طبيب حاذق متواضع ذو لطافة وذكاء قل نظيرهما يتمتع بحس إنساني عالي ووعي كبير واسع المعرفة مُحب ابن بيئية غنية بالجمال والأخلاق والمحبة وابن أسرة مكافحة بامتياز
الطبيب غياث جوهرة كان لنا شرف اللقاء معه:
– بدايةً دكتور غياث لو تحدثنا عن نشأتك؟
نشأت في قرية زور بعرين التابعة لمنطقة مصياف محافظة حماه و هي من أجمل القرى و قد اختيرت في أيام الإصلاح الزراعي لعمل مشتل زراعي يحوي معظم الأشجار المثمرة و الخضر الفصلية و يرويها نبع التنور العذب المحاط بأشجار السرو و الآكاسيا و الكينا مما يجعل منه مكان للراحة و الاستجمام و محطة لعصافير الدوري في أيام تكاثرها و في هذا المشتل الذي كان لنا منه نصيب قضيت طفولتي
– دكتور غياث لا بد أن يكون للعائلة والبيئة المحيطة تأثيرها في شخصيتك لو تحدثنا عن هذا الجانب؟
عائلتي محافظة يغلب عليها الطابع الديني و محبة الصالح العام و الإنسان نتيجة ومن الطبيعي أن أكون ابن هذه البيئة
– تناهى إلى سمعنا من الأصدقاء أن مراحل دراستك كانت غنية وكان لك إنجازات علمية خلالها؟
درست الطب العام في جامعة دمشق و خلالها طورت اختبار جيليه للتأكد من تثبت عظم الركابة في الأذن أو أي سبب آخر لنقص السمع التوصيلي و قد قدمته لرئيس قسم الأذنية
وفي المرحلة الثانوية كان لي ولع بالرياضيات خاصة الهندسة و في تقسيم كثير الحدود حيث طورت طريقة هورنر و عرضتها على قريب لي يدرس الرياضيات في جامعة البعث حيث عرضها على أستاذه بدوره والذي أقر بأنه تطوير لطريقة هورنر
كما أنني في معسكر الشبيبة صنعت لعبة سيارة تمشي على محرك كهربائي صغير و أشياء أخرى لأصدقائي و كانت أول لعبة سيارة تمشي على البطاريات مع تحكم سلكي في اتجاه سيرها في بلدنا
– أنت كطبيب محب ومولع بمهنة الطب حبذا لو تحدثنا عن هذه المهنة من منظورك؟
أؤمن بمقولة جالينوس أن الطب من الله و هو من أشرف المهن بعد الفقه كما قال الشافعي كما أؤمن بمقولة أبقراط أن الطب علم و تجربة فعلم من الله و هو كلية يصح في كل مكان و زمان و تجربة أي تطوره البشرية بمعونة من الله فروى جالينوس أن امرأة رأت في منامها علاجها و فعلا شفيت و قام هو بدراسة النبتة و وجد لها هذه الخصائص في شفاء هذا المرض التي كانت تعاني منه و يحكى أن النبي داوود كانت تنبت في محرابه نبتة تخبره عن فوائدها العلاجية بإذن الله و توجد أخبار عن رواد العلم الحديث عن أثر الرؤيا في اكتشافاتهم.
– لو أردنا الحديث عن تجربتك بالعمل خارج الوطن سوريا كيف تقيم هذه التجربة من حيث تأثيراتها سواء الإيجابية أو السلبية على حياتك؟
فعلا كما قال الإمام الشافعي تغرب ففي الأسفار خمس فوائد
ففي غربتي إلى إحدى الدول الشقيقة تعمق حسي القومي و محبتي لعروبتي لأني وجدتهم أقرب لي من غيرهم و أشدهم وفاء ضمن هذا الخليط من معظم الجنسيات في العالم
و على صعيد مهنتي اطلعت على معظم خبرات الشعوب و أسلوب التدريس في جامعاتهم و أفضل شيء حصلت عليه هو علم الجودة النوعية في المنشآت الصحية و مؤسسات الدولة ككل حيث عملت مديراً لقسم الجودة إضافةً لعملي كطبيب
– كلنا يقر بدور الاطباء كرديف للجيش العربي السوري في هذه الحرب الكونية من تواجدهم في خنادق القتال وما قاموا به من دور في التخفيف عن الشعب السوري وليس آخرها التبرع بالعمل شبه المجاني وغير ذلك
ماذا يحدثنا الدكتور غياث عن دور الطبيب عموما وعن دوره بشكل خاص؟
أنا أؤمن بالتكافل الاجتماعي و الدولة بالنسبة لي كالأب و نحن أبناؤه ومن واجب كلٍّ منا أن يقدم ما يستطيع و خاصة في دولةٍ كدولتنا قدمت لنا التعليم المجاني حتى الاختصاص كما أمنت لنا السكن و هي ميزة لا توجد في غيرها من الدول بهذا الصدق و هي الدولة الوحيدة تقريبا التي يستطيع أي فرد بها بجده وعمله أن يتقلّد أي منصب إن كان مؤهلا مُحباً لمجتمعه
وفي أول عام للأزمة افتتحت عيادتي مجاناً للمهجرين و لشهداء الجيش كما وضعت نفسي في خدمة الهلال الأحمر العربي السوري و الجمعيات الخيرية حتى تولت المستوصفات التابعة للجمعية الخيرية بمصياف تقديم العلاج والأدوية مجانا للمرضى إضافة للمستوصفات العامة التابعة للدولة و المشفى الوطني المجاني و الحمد لله و الشكر لدولتنا وأعتقد أن الخدمة الصحية في منطقتي تغطي كامل الاحتياجات بحسب الإمكانيات المتوفرة
– كان لك دور بارز كما باقي أطباء الوطن في التوعية خلال أزمة كورونا حيث ذكرت الكثير من المواقع كالمشهد والعالم ومواقع أخرى أجنبية
أنك نصحت باستخدام نبات من أنواع الصباريات( اورغانا)
كنوع من العلاج بالإضافة إلى أنواع أخرى
فهل كان القصد من ذلك تخفيف الاعباء عن المرضى وذويهم في هذه الظروف الصعبة أم هي فعلا ترتقي إلى ماهو افضل من الأدوية الكيميائية في بعض الحالات؟
العلاج يفرض نفسه بغض النظر عن سعره و لم يكن هدفي حين نصحت بالعلاج بنبتة الزينة الناحية المادية لكن أؤمن أنها العلاج الشافي كما أن للسرو دور فعال أيضا و قد اقترحته كعلاج مساعد
– لاحظنا محبتك للفلسفة فما هو تأثيرها في شخصيتك وتعاملك مع المرضى؟
الفلسفة هي أم العلوم و أؤمن أنها من الله سواء فلسفة قبل سقراط أو بعده
و الفلسفة تجعلك تنظر في كل الآراء أي تشفى من داء الحمق و هو الظن أن ما يراه هو الصواب و الصواب فقط سواء كانت رؤية عقلية أم حسية
فأصبحت أتقبل آراء زملائي و لا أقيسها بمرجعي الجامعي المقرر فبعضهم يرى بخصائص الدواء ما يمكن أن يكون شافيا أو مساعداً على الشفاء و حتى أني استمع لملاحظات الأهل و خبرتهم
فالفلسفة هي أم العلوم كما ذكرت و ليست العلوم فهي تعطيك الاستطاعة أن تطورها و تفهمها و تبدأ حيث انتهت العلوم التجريبية فميزة العلوم الحالية أنها تبحث في قوانين الظواهر الكونية فالكون بني على حسابات رياضية وكما قال الله تعالى “كفى بنى حاسبين”
أما الفلسفة سواء التي كانت قبل عصر سقراط و ما بعده فهي من الله الصادق عند الفلاسفة فأهل اليونان القديم و الشرق الأوسط كانوا على صلة بثقافة الهند العظيمة مهد الأديان حتى عندنا نقول أن آدم نزل بالهند فما خلت أمة من نذير و مدارها قبل سقراط على الهدف من الخلق و الهيولى و حقيقة ما تعطيه الحواس في معرفة العالم الخارجي المحيط بنا (كما يسميه بارمنيدس الوجود)
و بعد سقراط تناولت الانسان و الله و أعتقد جازماً ان الانسان لا يستطيع رؤية العلوم الحديثة و تحطيم حجابها إلا بالفلسفة
– ماذا لو لم تكن طبيباً؟
كنت سأصبح طبيباً عربياً مهتماً بالفلسفة و الأديان أو على الأقل مجبر للكسور فجدي و أخوه رحمهما الله كانا يعملان بهذه المهنة و لأخلاقهما الطيبة و محبتهم للناس دور أساسي في شخصيتي
– ما هي نصيحتك لكل طبيب مبتدئ في التعامل مع مرضاه؟
الله الشافي ونحن الوسيلة و الأخلاق الحسنة عماد التوفيق و النجاح بالمهنة
دمتم و دام الوطن و قائده بخير
د غياث جوهرة
إعداد: الأستاذ سام عبد الحميد محمد
م. رغد طليمات
حوار: م. رغد طليمات