفة.
في البيت تشغل الموسوعة الشاملة
مترا طوليا في مكتبتي
تدرّبت على قراءتها
لكن لكل إنسان موسوعته الخاصة
التي تنمو في كل روح
تُكتب منذ الولادة نحو المستقبل
مئات الآلف من الصفحات المدمجة
لكن النسائم تهزّها دائما
كالأوراق المتراقصة في غابة.
كتاب التناقضات
المكتوب فيه يتغيّر كل لحظة
الصور تنقَّح تلقائيا، الكلمات تلألأ
موجة متصاعدة تتدحرج عبر النصّ
تتبعها موجة، تتبعها موجة.
……
توماس يوستا ترانسترومر( 15 أفريل 1931 – 26 مارس 2015) من أكبر شعراء السويد في القرن العشرين، ويعتبر واحداً ممن يشكلون وجه الثقافة السويدية في العالم، في صف واحد مع إيمانول سفيدنبوري وأوغست ستريندبرغ وإنغمار برغمان. وقد حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 2011 «لأنه من خلال صوره المركَّزة الشافة يتيح لنا نظرة جديدة إلى الواقع.”
ا. جمال الجلاصي
كاتب و شاعر و مترجم من تونس