نفحات القلم
.برنامج اسبوعي تقدمه جامعة رفيف القوافي الإلكترونية يدير البرنامج الشاعر مروان يوسف عواد يعاونه في الإشراف والتنسيق كل من الشاعرتين : أوس بالعابي و وحيدة دلالي زيتونة
برنامج قصيدة وناقد برنامج ادبي شعري هادف يتم من خلاله تعريف وتحليل ونقد القصائد الهادفة من قبل كبار النقاد والمحللين العرب
أسى بوطن جريح ….. للشاعر مندوب العبيدي
منذ اندلاعِ الأسى تترى خساراتي
لا شمسَ طهّرتِ الأوجاعَ في ذاتي
ولا وجدتُ بذاتي من صدى لغتي
فموطنُ الناي حزني بابتهالاتي
وتهتُ عن سُلّمِ الأفراح تخذلُني
أصابعي حين تكبو بانهياراتي
مضى بنا العمرُ في فوضى مُخلَّقةٍ
مُدامةٍ عند أسرار السجلّاتِ
ما بين هاكَ وهاتِ مسخُ أقنعةٍ
والعابرونَ على قيد السماواتِ
ما كانت الربحُ إذ تأتي بمنعطفٍ
الّا انثنت تحت اقدامِ الرجالاتِ
بفكرةِ الحربِ أوهامٌ مُكدّسةٌ
لا وقتَ للسلمِ في عُهرِ الخياناتِ
للبيعِ صرنا وسوقُ الحربِ موعدُنا
مُقايضونَ ببخسٍ في المزاداتِ
نُجيدُ حدَّ امتلاءِ الوقتِ من غَبَشٍ
ولا نُجيدُ مراسيمَ الصباحاتِ
وفي مغبِّ غيابِ السلمِ أوجعُهُ
أن لا نهايةَ في حربِ البداياتِ
نُمارسُ الوطنَ المذبوحَ ترضيةً
مُقامرينَ على قتلِ النهاراتِ
من اخمصِ الجرحِ أسرى في الخطى هربا
وفي اقاصيَّ لا ألقاهُ في الآتي
أضاعت الريحُ ما حولي وأعجبُها
أن تستريحَ بمنثورِ الحبيباتِ
أُجيدُ فنَّ احتراقي في مكابدتي
وأختبي تحت جمري بانطفاءاتي
ما زال معنايَ رغمَ الجمرِ مُندلقا
يُكوى ويسألُ عن معنى الهوياتِ
تلك التي انسلخت عن أصلها طمعا
وبين حربينِ في حبر الإشاراتِ
لملم شظاياكَ ما في الوقتِ مُتّسعٌ
فانتَ أدرى بإيعازِ القطاراتِ
سأرتديكَ حضورا لا غيابَ به
وأستعيدُ وجودي في متاهاتي
وأقدحُ الليلَ عن فجرٍ يباغتني
حتى اراكَ مُعافى في الإذاعاتِ
لأنكَ الكونُ تبقى في مكائدِهم
فوق الذُرى وعصيّا في الملماتِ
الشاعر مندوب العبيدي
******* *******
-قصيدة(أسى”بوَطن جريح )– _____مالَهاوماعَليها.
دراسة تحليلية نقدية للدكتور الناقد عبدالحَسَن خضير عبيد المحياوي
كَثيرةهيَ القصائد، وكثيرةهي النصوص الأدبية وتنوعاتها وأجناسها. والناقدالمنصف عليه أن يقفَ تجاهَ هذا المَدالأدبي بروح” حياديةإيجابية، فيكشف عن محاسنها، ويقَومَ مايرد فيهامن هَفَوات”تقويمآأدَبيآ، نَقديآ، مَحضآخالصآ، بعبارةأخرى أن يعطي
النَصَ ما لَه’، وماعَليه. وليَ الفخرأن أبينَ القارىء والمتلقي بأنني من النقادالذينَ لايجاملون في هذا المَجال،ولاأتَقَصَدالنَصَ بقَصداقتناص الأخطاء فيه وغَض البَصَرعما
يحمله من جمالية” وإبداع”أبَدآ…
بينَ يَدَيَ قصيدةبعنوان(أسى”بوَطن جريح ) – سأبدأبالعنوان فأقول:-إنَ هذاالعنوانَ صَريح” غاية”في الصَراحة،بَل جمعَ القصيدةَ
كلهامع مضمونهافي هذه المفردات الثلاث، وكنت’أتمنى، بَل وأقتَرح على الشاعرأن يجعَلَ عنوانها((لأنَكَ الكَون)) وهوبداية البيت الأخيرمن القصيدة،، حينَئذ” سيَنجذب’
القارىءوالمتَلقي ويَتَلهَف للسؤال عن هذاالذي أخَدَصفَةَ الكَون بلامنازع، أَهوَ الشاعر؟أَم الحبيب؟ أَم الوطن؟أَم الحَرف الذي يكتب تَفاصيلَ هذه القَصيدة؟………….. القصيدةوطنية
المضمون، وَليسَ كل مَن كَتبَ للوَطن أجادَ وأتقَنَ… نَدخل الآن إلى مطلع القصيدة(الراااااائع)-فالقَصيدةبرأينا
نَصفهَاقصيدة”حين نجدمَطلعها
مَجمَوعةَ لآلىء” بَراقة”نسكبهَافي بَحر” فتَنهال مثلَ حبَيبات”
متماسكة” تَسير باتجاه”عَمودي بَديع متصل يَستقرفي قاع البحر، وهوَ
مكانها المناسب،يَقول الشاعر..
منذ اندلاع الأسى تَترى خَساراتي
لاشَمسَ طَهَرت الأوجاعَ في ذاتي
ومطلع القصيدة هذا والقصيدةنفسها هيَ معارَضة لقصيدة الشاعرالعراقي المبدع حسن المَرواني التي يَقول في مَطلعها:-
ماتت °بمحراب عينيك ابتهالاتي
واستسلَمت°لرياح اليأس راياتي
وقدأداهاالمطرب المشهوركاظم الساهر، معَ
اختلاف المَوضوع والتجربة بينَ القصيدَتين،
وهذه السمَة الأولى لنجاح هذه القَصيدة.
جَماليةالمَطلَع الأولى هيَ عبارة(منذاندلاع الأسى) فكَلمةمنذ’تَدل على الظَرفيةالزمانية،
والاندلاع مَصدروالمصدرحَدَث”
غَيرمقتَرن بزَمن، فالأسى’ لم يَعد لَه’زمن ماض” أو حاضر”أومستقبل، بَل كل هذه الأزمان، وهذايقودناإلى القَول بخلودهذه القَصيدة، إذإنها
لاتعَد’ من قصائد المناسَبات المحَددَةبوَقت” معلوم”، وَمن ثمَ ينتهي صَداها وتَموت..أماكلمة خَساراتي فقدجمعهاالشاعرجمعَ مؤنَث”سالم، ولم يَقل خَسائرالتي هيَ جمع تَكسيروهوَفرع”على جمع المؤنَث السالم، وبذلكَ مَنحَ صفةَالخَسارةخَسارةَ حَياة”، في
مقابلهامَوت الحريةالتي تمثلهاصورة
الشَمس التي ماان تبزَغ حتى تنتهي تلكَ الآلام المتجَذرةفي أعماق الروح والذات. والصورة’بَديعة” بين (اندلاع الأسى) الذي يشبه الحريقالمؤلم وبينَ الشفاء والبرءمن الآلام بأشعة-شمس الحرية.عَددأبيات القصيدةعشرونَ بَيتآ، وماأجمله من عَدَد وماأحَبَه’ إلى المتلقي، إذإنهامتوسطةالطول فلاتسبب ضجَرآأونفرآلمَن يتَلقاها، وقدكتَبهاالشاعرعلى بحر البسيط ذي العَروض المخبونةفَعَلَن بتحريك العين والضرب فَعلَن بسكون العَين الاالمَطلَع فقدفضَل الشاعرفيه التَصريع، إذ
جعَلَ كلآمن العَروض والضرب فَعلن بسكون العَين، وهذاالبحريستَوعب معانيَ غَزيرة، فضلآعن الصوَر
المرَكبةوالبلاغية والأساليب.
فَمن هذه الأساليب أسلوب الحذف، إذيقول الشاعر:-
ولاوَجَدت’بذاتي من صَدى لغَتي
فَمَوطن’ الناي- حزني بابتهالاتي
فَقدحَذف الشاعرالمفعول الأول للفعل وَجَدَ وتقديره(شَيئآ)، كماقصَدَ
الشاعرمعنى”آخرَأيضآ بالغعل وَجَدَ من الوَجد وهوالحزن،وهذامابينَه الشطر الثاني منَ البيت، كذلكَ حذف َ الشاعر الموصوفَ وأبقى على الصفةفي البيت الثامن فقال:-
للبَبع- صرنا، وسوق الحرب مَوعدنا
مقايَظون َ ببَخس” في المَزادات-
فقَوله(ببَخس”) أي بثَمَن” بَخس”، قالَ تعالى’في سورةيوسف(وَشَروه’ بثَمَن”بَخس” دراهمَ مَعدودَة”وكانوا فيه من الزاهدين). وفي البَيت نفسه أسلوب تقديم وتأخيرأفادَالتخصيص في قَوله-(للبَيع صرنا) وفي هذه
العبارةتحَول” من حال”سيء الى حال” أكثَرَسوءآ…..لكنَ هذاالحال لن يدومَ، إذ يتَوج الشاعرمَلحَمَته هذه بعَزيمة الرجال التي تنثني الريح تحتَها فَيَقول:-
ماكانَت – الريح’إذ تأتي بمنعَطَف”
إلاانثَنَت° تحتَ أقدام الرجَالات-
وكلمةالرجالات- هيَ جمع الجَمع المرادمنه تقويةدلالة الكلمة. وَيعودالأسى منطلقآ، وموَضحآصورَةَمَطلع القصيدة، فالاندلاع للحَريق وليسَ للأسى، وإنَماهناجاءالشاعر
بالتشبيه البَليغ الذي تنطبق’ فيه صفات المشَبَه بالمشَبَه به، فَيقول:_
أجيد’ فَنَ احتراقي في مكَابَدَتي
وأختَبي تحتَ جَمري بانطفاءاتي
ولانستغرب من الشاعرأن يفاجئَنا ببَيت”خطابي” مزدَوَج”للنَفس وللوَطَن، فهوَيحمل’معنَيَين- في آن،، خطاب” فيه منالضَياع والتَمَزقما
فيه-، وقدجسَدَه في فعل الأمر(لَملم°) إذيَقول:-
لَملم°شَظاياكَ مافي الوَقت- متَسَع”
فأنتَ أدرى’ بإيعاز القطارات-
وكنت’آمَل’ من الشاعرأن يبدل َ كلمةإيعازبكلمة(أصداء) فهيَ موحيةأكثروتدل على البعدوالسرعة
في المَسير والمَسيرة…
وماأروَعهامن مناجاة” للوَطن في البيت الثامن عَشر، إذ يَقول:-
سأرتَديكَ حضورآ لاغيابَ به-
وأستَعيدوجودي في مَتاهاتي
وهذاعَود” على بَدء، عَود”على مطلع القصيدةالذي يَذكرفيه كلمة(لاشَمسَ) – وهذالاغيابَ-صورتان بَديعتان تبعَث’الأمَلَ الدائمَ واستعادةالوجود… استعادةالوطن المسلوب بأيد”لاعلاقةَ
لهابالوطَن والوَطنيةوإن كانت من ذلك الوَطَن….
بقيَ لنابعض الملاحظات الفنية… أوَلها:-
إنَ القصيدةبنيت على ثلاثةأحرف(آت ي)مسبوقة” بألف تأسيس، بصَرف النظرعن الحرف الذي يسبق هذا
التأسيس وتغيره من بَيت”لآخر، فقدعلقَت°في هذه القصيدةبعض
القَوافي الخارجة عن تأسيس القافية، وهذه القَوافي هيَ(ذاتي…السجلات-… الحبيبات-
الهويَات-)، فضلآعن هَفوة في المعنى في قوله في البيت التاسع عَشر :-
وأقدَح ‘الليلَ عن فجر” يباغتني
حتى أراكَ معَافى” في الإذاعات-
والإذاعات نَسمعهالانَراها، ولوقالَ(في فضاءاتي) لاستقام المعنى وتوضحَت الصورةأكثَ
لقدكتبَ الشاعرللوطن فأجاد… وأتقنَ..
فكانَ تعليله بديعآوشامخآ، وتعبيره صادقآوجزلآ، فأحسن التعليل، وأحسنَ الختامَ كماأحسنَ المطلع، فقالَ في مسك ختامه..
لأنَكَ الكوَن تبقى في مكائدهم
فوق الذرى وعَصيآفي الملمات-
تخية”وتقديرآوإجلالآلجماليةالتعبيروجماليةالشاعرية وقبلهماجمال الوطن والشمس والحرية..
ووداعآللأسى والحَريق..
الأستاذالمساعد الدكتور الناقد عبدالحَسَن خضير عبيد المحياوي
عضوالاتحادالعام للأدباءوالكتاب في العراق
٢٠٢٠/٥/٩